محمد عياد الطنطاوي... أستاذ مصري في «ثلوج روسيا»..

تاريخ الإضافة السبت 20 نيسان 2019 - 5:55 ص    عدد الزيارات 1127    التعليقات 0

        

محمد عياد الطنطاوي... أستاذ مصري في «ثلوج روسيا»..

الحياة....عبدالحميد صبحي ناصف * .. بدأ اهتمام الروس بالثقافة العربية والإسلامية من خلال التجارة خاصة في العصر العباسي الأول. إلا أن الاهتمام بالثقافة خاصة توضح مبكراً من قبل العرب بعد أن أرسل الخليفة العباسي «المقتدر» مبعوثه «أحمد بن فضلان» إلى ملك البلغار الذي كان يقيم على ضفاف الفولجا الذي عاد وقدم للخليفة مكتوباً بعنوان «وصف روسيا» وهكذا كانت جامعة خاركوف أول جامعة تطبق نظام تدريس العربية عام 1804 ثم جامعة قازان 1807 فجامعة موسكو التي أنشأ بها معهد الألسن عام 1811.. وهكذا نهجت الدراسات العربية منهجاً علمياً منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى الثورة البلشفية عام 1917، فكان أن أنشأ معهد اللغات الشرقية وتولى إدارته «كراتشكوفسكي» وهو ألف كتاباً بعنوان «حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي» الذي ترجمته للعربية الأستاذة ذات الأصل الفلسطيني كلثوم نصر عودة وقد أعاد المجلس الأعلى للثقافة في مصر طباعته مرة ثانية. وقد أوضح الإستشراق في روسيا الكثير من العلاقات مع بلدان شرقية وبخاصة مصر التي كانت لها السبق منذ واليها محمد علي الذي أرسل مبعوثين للدراسة في كيفية استخراج المعادن والذهب. كما استقبل مهندس المناجم كافا لفسكي للتنقيب عن الذهب في السودان، كما أنشأت بعض المدارس الروسية في سورية ولبنان وفلسطين وغيرها وفي عصر الوالي محمد علي سافر المئات من أبناء الشعب المصري إلى أوروبا لإتمام دراستهم وفي تلك الفترة بالذات (1813 – 1847) سافر الشيخ محمد عياد الطنطاوي احد أساتذة الأزهر الشريف إلى بطرسبرغ استجابةً لرغبة قيصر الروس في وفادة أستاذ عربي متمكن يشغل أستاذ اللغة العربية بجامعة بطرسبرج حيث قضى فيها ما يقرب من ربع القرن. خلاله أتقن الروسية ووصل في مهنة التدريس إلى درجة الأستاذية وليتخرج على يديه المئات منهم المستشرقون الروس والأوروبيون أيضاً. والسؤال الآن ما هي قصة انتقال الطنطاوي من التدريس إلى أروقة الأزهر الشريف إلى كرسي الأستاذية بجامعة بطرسبرغ ونعلم أن شيخنا ولد في قرية محلة مرحوم بالقرب من طنطا في دلتا مصر عام 1810، وبعد أن نال إجازة التدريس بالأزهر في علم الحديث بدأ العمل والاهتمام بعلوم اللغة وآدابها وكان يعلّم العربية للأوروبيين الذين استعان بهم محمد علي في مشروعه التحديثي وتوثقت علاقته ببعض هؤلاء الدارسين من الانكليز والفرنسيين والألمان والروس ومن هؤلاء الروس تلميذاه «موخين» و«فرين» اللذين كانا يعملان في السلك السياسي بالقاهرة وهما من دفعاه للسفر إلى روسيا بناء على دعوة من قيصر الروس عام 1840 وبالفعل بدأت الرحلة من القاهرة إلى بطرسبرغ التي وصلها بعد ثلاثة أشهر ونصف بصحبة تلميذه موخين وزوجته المصرية وبعد مرور سبع سنوات من وجوده بروسيا يعين أستاذاً للغة العربية بجامعة بطرسبرغ ولا يعوق نشاطه العلمي سوى تلك العلل والأمراض التي بدأت تدب في أوصاله مبكراً. ففي عام 1856 طلب إجازة للعلاج من شلل أصاب رجليه ومع مضي الوقت استفحلت العلة التي أقعدته تماماً عن العمل. ومن المدهش أن الجامعة كانت ترفض أي بديل لهذا الأستاذ حتى وفاته عام 1861 وكانت زوجته قد توفيت قبله وتركت له ولدهما الوحيد أحمد الذي آل إليه معاش والده الذي قررته بسخاء الجامعة. وأكمل الابن حياته بروسيا وتزوج فيها وأنجب بنتاً اعتبرتها الحكومة الروسية من الأشراف في المجتمع تقديراً لعلم وفضل جدها. وبالنسبة لأعمال ومخطوطات الشيخ الطنطاوي. فبعضها محفوظ في المكتبات الكبرى في البلاد الأجنبية والمراكز العلمية التابعة للجامعات والمراكز العلمية وقد كشف عنها المستشرق الكبير «أغنامليوس كراتشكوفسكي».

