«الفتوى» التي سهّلت اغتيال الملك عبدالله في القدس 1951

تاريخ الإضافة الثلاثاء 20 أيلول 2016 - 5:37 ص    عدد الزيارات 894    التعليقات 0

        

 

«الفتوى» التي سهّلت اغتيال الملك عبدالله في القدس 1951
مراجعة: د. محمد الأرناؤوط
[ الكتاب: الأعمال الكاملة

[ الكاتب: المؤرخ سليمان الموسى

[ الناشر: دار ورد/ وزارة الثقافة، عمان 2016

في أواخر الشهر الماضي حلّت الذكرى الـ 65 لاغتيال الملك المؤسّس لكيان الأردن عبدالله بن الحسين وهو يهمّ بدخول المسجد الأقصى لصلاة الجمعة، وهو الاغتيال الذي كان الصدى الكبير في المنطقة والذي لا يزال يكتنفه الغموض لجهة الأطراف الفعلية التي خطّطت له وليس في ما يتعلق بالأدوات التي قامت بتنفيذه.

وحين يتعلق الأمر بتاريخ الأردن في القرن العشرين يذهب الذهن في العادة الى «مؤرخ الأردن» سليمان الموسى الذي ولد قبل تأسيس الكيان الأردني بعامين (1919) وتوفي عام 2008 بعد أن ترك حوالى خمسين كتاباً. ويكفي هنا أن المؤرخ المعروف علي محافظة يقول عنه إنه «ألف في تاريخ الأردن ما لم يؤلف مؤرخ أردني قبله مثله، واختصّ بتاريخ الثورة العربية وبسير قادتها فأجاد وأبدع». ونظراً لما تمثل مؤلفاته من مرجعية فقد أعيدت طباعتها عدة مرات، ومنها ما ترجم الى الانكليزية والفرنسية واليابانية، وتصدر الان تباعاً تحت عنوان مشترك (الأعمال الكاملة) وصل الى الرقم 16.

ومن هذه المؤلفات التي تتميز بقيمة علمية وإضافة معرفية «صفحات من تاريخ الأردن الحديث: أضواء على الوثائق البريطانية 1946-1952»، الذي يمثل فيه الملك عبدالله المحور الرئيس سواء في ما يتعلق بفكره السياسي أو بحرب فلسطين 1948 وعلاقاته مع الدول العربية وبريطانيا المنتدبة، وصولاً الى اغتياله في 1951. ومن الطبيعي أن يشغل اغتيال الملك عبدالله القسم الأهم في الكتاب نظراً لتشابك هذا الاغتيال مع الظروف الداخلية والاقليمية وحتى الدولية. ومع أن من أطلق النار على الملك (مصطفى عشّو) قُتل على الفور بوابل من نيران الشرطة وحكم بالإعدام حضورياً وغيابياً على المحرضين والمنفذين ونفذ حكم الاعدام بأربعة منهم (الدكتور موسى الحسيني وعبد القادر فرحات وعبد عكّة وزكريا عكّة)، مع اتهام الحاج أمين الحسيني والضابط عبدالله التل الذي كان قد لجأ الى القاهرة بعد حرب 1948، إلا أن الموسى يعيد تركيب الحدث بالاستناد الى الوثائق ومعرفته الشخصية بالأشخاص الذين شهدوا الحدث أو اتهموا به، ويطرح بعض الشكوك التي تزيد الأمر غموضاً.

ينطلق الموسى من الوثائق البريطانية حيث يجد ما يثير الاستغراب لكون مكتب الشرق الأوسط البريطاني في القاهرة قام بوضع تقرير من سبع صفحات بعنوان «ردود الفعل المحتملة في الشرق الأوسط في حالة وفاة الملك عبدالله» وأرسله الى السفارة البريطانية في عمان في 11 تموز 1951، أي قبل اغتيال الملك عبدالله بتسعة أيام فقط!

ولكن رواية الأشخاص الذين كانوا حول الملك لحظة الاغتيال ووثقها المؤلف تكشف عن أمور أخرى. فقد روى متصرف القدس أحمد الخليل، الذي كان وراء الملك لحظة إطلاق النار عليه، أنه كان يمكن منع القاتل من ارتكاب الجريمة لو أن الملك انتظر وصول رجال الحرس الذين كانوا يرافقونه. فقد تخلّف هؤلاء قليلاً لكي يخلعوا أحذيتهم قبل الدخول الى المسجد بينما مضى الملك ودخل الباب ومعه شخصان أو ثلاثة، و»هكذا لم يجد القاتل من يوقفه في خلال الدقيقتين أو الثلاث دقائق التي تخلّف فيها رجال الحرس عن مرافقة الملك».

إلا أن هذه الفجوة يفسّرها في مذكراته الشيخ عبدالحميد السائح وزير الأوقاف الأسبق الذي كان يرافق الملك عبدالله في دخوله الى المسجد الأقصى. وهكذا يروي السائح أن الملك سأله قبل أن يهمّ بدخول المسجد للصلاة «إذا كان يجوز أن يصلي منتعلاً حذاءه»، وكان يلبس بوطاً خفيفاً، فأجابه الشيخ السائح: لا مانع. ومع هذه «الفتوى» تقدّم الملك على حراسه الذين انشغلوا بخلع أحذيتهم، وهو ما وفّر تلك الفرصة للقاتل لإطلاق الرصاص على الملك بمعزل عن حراسه. وبسبب المفاجأة قام حراسه باطلاق النار على القاتل مصطفى عشو فأردوه قتيلاً مع سرّه.

