هل لتوقعات المفكرين دور في مسار الحروب؟...

تاريخ الإضافة السبت 26 تشرين الثاني 2022 - 5:17 م    عدد الزيارات 295    التعليقات 0

        

هل لتوقعات المفكرين دور في مسار الحروب؟...

الشرق الاوسط.... د. محمد خير ندمان

طرحت تغريدة للمفكر السياسي وأستاذ العلاقات الدولية الأميركي يوشيهيرو فرنسيس فوكوياما سؤالاً مفاده: هل لتوقعات المفكرين دور في مسار الحروب؟ يبدو أن الأمر كذلك؛ إذ أعادت تغريدة فوكوياما أطروحات هذا الفيلسوف المثيرة للجدل إلى الواجهة مرة أخرى.

ففي 3 أكتوبر (تشرين الأول)، توقع فوكوياما في تغريدة نشرها على حسابه في «تويتر» «انهياراً روسياً أكبر بكثير سيتجلى خلال الأيام المقبلة». ولقيت هذه التغريدة ردود فعل متفاوتة بين مؤيد لوجهة نظر الفيلسوف الأميركي ومعارض لها، بينما سخر البعض من توقعات فوكوياما السابقة بـ«نهاية التاريخ»، واعتبروا أن الغزو الروسي لأوكرانيا يثبت هزيمة الليبرالية الديمقراطية بعكس ما توقع، وبالتالي بطلان هذه النظرية.

واتهم بعض المعلقين فوكوياما بتبني نظرية القطب العالمي الواحد الذي يضمن استمرار الهيمنة الأميركية على العالم، وبأن مواقفه السياسية نابعة من خشية أن تؤدي الحرب في أوكرانيا في النهاية إلى ظهور أقطاب عالمية أخرى، مثل روسيا والصين، وربما تحالفات تضم دولاً أخرى تنافس الولايات المتحدة على نفوذها في مناطق كثيرة من العالم، وهذا لا يخدم المصالح الأميركية.

وتعد أطروحة «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» التي نشرها فوكوياما في مجلة «ناشيونال إنترست» عام 1989 قبل أن يتوسع فيها ويؤلف الكتاب الذي يحمل العنوان نفسه، من أشهر أطروحات فوكوياما التي جادل فيها بأن تطور التاريخ البشري كصراع بين الآيديولوجيات انتهى إلى حد كبير بانتصار الديمقراطية الليبرالية بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين عام 1989.

وحسب فوكوياما، فإن نهاية التاريخ لا تعني توقف الأحداث أو العالم عن الوجود، ولا تلقائية تبني كافة مجتمعات العالم للديمقراطية؛ لكن المقصود هو وجود إجماع عند معظم الناس بصلاحية الديمقراطية الليبرالية، أي انتصارها على صعيد الأفكار والمبادئ، لعدم وجود بديل يستطيع تحقيق نتائج فُضلى.

ومثل هيغل وماركس، لا يعتقد فوكوياما أن تطور المجتمعات البشرية بلا نهاية؛ لكنه يكتمل عندما تجد البشرية التنظيم الاجتماعي الذي يشبع احتياجاتها الطبيعية والأساسية.

وكان فوكوياما قد توقع في سبتمبر (أيلول) الماضي، في مقال نشره موقع «Journal of democracy»، أن تنتصر أوكرانيا في الحرب على روسيا؛ مشيراً إلى أن الحرب «بلغت الآن في شهرها السابع منعطفاً حاسماً سيحدد مسار الديمقراطية العالمية». واتهم فوكوياما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن الحرب بهدف السعي إلى تحطيم النموذج الحر لأوكرانيا الذي يمثل الليبرالية الديمقراطية، وليس لحماية الأمن القومي الروسي من مخاطر تمدد حلف شمال الأطلسي كما يدَّعي. وأعرب فوكوياما عن ثقته بقدرة أوكرانيا على استعادة الزخم العسكري بمساعدة الأسلحة المتطورة التي يقدمها الغرب، وبأن فشل الحملة العسكرية الروسية، واستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا بعد 24 فبراير (شباط) 2022 ستكون له تداعيات سياسية كبيرة حول العالم ستؤدي إلى سقوط كثير من الأنظمة التي يسميها «استبدادية».

وسخر فوكوياما من ادعاء روسيا والصين قبل الحرب أن أنظمتها «الاستبدادية» أفضل من نظام الليبرالية الديمقراطية الذي تمثله الولايات المتحدة، وقال إن الحرب أثبتت أن النموذج الروسي في مركزية صنع القرار الذي يتمحور حول رجل واحد، جعل القيادة الروسية ترتكب أحد أخطر الأخطاء السياسية في التاريخ الحديث بغزو أوكرانيا. على النقيض من ذلك، بدت الديمقراطيات الغربية موحدة ومصممة في مواجهة هذا التحدي. ويختم فوكوياما مقاله بتأكيد أن «أوكرانيا سوف تنتصر. المجد لأوكرانيا!».

