الاستشراق من منظور نقدي..

تاريخ الإضافة الأحد 10 حزيران 2018 - 3:59 ص    عدد الزيارات 919    التعليقات 0

        

الاستشراق من منظور نقدي..

الحياة...كرم الحلو .. برحيل المؤرخ البريطاني الأميركي برنارد لويس هذا العام، أفل رمز من رموز الخطاب الثقافوي طالما عرف بتطاوله على الحضارة العربية الإسلامية ووصمها بالجمود والتخلف عن الحضارة الغربية وقيمها الليبرالية والديموقراطية، ما يؤكد عنده استحالة اندراج العرب والإسلام في حداثة العصر. كتب في 1990 في مقالة تحت عنوان «جذور السخط الإسلامي»: «إننا نواجه شعوراً لا يقل عن كونه صداماً بين الحضارات، إنه رد فعل مرتبط بخصم قديم لتراثنا اليهودي المسيحي ولما نحن عليه في الحاضر. وما ذلك إلا لكراهية المسلمين للغرب ورفضهم للقيم الغربية واعتبارها خطراً يهدد قيمهم ونمط حياتهم». الأمر الذي يكرس، وفق لويس، مقولة الاختلاف الجذري للعقليات والقيم الثقافية بين الغرب والعالم الإسلامي، فالفرق لا يكمن فقط بين ديانتين بل بين كتلتين حضاريتين مختلفتين. ينتمي لويس بآرائه الثقافوية هذه إلى فكر الاستشراق وما كتبه الغربيون عن عالم الإسلام قديماً وحديثاً. فقد ترسخت في المخيال الأوروبي صورة نمطية عن الإسلام تغذّت من صورة كونتها أوروبا عن الأمبراطورية العثمانية بوصفها دولة استبدادية معادية للحداثة وأفكارها التنويرية. في القرن الثامن عشر عبّر فولتير وشاتوبريان وفولني ومونتسكيو عن موقف عدائي إزاء الإسلام، فاعتبر سبب انحطاط المجتمع الشرقي، ووسم التاريخ الإسلامي، بالتعصب والطغيان والبربرية، ما برّر تبعاً لهذه الرؤية الظالمة والمتحجرة، الحروب الصليبية وغزو الشرق بذرائع حضارية زائفة. وفي القرن التاسع عشر انبرى إرنست رينان لدحض الإرث الحضاري العربي والإسلامي. ففي محاضرة في السوربون في 1883 زعم أن الإسلام والمدنية لا يتفقان، وأن البلدان الإسلامية محكومة بالانحطاط وانعدام معالم الفكر والانغلاق التام في وجه العلم، والعجز عن الانفتاح على أية فكرة جديدة. عليه، إن العلم والفلسفة عربيان باللغة فقط، إذ كانا بكاملهما من عمل مفكرين غير مسلمين، وقد بقي تيار الفلسفة الكبير جسماً غريباً في الثقافة الإسلامية، مهما اتسعت عناصر مكوناته. في هذا السياق الإيديولوجي الاستعلائي رأى أندريه سرفيه في دراسة سيكولوجية بعد الحرب العالمية الأولى، أن العرب لا يملكون ثقافة مستقلة، وقد نقلوا عن غيرهم ثقافاتهم التي أفسدت بالكامل عبر مرورها من خلال العقل العربي «الضيّق « العاجز عن التصور الفلسفي الشامل. وقد ترددّت في الفكر المعاصر أطروحات صدام الحضارات التي تجعل الثقافة الباعث الرئيسي للانقسامات الكبرى بين الشعوب، فهانتينغتون رأى مطلع هذا القرن أن الانقسامات الكبرى بين البشر ستكون ثقافية وأن مصدر النزاعات سيكون ثقافياً. إلا أن اللافت أن تجد هذه الرؤية الثقافوية أتباعاً لها في الفكر العربي المعاصر، فيما