هل الديموقراطية في مرحلة تحوّل؟!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 6 أيلول 2016 - 7:46 ص    عدد الزيارات 778    التعليقات 0

        

 

هل الديموقراطية في مرحلة تحوّل؟!
مراجعة: د. عفيف رزق
[ الكتاب: المأزق العالمي للديموقراطية، بلوغ نقطة التحوّل

[ الكاتب: عصام فاهم العامري

[ الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2016

«لهذه الأسباب، ولأسباب أخرى غيرها، يعرضها هذا الكتاب، بلغت الديمقراطية نقطة تحول، فإما تنحدر أكثر وتخسر أفضليتها على باقي أشكال الحكم الأخرى وإما يجري تطويرها وتجديدها... «، بهذه العبارات الواضحة، جداً، يضع الكاتب «عصام فاهم العامري» في كتابه «المأزق العالمي للديمقراطية بلوغ نقطة التحول» الديمقراطية في دراسة تحليلية أمام عوامل خطيرة، إذ من غير المعقول مواصلة التعويل على البنى والمؤسسات الأساسية للديمقراطية التي أُقرت في القرن الثامن عشر في الوقت الذي عصفت متغيرات عصر ما بعد الصناعة بمفاصل الحياة الانسانية وأبعادها كلها...

يرى الكاتب أن القرن العشرين هو قرن الديمقراطية بامتياز، إذ شهد هذا القرن تزايد عدد الدول التي اعتنقت الديمقراطية، ففي دراسة أجريت عام 1991 تبين أن 2 في المئة من سكان العالم في القرن التاسع عشر كانوا يعيشون في دول ديمقراطية، إلا أن هذه النسبة ارتفعت بحلول العام 1900 الى 10 في المئة في العام 1991 حيث بلغت هذه النسبة نحو الـ40 في المئة. لكن عند مجيء نهاية القرن الماضي تهاوت البدائل الرئيسية للديمقراطية وتحولت الى بقايا شاذة تقبع في آخر معاقلها.

كان من المنتظر أن تُهيمن الديمقراطية على العالم، في أعوام نهاية القرن العشرين، بعد أن تأصلت في النصف الثاني من هذا القرن في أصعب الأوضاع: في المانيا مثلاً التي كانت تعاني من السياسات الشمولية بسبب النازية عرفت النظام الديمقراطي؛ وكذلك الهند التي كان فيها أكبر عدد من فقراء العالم؛ في حين ازدهرت الديمقراطية أيضاً في كل من: اليونان (1985)، وتشيلي 1989، وفي اسبانيا 1975 والارجنتين 1983 والبرازيل 1985. رغم ذلك لم يحصل المنتظر، بل على العكس لقد أضحى عدد كبير من الديمقراطيات فريسة أوقات عصيبة في بداية الألفية الثالثة، حين شهدت هذه الديمقراطيات عزل من سولت لهم أنفسهم الاستبداد، لكن خصومهم أخفقوا في معظم الحالات في إنشاء أنظمة ديمقراطية قابلة للحياة. وحتى في الديمقراطيات الغربية الراسخة، أصبحت عيوب الانظمة السياسية مرئية ومستشرية ومثيرة للقلق ومخيبة للآمال نتيجة عوامل كثيرة في مقدمها تصدع الغرب نفسه وانقسام أهوائه إلى أميركي وأوروبي، حتى بات مفهوم الغرب ومعناه موضع تساؤل. تتفق هذه النظرة مع ما جاء في تقرير لـ»فريدوم» الذي يعتقد بأن عام 2013 كان العام الثامن على التوالي الذي تراجعت فيه الحرية العالمية، إذ بلغت ذروة تقدمها في نهاية القرن العشرين، لكن مع بداية القرن الجديد تراجعت ديمقراطيات اسمية كثيرة نحو الاستبداد على الرغم من حفاظها على المظهر الخارجي للديمقراطية كإجراء الانتخابات، مثلاً، مغفلة الحقوق والمؤسسات التي لا تقل أهمية في ما يتعلق بوجود نظام ديمقراطي فاعل. وعلى الرغم من الانتكاسات التي أصابت الديمقراطية والاختلاف البين والتراجع في نوعية الديمقراطية التي تتمتع بها حكومات كثيرة، لا تزال الديمقراطية تحظى ببريق يحمل الناس على المخاطرة بأمنهم وحياتهم من أجل المطالبة بتحقيقها؛ كما أن هناك من يرى أن أسباباً موضوعية لتفضيل الديمقراطية؛ من هذه الاسباب أن الأنظمة الديمقراطية تكون في الغالب أكثر ثراء من الأنظمة غير الديمقراطية، وأقل عرضة لخوض الحروب، كما أنها تتمتع بسجل أفضل في ميدان مكافحة الفساد، فضلاً عن انها تُتيح للناس التعبير عن أفكارهم ورسم مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. في هذا الإطار يرى الباحث الدكتور «عصام العامري» أن هناك عوامل أخرى عدة تدفع نحو مزيد من التوسع الديمقراطي منها:

أولاً: نمو الطبقة الوسطى، أكان من حيث الارقام المطلقة، أم من حيث نسبة السكان التي يمكن أن تكسب مكانة الطبقة المتوسطة خلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة؛ فالمتوقع هو زيادة المجموع الكوني لهذه الطبقة من مليار نسمة الى ملياري نسمة، وهناك تقديرات ترى ان هذا التعداد قد يصل الى 3 مليارات نسمة بحلول عام 2030 ويقترن هذا النمو بتوسع ضخم في المناطق الحضرية لتضم 60 في المئة من سكان العالم، الامر الذي يعني ارتفاع مستويات المعيشة لمعظم سكان العالم وازدياد حاجاتهم من الغذاء والماء والطاقة.

