داود البصري التشيع في المغرب بين الحقيقة والأسطورة؟

تاريخ الإضافة الإثنين 16 آذار 2009 - 1:55 م    عدد الزيارات 1453    التعليقات 0

        

المغاربة لا يعانون من "عقدة كربلاء" وليسوا على استعداد للتخلي عن هوية تاريخية متوارثة
ما يجري في العالم العربي اليوم من سباق وتنافس في مجال عرض الأفكار وتسابق التيارات والرؤى ليس بالأمر الجديد ولا المستحدث, بل أنه استمرار لحالات الصراع الفكري والسياسي الذي عبر عن نفسه بمجالات وصيغ مختلفة, والأحاديث العنيفة الدائرة اليوم في العالم العربي عن صراعات مذهبية عنيفة تجرنا إلى حقب تاريخية سحيقة كانت حافلة بالصراعات المذهبية, وهي حالة لا تتناسب إطلاقا مع قيم العصر الحديث, وحيث أضحت العولمة وانتقال الأفكار واحدة من أهم متبنيات وحقائق العصر الجديد, والشكاوى السياسية المرتفعة من هذا الطرف أو ذاك عن غزو فكري ومذهبي هي حالات ستستمر وتتصاعد من دون شك في ظل استفحال الصراعات السياسية, والتي تعتبر الخلافات المذهبية جانبا ورافدا من روافدها, وما حدث من تصدع في العلاقات بين المملكة المغربية والنظام الديني في إيران على خلفية أسباب سياسية محضة, ومباشرة تطايرت خلالها شظايا عن مخاوف مغربية ,كما قيل, من حملات تبشير مذهبي إيرانية تهدف الى تحويل المغاربة لاعتناق المذهب الشيعي, هو في رأيي المتواضع مجرد مبالغة محضة وإغراق في عوالم الخيال, وابتعاد حقيقي عن الصورة المركزية لإدارة الصراع الإقليمي والدولي!.                                                              
الشعب المغربي هو في طبيعته وأساسه التكويني شعب متدين بالفطرة, وللإسلام دور كبير ومركزي وفاعل في تكوين الشخصية الوطنية المغربية عبر التاريخ, وقدسية الإسلام هناك لا تدانيها قدسية, ولا مكانة ونظرا الى الصراع العسكري الدائم والتلامس الشديد مع العالم المسيحي (الأوروبي) المجاور أصبحت كلمة "النصراني" أو المسيحي من الصفات الملتصقة بالأوروبيين الغزاة! الهادفين للسطو على الثغور الإسلامية, وإلى وقت قريب كان المغاربة لا يتصورون أن هناك عربيا مسيحيا! قبل أن تتغير هذه الفكرة كليا بعد ثورة التواصل المعلوماتية الهائلة التي غيرت الكثير من القناعات والتصورات النمطية السابقة, والحديث عن الإسلام في المغرب يعني أساسا الحديث عن قدسية آل بيت النبوة الأطهار الذين لا تدانيهم في القدسية في المغرب أي شيء, فشرعية الحكم والسلطة في المغرب مشتقة أساسا من انتماء العائلة الحاكمة منذ قرون للدوحة النبوية, وتحديدا من الفرع الحسيني من آل أبي طالب, فمعروف تاريخيا ان انبثاق المغرب الإسلامي قد جاء أساسا مع قيام دولة الأدارسة العلويين بعد فشل ثورة أبناء عبد الله بن الحسن المحض في المدينة المنورة, في عصر أبو جعفر المنصور العباسي وحيث احتضنت القبائل المغربية اللاجئ إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الذي قضى اغتيالا بالسم على يد محمد بن جرير الشماخ أحد عملاء الدولة العباسية لتمتد السلطة لابنه, الذي ولد بعد رحيله إدريس الثاني, ولتتأسس هناك دعائم دولة عظيمة لم تزل إشراقاتها متجلية حتى اليوم, ممثلة بمدينة فاس العلمية التي قدمت للمغرب خيرة علماء الإسلام هناك, وتوالت السلالات هناك ليكون المغرب أحد أهم ثغور الإسلام, وفي التصدي للإستعمار الغربي في المرحلة التي أعقبت انهيار الحكم الإسلامي في الأندلس, والحديث عن التشيع في المغرب أراه من