ويلاحظ أن اغلب تلك الأعمال كانت عن المرحلة البطرسبرغية إبان وجوده في روسيا. أما فترة العشرة أعوام التي كان قضاها في القاهرة فمعلوماتنا عنها ضئيلة وشحيحة. وعليه يمكننا القول أن أساس معلوماتنا عن شيخنا كانت عن طريق كراتشكوفسكي وبعض الصفحات الأخرى من أعمال لويس شيخوا في «الآداب العربية في القرن التاسع عشر» وأمين باشا فكري في «إرشاد الإلبا إلى محاسن أوروبا» وتشارلز آدمز «في الإسلام والتجديد» ويوجد للشيخ الطنطاوي نحو 150 مخطوطة في جامعة لينينغراد والبعض الآخر في معهد الدراسات الشرقية بموسكو وجامعة هلسكوفورس ومكتبة قازان وغيرها من مكتبات العالم. ويشير معاصروه إلى أن الشيخ أعار النصوص انتباهاً جدياً لم يكن معروفاً لدى معاصريه، وأنه سعى إلى تحليل اللغة الفصحى والعلمية إلى جانب منهجه التعليمي في تناول المادة؛ ويلاحظ أن مؤرخ حياة الطنطاوي كراتشكوفسكي- قد اختير خلفاً لأستاذه الشيخ- بعد وفاته- أستاذاً للغة والثقافة العربية بجامعة بطرسبرغ.

وتلعب مجموعة المخطوطات الشرقية التي كانت في حوزة طنطاوي وأغلبها عربي دوراً جوهرياً للإطلاع على تاريخ حياته بين المواد الأخرى وتلك المجموعة محفوظة الآن في مكتبة جامعة لينينغراد وقد اقتنتها المكتبة على دفعتين سنة 1871 (بعد وفاته بعشر سنوات) وعددها بلغ نحو 150 مخطوطاً وبعضها مخطوطات لطنطاوي نفسه ومكتوبة بخط يده ومجهولة في بلده مصر، وبعض المخطوطات التي طالعها طنطاوي ونقحها وعليها ملاحظات مكتوبة بيده وصل بعضها إلى «مونيخ»، والمصدر الآخر لتاريخ شيخنا هي مراسلاته لأصدقائه وتلاميذه من العرب والأوروبيين كالعالم الفنلندي فالن Vallen (1811 – 1852) الذي قام برحلة إلى شبة الجزيرة العربية، بالإضافة إلى الوثائق الرسمية التي تتعلق بخدمته منذ أن عين مدرّساً في الجامعة 1847.