ثانياً: إن نمو الطبقة الوسطى يرتبط بتطورات مهمة على المستوى العالمي في مقدمها توسع إطار استخدام الأنترنت، انخفاض عدد الفقراء، تحقق المزيد من التحصيل التعليمي، إضافة الى إنخفاض عدد الأميين وتحسن العناية الصحية بشكل عام في العالم؛ فهذه كلها مؤشرات تؤثر في الحياة اليومية للأفراد والجماعات، وتجعلهم على مقربة من الحوادث التي تقع في مسافات بعيدة عنهم ليتعلموا منها، ويوسعوا آفاقه وطموحاتهم باتجاه مزيد من المشاركة السياسية وليتعلموا كيف ينتفضون على أنظمتهم الدكتاتورية بوسائل سلمية.

ثالثاً: يعمل الاتجاهان السابقان في الدفع باتجاه انتشار القوة وتوزعها بين الدول والشبكات والتحالفات غير الرسمية، وبالتالي فإن أسباب القوة الفعلية ما عادت حكراً للدول والحكومات، بل غالباً ما تكون الشبكات والتحالفات أقوى من الحكومات فكما تمكُّن الافراد وانتشار القوة يُشكلان عاملين أساسيين من عوامل التوسع الديمقراطي، فإنهما أيضاً عوامل كاشفة عن تقصير الديمقراطية في تطبيقاتها ومسارات ممارستها بعيداً عن قيمها وروحها ما جعلها تعاني مأزقاً عالمياً محوره توسع الديمقراطية كمّاً من جهة، وتراجعها نوعاً من جهة ثانية حتى بدأ السخط الجماهيري. إضافة الى ذلك فقد عدد كبير من الدول التي تحولت الى الديمقراطية دمقرطتها؛ فمنذ بداية التحول الديمقراطي في جنوب أفريقيا في عام 1994لا تزال البلاد تخضع لحكم الحزب نفسه (حزب المؤتمر الوطني الأفريقي) الذي تداخلت علاقته بالدولة لتنحو منحى الخدمة الذاتية، وأما تركيا التي بدا على نحو ما أنها تجمع بين الاسلام المعتدل والرخاء والديمقراطية، فها هي الأمور تنزلق فيها نحو المجهول، في حين كثرت حالات مقاطعة أحزاب المعارضة الانتخابات التي تُجرى أو رفضها في بعض البلدان مثل بنغلادش وتايلاند وكمبوديا؛ كل ذلك يُثبت ان بناء المؤسسات اللازمة للحفاظ على الديمقراطية عمل بطيء جداً...، فربما تكون الديمقراطية «طموحاً عالمياً» لكنها في جوهرها ممارسة ثقافية بحاجة الى تجديد من جيل الى آخر. يقول الباحث: ان ما حدث في الأعوام الأخيرة هو أن المؤسسات التي يُفترض أن تقدم نماذج للديمقراطية الجديدة، بدت متقادمة ومتهالكة وغير فاعلة في تأدية مهماتها؛ حتى إن اسم الولايات المتحدة أصبح مرادفاً للجمود والهوس الحزبي الذي أدى بالبلاد الى حافة التخلف عن سداد ديونها (...)، إذ أصيبت الديمقراطية الاميركية بالعطب بسبب عدم المساواة والغش وممارسة رسم حدود الدوائر الانتخابية ترسخ قوة شاغلي المقاعد؛ الامر الذي شجع التطرف بسبب عدم استجابة السياسيين إلا للمخلصين للحزب. وهذا كله يؤثر في حرمان عدد كبير من الناخبين من حق الاقتراع ويؤثر سلباً في السياسة الاميركية...، أما الاتحاد الاوروبي الذي كان يُعد أنموذجاً مثالياً للديمقراطية، فبدأ يشهد انحدار الديمقراطية فيه أيضاً...، اما المحاولة الفاشلة لإصلاح العجز الديمقراطي في أوروبا فجرى تجاهلها وازدراؤها، وأصبح الاتحاد الاوروبي مرتعاً للأحزاب الشعبوية (مثل حزب من أجل الحرية في هولندا، والجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبن في فرنسا التي تدعي الدفاع عن الناس العاديين ضد النخبة المتغطرسة وغير الكفؤة، ولا سيما أن خضوع الديمقراطية لمنطق السوق حوّل الزعماء والقادة السياسيين الى سماسرة يُتاجرون بالدولة ومؤسساتها ويُنتجون نماذج شعبوية. على الرغم من أن الدول الغربية تشكل النسبة الأكبر من الدول الموصوفة بالديمقراطيات الكاملة، فإنها تشهد انخفاضاً حاداً في المشاركة السياسية وضعفَ الخصوصية الفردية.

تجدر الاشارة الى أن الباحث يكمل وصف الديمقراطية في جميع دول العالم لينتقل بعدها الى تقديم المقترحات التي يقول بها المهتمون بالديمقراطية لمعالجة الازمة التي تعاني منها الانظمة الديمقراطية، وذلك في فصول مستقلة لم نستطع عرضها بسبب ضيق المساحة المخصصة لهذا المقال.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,204,610

عدد الزوار: 6,940,366

المتواجدون الآن: 138