ومع ذلك فقد كان المسدس الذي استخدم في الاغتيال مفتاحاً للكشف عن شركائه الذين اعترفوا ان الدكتور موسى الحسيني، قريب الحاج أمين الحسيني الذي كان يرافقه في ألمانيا، هو الذي دفعهم الى ذلك. وخلال التحقيق معه اعترف ان الضابط المعارض المقيم في القاهرة عبدالله التل كان مشاركاً في الاعداد لاغتيال الملك، مما وسّع دائرة الاتهام باتجاه الحاج الحسيني وعبدالله التل الذي كانت الصحافة المصرية تستفيد مما لديه لتشن حملات عنيفة ضد الملك عبدالله.

ولكن الموسى يجد ضالته في الوثائق البريطانية حيث يكشف عن تقرير للسفير البريطاني في عمان الى حكومته في 17/9/1951 ينتهي فيه الى التشكيك بمسؤولية الحاج الحسيني عن الاغتيال أو اختيار قريبه موسى الحسيني «الذي كان على شيء من البلادة». ومن ناحية أخرى يشير الى دور محتمل لزوجة موسى الحسيني النمساوية التي «كانت لها ارتباطات مع دوائر الاستخبارات منذ أيام الحرب العالمية الثانية، وأنه من غير المستبعد أن يكون لها دور كبير في تحريض زوجها وترتيب المؤامرة».

وفي ما يتعلق بالمتهم الاخر عبدالله التل الذي حكم عليه بالاعدام غيابيا فقد نفى للمؤرخ الموسى في عدة أحاديث أن يكون له أي ضلع في الاغتيال، وكان رأيه ان موسى الحسيني، وهو الوحيد الذي قال بأن التل كان مشتركاً في الاعداد للاغتيال: «إنما قال ذلك لكي ينقذ نفسه من حبل المشنقة». ومع معارضته المبكرة لسياسة الملك عبدالله بعد لجوئه الى القاهرة، التي عوّلت عليها الصحافة المصرية لشن الحملات على الملك، إلا أنه راجع نفسه فيما بعد وقال ان الملك عبدالله «جدير بأن تقام له تماثيل في جميع العواصم العربية». إلا أن الوحيد الذي بقي يحفظ السر كان موسى الأيوبي، الذي حكم أيضاً عليه بالاعدام غيابيا وبقي مختفيا من دون أن يدلي بدلوه في «الدور الذي عزي اليه» و»لعله يفعل ذاك يوماً ما».

في صدى الاغتيال كان التباين بين ردات الفعل العربية والدولية، حيث لم تمنع الحملات الصحافية في سوريا ومصر (التي كانت مدفوعة الثمن) ضد الملك عبدالله لأجل إفشال مشروع توحيد جنوب سوريا مع شمالها وتوحيد «سورية الكبرى» مع العراق من أن يقف أعضاء مجلس النواب السوري دقيقة صمت تعبيراً عن الحزن بوفاته، وأن يعبّر رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس عن ذلك بالقول: «إن وفاة الملك عبدالله خسارة كبيرة للقضية العربية»، على حين أن صحيفة «حيروت» الاسرائيلية الناطقة باسم حزب مناحيم بيغين اعتبرت ان موت الملك عبدالله فرصة لـ تحرير» القدس وعمان!

ولكن مؤرخ «الأردن في القرن العشرين» يرى أنه على الرغم من الزلزال الذي أحدثه اغتيال الملك عبدالله، الذي لا تزال الجهة التي خططت له غامضة، في صيف 1951، إلا أنه لم «ينتج عنه أي تعديل أو تبديل في مجرى السياسة العامة في بلاد العرب عموماً أو في الأردن خصوصاً«، وبذلك ترك الباب مفتوحاً للباحثين لعلهم يصلون في المستقبل الى حل لهذا اللغز.

مع هذا الكتاب الأخير للموسى الذي يكشف الكثير من الوثائق البريطانية عن مرحلة حساسة من تاريخ المنطقة (1946-1951) يتبيّن الفرق بين تفكير النخبة المحلية الحاكمة وبين «رغبات الشعب» من ناحية، وبين هؤلاء من ناحية وبين الحكومات الغربية من ناحية أخرى. فالنخب المحلية كانت حريصة على مواقعها في الحكم وتبرّر رفض المشاريع الوحدوية باعتبارها «مشاريع استعمارية»، بينما الوثائق البريطانية عن لقاءات السفير البريطاني في دمشق مع رؤساء الوزارات (حسن الحكيم ورشدي الكيخيا وناظم القدسي) تكشف كيف أن هذه النخبة لا تصدق أن بريطانيا وغيرها عاجزة عن فعل ما تريد في المنطقة! ففي تقرير للسفير الى حكومته بتاريخ 20 آب 1951، أي بعد شهر كامل من اغتيال الملك عبد الله، نقل السفير عن الكيخيا والقدسي ايمانهما بأنه لا يوجد شيء اسمه «رغبات الشعب» لأن «تلك الرغبات يخلقها الحاكمون وليس العكس». وبالفعل يبدو ان هذه كانت البوصلة التي استرشد بها حكام المنطقة عدة عقود وأوصلتنا الى ما نحن فيه.
 
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,068,340

عدد الزوار: 6,751,181

المتواجدون الآن: 92