وفيما يتعلق بمصنفات الطنطاوي: فلقد كان ازدهار أعماله الأدبية بين السنوات العشرة والخامسة عشرة من إقامته في روسيا. فهنا كتب أحسن مؤلفاته «وصف روسيا» المكتوب في نسختين بخط يده. على إنها لم تبلغ في الشرق إلا اسطنبول. فهذا الكتاب بموضوعه الجديد وأسلوب كتابته الحي يجعله يحتل مكاناً مرموقاً في الآداب العربية الجديدة ولو أنه مكتوب بالفصحى، ويبدوا أن الطنطاوي قد اشترك في ترجمة «ألف ليلة وليلة» التي قامر بها ادوارد وليم مؤدياً له مساعدة فعالة، وعلى العموم يمكننا أن نقسم مصنفاته إلى نوعين: القاهري، والبطرسبرغي، ومن الصعب أن نقيم حداً بينهما لأننا لا نكاد نعرف أكثرية مصنفاته إلا بالاسم فقط ولعدم وجود تاريخ على أكثر مصنفاته يدل على زمن كتابتها، فها هو ينسخ بعض المصنفات القديمة ويصنف غيرها في موضوعات مختلفة. فنراه في السادسة عشرة ينسخ في الأزهر رسائل مختلفة في علم الفلك وفي سن الثامنة يكتب ختماً على شرح القطر لابن هشام وبعد وفاة والده عندما قضى في حزنه– سنتين– في طنطا كتب تعليقاً على شرح نظمه التعليمي «منتهى الآداب في الجبر والميراث والحساب» وفي سن الـ29 كتب حاشية على تعليق رسالة في العروض، وتتمثل العقائد والعلوم اللغوية في مصنفات الطنطاوي في عهده الأول على السواء تقريباً على أن البحوث اللغوية زاحمت فيما بعد كل شئ. ونعلم أنه له في العقائد أربعة مصنفات احدها مستقل والآخر استقصاء لمؤلفات غيره: غنية المريد في علم التوحيد وحاشية على رسالة الباجوري وحاشية على التحفة السنية والعقائد السنية وشرح منظومة الشيخ السلموني في العقائد وختم على متن الجوهرة.

ويوجد عدد كهذا تقريباً من مؤلفات الطنطاوي في القواعد مكتوبة في عهده القاهري وربما كان من بينها رسائل من تأليفه مثل: قواعد الصرف ونظم تصريف الزنجاني وهو مكتوب بخط يد الطنطاوي ومحفوظ في مكتبة جامعة لينينغراد، وله أيضاً حاشية الزنجاني وهو أقدم مصنفاته عهداً التي وصلت إلينا في هذا الموضوع. وللشيخ كذلك ختم على شرح القطر لابن هشام وهو أيضاً مخطوط خط يده مؤرخ في 18 شباط (فبراير) 1848 عندما كان عمره ثمانية عشرة عاماً، تقييدات على شرح الأزهرية خط يده بتاريخ 1837. ويرتبط اسم الطنطاوي في علم البلاغة بالمخطوطات التالية: رسالة في علم البلاغة ونظم السمرقندية وتعليق حاشية الأمير... وأما ما يتعلق بالعروض والشعر العربي فنعرف الطنطاوي: لذيذ الطرب في نظم بحور العرب وحاشية الكافي في علم العروض والقوافي.. وتنتمي إلى العهد القاهري مصنفات الطنطاوي في موضوعات متنوعة كمنتهى الآداب في الجبر والميراث والحساب، ومشتهى الألباب على منتهى الآداب، وتعاليق على حاشية المقولات للعطار، وعن أصل أسماء الناس والخيل الأصائل.. ويجب أن نقسم مراسلات الطنطاوي إلى عهدين: ولا يوجد شيء لدينا في رسائله في عهده المصري. ولكن في بداية إقامته في بطرسبرغ كان حريصاً على علاقته بوطنه. وتوجد رسائل منه إلى أصدقائه الحميمين كطهطاوي وقطة والدسوقي.. وكمقدمة لعهده البطرسبرغي نرى: «تاريخ حياته» الذي كتبه الطنطاوي للمستشرق «فرين»، وأصبح تاريخ حياته سهل المنال للعلماء بفضل النشرة التي كتبها Kosegarten وكان الطنطاوي قد شرح له– بناء على طلبه– العبارات الغامضة، وكثيراً ما كان هذا التاريخ مرجعاً للعلماء. وعندما كان الكلام يجري على حياة المسلمين الثقافية في النص الأول من القرن الـ 19 وخصوصاً على التدريس في الأزهر ومن الجهة الأدبية يثير هذا المؤلف الاهتمام باعتباره مثالاً فريداً نادراً في الأدب العربي للتراجم الذاتية. ومما يدعو إلى الأسف أنه قصير وينتهي سنة 1840 ويعطينا صورة كاملة عن رحيل طنطاوي إلى روسيا وتأثره بهذه البلاد الجديدة.