يشبه جلد الذات. فحسن حنفي يحيل أزمة الديموقراطية في واقعنا العربي إلى موروثنا الثقافي، وسعد الدين إبراهيم يرى أن هناك شيئاً ما في الثقافة العربية يعادي الديموقراطية. أما فؤاد إسحق الخوري فيعتبر أن العنف من صلب تراثنا، كما يرى خلدون النقيب أن إعلان العبودية أمر مقبول في تراثنا. لكن الأفكار الاستشراقية، على رغم ذلك، لقيت مواقف نقدية عبّر عنها مفكرون نهضويون مثل فرنسيس المراش وجمال الدين الأفغاني وجرجي زيدان وآخرون معاصرون مثل هشام جعيط وأنور عبد الملك وإدوارد سعيد ومحمد أركون. فذهب المراش إلى أن الغرب أخذ علومه وحضارته عن العرب ، ورأى زيدان أن المسلمين كانوا أكثر اشتغالاً بالعلم والأدب من معاصريهم، وقد زادوا فيهما من نتائج قرائحهم وعقولهم، بما نقلوه عن علوم الفرس والهند والكلدان، فضلاً عما وضعوه هم أنفسهم من العلوم الإسلامية واللسانية. وحلّل سعيد المضمون المعرفي للاستشراق كاشفاً خواءه واستعلاءه وتغطيته أهدافاً مرسومة. ورأى جعيط أن الثقافة الإسلامية لم تساهم في تقدّم العلم وحسب، بل إنها صانت الإرث اليوناني، وإلى العرب يعود الفضل في استمرار هذه الإرث، كما أن الإسلام لعب دور الشاشة الواقية بامتصاصه في 1258 الصدمة المغولية، وفي مرحلة ثانية الهجمة التيمورلنكية. على خلفية هذه المواقف النقدية نرى أن إيديولوجيا الاستشراق التي كان لويس من أبرز دعاتها تنطوي على تناقضات ونواقص إذ هي أولاً تؤمن بصفاء الثقافات وعزلتها وطبائعها وخصائصها الجوهرية الثابتة والنهائية، فيما تغفل الجانب التفاعلي بين الحضارات وتطورها وتحولاتها التاريخية. وهي ثانياً تجعل الثقافة المحرك الأساسي والوحيد للتاريخ بقراءتها الانتقائية للأحداث، وتغطيتها على الأسباب الحقيقية للصراع، تلك الكامنة في التوزيع غير العادل للثروة والقوة والنفوذ بين الأمم والطبقات والجماعات الإنسانية. وهي ثالثاً تعاني من الطرح الأحادي التبسيطي والمتحيّز بالقول بمعاداة الإسلام للغرب وللحداثة، فيما الواقع أن المسلمين هم في موقف دفاعي، لا هجومي، كما يزعم لويس وفوكوياما وهنتينغتون وأندادهم، متجاهلين في ذلك عمق التخلّف والأزمات التي يرزح تحتها العالم الإسلامي. وهي رابعاً ترى إلى الإسلام أو إلى أوروبا باعتبارهما هويتين ثابتتين موحدتين، وبناء تصورات واستنتاجات نهائية تبعاً لذلك، فيما التعدد والتنوع صفتان ملازمتن للتاريخ والمجتمعات الإسلامية والأوروبية. من هنا نذهب إلى أنه كان من الأجدى لبرنارد لويس الذي رحل هذا العام، كما لأنداده الأيديولوجين، لو أنهم قرأوا التاريخ الإسلامي أو الأوروبي من منظور دينامي تطوري تعددي، فربما كانوا ساهموا في الحد من الشرخ الذي يتّسع ويتفاقم اليوم بين الحضارتين الغربية والإسلامية، بدل أن يبتدعوا له مسوّغات إيديولوجية زائفة.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,176,787

عدد الزوار: 6,759,069

المتواجدون الآن: 136