الأمور المبالغ بها, لأن المغاربة ليست لهم مشكلة أصلا مع أهل البيت, والمذهب السني المالكي السائد ليس مذهبا ناصبيا, بل لا يوجد أصلا من يناصب أهل بيت النبوة العداء, بل على العكس فإن هناك الكثير من الممارسات الدينية في المغرب, كزيارة الأضرحة وتعظيم الأولياء وإقامة المواسم الدينية متشابهة تقريبا مع بعض ممارسات الشيعة الإثني عشرية, ثم أن الروحية الطائفية في المغرب لا تعرف التعصب ولا الانغلاق, ولا حتى تكفير المخالف, هذا إذا استثنينا الحركات التكفيرية المحدثة التي ظهرت في الآونة الأخيرة, والتي هي أساسا خارجة عن نمط التفكير المغربي العام, نعم قد يكون هناك إعجاب من خلفية سياسية بالحركات السياسية الشيعية الممولة من النظام الإيراني ك¯ "حزب الله" مثلا, ولكن ذلك لا يعني أبدا ان للستراتيجية والتفكير والايديولوجية الإيرانية حضور شاخص في التفكير الشعبي المغربي بشكل راسخ بل نتيجة للظروف السياسية الآنية, ثم أن في المغرب ينتشر التصوف بطرقه العديدة وتنتشر التيارات السياسية الدينية التي نهلت من التنظيمات الدينية الشيعية في أساليب عملها السياسي والتنظيمي, مثل حركة وجماعة "العدل والإحسان" وحيث يشاع أن زعيمها الروحي ومرشدها العام الشيخ عبد السلام ياسين له سلطة روحية تتشابه وسلطة الولي الفقيه الإيراني, وبطبيعة الحال لا بد للمبشرين الإيرانيين أن لاحظوا بأن التربة والأرضية الفكرية المغربية مهيأة بالكامل لنشر الفكر الشيعي بطريقته الإيرانية ولكنهم تناسوا ان العقلية المغربية لا تتناغم أصلا مع الطروحات المذهبية الإيرانية, لأنه ببساطة لا توجد مشكلة بين المغاربة وأهل البيت, والانسجام المذهبي المغربي الذي يجمع كل شرائح الشعب من العرب أو الأمازيغ أو الأندلسيين قد استطاع أن يجنب المغرب الكثير من الكوارث التاريخية, وأبعد البلد من شبح الحروب الأهلية والطائفية, لذلك لا مجال أبدا لأي فكر تقسيمي للمجتمع المغربي, وبما يضعف عناصر وحدته الداخلية الراسخة والمتجذرة تاريخيا, الشيعة ليسوا فرعا واحدا, بل إنهم فروع وأقسام وتيارات والمذهب الإثني عشري السائد في الشرق الأوسط, ليس هو المذهب الشيعي الوحيد فهناك المذهب الإسماعيلي, وهناك العلويون وهناك الإخباريون المختلفون عن الأصوليين الشيعة من الإثني عشرية وهناك فرق وملل ونحل عديدة, وطبيعة المجتمع المغربي مختلفة بالمرة عن طبيعة المجتمع العراقي تاريخيا وعرقيا وفكريا, فالمغاربة لا يعانون من عقدة "كربلاء"! كما أنهم بالتالي ليسوا على استعداد للتخلي عن هوية تاريخية متوارثة بهذه البساطة والمخاوف من حملة تشييع للمغاربة مبالغ بها كثيرا, ثم أن هناك حرية فكر واعتقاد في المغرب وهناك تيار شيعي إمامي يتزعمه السيد هاني إدريس, وهو محدود الانتشار للغاية, ولا يقارن حجمه بحجم الجماعات السلفية أو التكفيرية المنتشر في المجتمع المغربي, والذي يهدد بخيارات تدميرية. نعم الإيرانيون يحاولون إحداث ثغرة في جدار النسيج الوطني المغربي, ولكنهم عاجزون بالكامل عن تحقيق أي تسلل مباشر, وكل الحصيلة الإيرانية تتمثل في استثمار الإعجاب الشعبي ب¯ "حزب الله" اللبناني, ومحاولة تجيير ذلك لمصلحة النظام الإيراني, فالشيعة ليسوا في حالة حرب مع الشعب المغربي فحرية الأفكار والمعتقدات ليس لها حدود وبالتالي لا يمكن منع تدفقها!. 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,772,416

عدد الزوار: 6,914,251

المتواجدون الآن: 101