وقد لاقت توقعات فوكوياما انتقادات واسعة من كثير من المفكرين والسياسيين. على سبيل المثال، قال المفكر المصري عبد الحليم قنديل، في حديث نشره موقع «روسيا اليوم» في 4 أكتوبر، إنه «لا يوجد مبرر واحد لتصديق نبوءة فوكوياما هذه المرة بانهيار وشيك لروسيا». وأضاف قنديل أن اسم فوكوياما «اشتهر بكذبة. هذه الكذبة جاءت في كتاب نهاية التاريخ، وهو كتاب فضيحة. تصور مع انهيار الاتحاد السوفياتي أوائل التسعينات أن التاريخ قد انتهت مسيرته، وأن غاية التاريخ هي بلوغ الديمقراطية الغربية والليبرالية الاقتصادية، وهو ما ثبت فيما بعد كذبه الصريح وقيامه على أسس التمني، لا على أسس الفحص الدقيق لوقائع التاريخ». واعتبر قنديل أن الفيلسوف الأميركي «يصدر أحكاماً حسب موقفه الشخصي والنفسي... فهو شخص متحيز نفسياً، متحيز سياسياً، يصدر آراءه حسب الهوى لا حسب قواعد العلم. وقد توقع مبكراً هزيمة روسيا، ولا أتصور، ولا يتصور عاقل أن ذلك سيحدث».

هذه الانتقادات دفعت فوكوياما إلى نشر مقال جديد على موقع The Atlantic في 23 أكتوبر، بعنوان «المزيد من الأدلة على أن هذه هي نهاية التاريخ». يعيد فوكوياما في هذا المقال طرح مفهومه حول «نهاية التاريخ» ولكن من زاوية جديدة، فالنهاية التي يراها هذه المرة لن تكون بسيطرة الديمقراطية الليبرالية على العالم، ولكن بفعل نقاط ضعف رئيسية في صميم ما يصفها بالدول الاستبدادية: روسيا، والصين، وإيران. ويشير فوكوياما إلى أن «نقاط الضعف من نوعين: أولاً، تركيز السلطة في يد قائد واحد في القمة؛ لكنه يضمن اتخاذ قرارات منخفضة الجودة، وبمرور الوقت سينتج عواقب كارثية حقاً. ثانياً، أن غياب النقاش العام... وأي آلية للمساءلة، يعني أن دعم القائد ضحل، ويمكن أن يتآكل في أي لحظة».

وفي رأي فوكوياما، فإن النموذج الروسي لاتخاذ القرار وضع روسيا في موقف صعب، وتوقع أن روسيا «ستتحمل مزيداً من الإذلال على يد أوكرانيا في الأسابيع المقبلة». كما توقع الكاتب الأميركي أن ينهار الوضع العسكري الروسي كله في جنوب أوكرانيا، وأن الأوكرانيين لديهم فرصة حقيقية لتحرير شبه جزيرة القرم.

أما بالنسبة لما يسميه النظام «الاستبدادي» الصيني، يقول فوكوياما إن إحدى السمات المميزة للاستبداد الصيني في فترة ما بين إصلاحات دنغ شياو بينغ في عام 1978 ووصول شي جينبينغ إلى السلطة في عام 2013، هي إضفاء الطابع المؤسسي على النظام في الصين. إن المؤسسات تعني أن «على الحكام اتباع القواعد ولا يمكنهم فعل ما يحلو لهم. فقد فرض الحزب الشيوعي الصيني العديد من القواعد على نفسه: سن التقاعد الإلزامي لكوادر الحزب، ومعايير الجدارة الصارمة للتجنيد والترقية، وفوق كل شيء تم وضع فترة زمنية مدتها 10 سنوات للبقاء في القيادة العليا للحزب». لكن هذه القوانين تم تفكيك كثير منها في عهد شي جينبينغ الذي حصل على مباركة حزبه للبقاء زعيماً رئيسياً لفترة ثالثة مدتها 5 سنوات في المؤتمر العشرين للحزب. بدلاً من القيادة الجماعية، انتقلت الصين إلى نظام شخصي.

كما يشير فوكوياما إلى الاحتجاجات التي هزت إيران بعد مقتل مهسا أميني على يد شرطة الآداب. ويعتقد المفكر الأميركي أن إيران تواجه أزمة مصرفية، وشح المياه، وشهدت تراجعاً كبيراً في الزراعة، وتواجه عقوبات وعزلة دولية خانقة. على الرغم من كون الشعب الإيراني يتمتع بنسبة تعليم مرتفعة، وتشكل النساء غالبية خريجي الجامعات، فإن النظام في رأي فوكوياما تقوده مجموعة صغيرة من كبار السن لديهم مواقف اجتماعية من عدة أجيال قديمة.

ويعتقد فوكوياما أن الديمقراطية الليبرالية في وضع أفضل بكثير على الصعيد العالمي مما يعتقده كثير من الناس. وعلى الرغم من المكاسب الأخيرة التي حققتها الأحزاب الشعبوية في السويد وإيطاليا، فلا تزال معظم البلدان في أوروبا تتمتع بدرجة قوية من الإجماع الاجتماعي. لكنه يعترف بأن الديمقراطية الليبرالية لا يمكن أن تعود ما لم يكن الناس على استعداد للنضال من أجلها.

وفي جميع الأحوال، فإن العالم حالياً يمر بمرحلة خطيرة للغاية، وما لم ينجح العقلاء من جميع الأطراف في التوصل إلى حل يوقف الحرب ويعيد السلام والاطمئنان إلى العالم، فإن تطورات خطيرة قد تغير شكل العالم كما نعرفه؛ إذا بقي هناك عالم في الأساس.

* باحث ومترجم سوري

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,194,653

عدد الزوار: 6,939,963

المتواجدون الآن: 109