أما كتابه «تحفة الأذكيا بأخبار بلاد روسيا». وهو بلا شك أكبر مؤلفات الطنطاوي أهداه إلى سلطان تركيا عبد المجيد وقد كتبه نحو سنة 1850 ومنه نسختان الأولى في أحد مساجد اسطنبول وهي الأصلية. وفي خريف 1928 وجد كراتشكوفسكي في لينينغراد النسخة الثانية ويبدو أنها كانت ملكاً لسليم نوفل خليفة الطنطاوي في القسم التعليمي التابع لوزارة الخارجية وتلك النسخة مكتوبة بيد الطنطاوي ويظهر أنها المسودة، وفيها نتعرف ببرنامج سفره من القاهرة إلى بطرسبرغ بالتفصيل ويوصف كل ما صادفه ورآه، ونعرف منه بعض تفاصيل عن حياته خلال السنوات العشرة الأولى من إقامته في روسيا. لأنه أنهى كتابه المخطوط سنة 1850. أما بقية مؤلفات الطنطاوي فهي تنتسب إلى عهده البطرسبرغي بزمنها وروحها، وبدأ شيخنا يفهم أساليب البحوث العلمية الأوروبية منها: ترجمة تاريخ روسيا الصغير لأوسترالوف، ومن الصعب أن نقول: كيف قام الطنطاوي بهذه الترجمة؟ ويظهر أنه ألمّ باللغة الروسية نوعاً ما في العقد الخامس، وعندما بدأ الطنطاوي يُعلّم في الجامعة كان أوسترالوف عميد الكلية، وأيضاً ظهرت بعض مؤلفاته للآداب الشعبية مثل: حال الأعياد والمواسم في مصر، وكتاب الحكايات، وله أيضاً بحوث كملاحظات في تاريخ الخلافة والشرق الإسلامي، وله قواعد اللغة العربية (بالروسية) وهو أول مصنف كتبه كاتب عربي بالروسية للتدريس في مدارس روسيا العالمية، وله أيضاً التحيات المعتادة في كلام العامة ومجموعة أمثال عربية، وترجمة الباب الأول من كلستان السعدي، والقاموس التتري- العربي. وللطنطاوي عدة بحوث بالفرنسية وهنا نتساءل: هل كان الطنطاوي يتقن اللغة الفرنسية؟ هذا أمر لا نعلم عنه. ولكن يبدو أنه تعلم الفرنسية عن تلاميذه الفرنسيين وأجادها لدرجة مكنته من استعمالها حين رحيله إلى روسيا في التدريس فنرى من مقالاته النقدية أنه كان يفهم البحوث العلمية بالفرنسية في ميدان الاستعراب وربما كان يكتب بالفرنسية وربما كان أصدقاؤه العلماء يصححون بحوثه وكانت بحوثه بالفرنسية عبارة عن كتاب وثلاثة مقالات تقريباً في موضوع واحد والكتاب هو «أحسن النخب في معرفة لسان العرب» والمقالتين هما ملاحظات على مختارات من رحلة ابن جيبر، وملاحظات على ترجمة بعض الأشعار العربية وأعمال أخرى منها ملاحظات عن البيان العربي عند الشعوب الإسلامية ويظهر أن هذه المقالة كانت الأخيرة قبل مرضه وعليها تاريخ 28 مارس 1855 وهي السنة التي في خريفها أقعده الشلل عن العمل. يأتي هذا الكتاب حلقة في سلسلة اهتمام الروس المتصل بالثقافة العربية الإسلامية وهو سيرة للشيخ محمد عياد الطنطاوي أحد أعلام النهضة الفكرية في مصر والعالم العربي في القرن التاسع عشر وأحد علماء الأزهر الشريف (1810-1861) الذي سافر لدراسة اللغة العربية بجامعة بطرسبرغ فقضى بها بقية حياته وتخرّج على يديه العديد من نوابه المستشرقين الروس. للكتاب قيمة فريدة في أدب الرحلات. وفي النظرة المتبادلة بين العرب والروس.

TC-5

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,680,501

عدد الزوار: 6,908,227

المتواجدون الآن: 100