شيخ الأزهر الجديد ومهمات الأزهر وإمكانياته

تاريخ الإضافة الإثنين 12 نيسان 2010 - 6:05 ص    عدد الزيارات 1476    التعليقات 0

        

رضوان السيد

\"\"
الجامع الأزهر («الشرق الأوسط»)
عرفت الشيخ أحمد الطيّب، شيخ الأزهر الجديد، زميلا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر (1966 - 1970). وكان متقدما علينا بسنتين، لكننا كنا نلتقي كثيرا لأنه تخرج في القسم نفسه الذي تخرجت فيه بالكلية، ولأنه تفوق فقد صار معيدا، استعدادا للذهاب للخارج من أجل أطروحة الدكتوراه. والشيخ الطيّب سليل أسرة عريقة بصعيد مصر، تتوارث مشيخة أحد فروع الطريقة الشاذلية. وقد قابلت والده رحمه الله، وكان مفتوح الدار، يقصده أهل منطقته (القرنة) ليس بسبب مشيخته للطريقة وحسب؛ بل ولأنه كبير أهل الناحية.

وشأن الأسر الدينية المصرية (خاصة في الصعيد)؛ فإن الشيخ الطيّب قضى في الأزهر ما يزيد على الخمسين سنة من الشهادة الابتدائية، وإلى أن حصل على الماجستير، وذهب للدراسة في السوربون بفرنسا. ثم عاد للتدريس بكلية أصول الدين، وليخلف الدكتور محمود زقزوق في عمادتها (والدكتور زقزوق أستاذنا نحن الاثنين، هو وزير الأوقاف بمصر منذ نحو الخمسة عشر عاما). الشيخ الطيّب تأثر بأستاذنا الدكتور عبد الحليم محمود الذي تخرج في السوربون (وكان أثناء دراستنا عميدا بكلية أصول الدين، ثم صار وزيرا للأوقاف فشيخا للأزهر)، فقرر الذهاب إلى فرنسا والسوربون للدراسة. بينما تأثرت أنا بأستاذنا الدكتور زقزوق (وأستاذه محمد البهي، وزير الأوقاف وشؤون الأزهر 1962 - 1964، وهو خريج ألمانيا في مطلع الأربعينات بأطروحة عن الإمام محمد عبده)، فقررت تقليده بالذهاب للدراسة بألمانيا. وما تواصلْنا خلال الثمانينات، لكن الود ما انقطع منذ التسعينات، وهو يتابع أعمالي وأنا أتابع أعماله. وكان معجبا بمجلة «الاجتهاد» (التي أصدرتها بصحبة الأستاذ فضل شلق بين 1988 و2003). أما أعماله العلمية فتدور حول الفلسفة الإسلامية الوسيطة. والتجربة الكلامية والأصولية والصوفية في الإسلام. وقد قام بترجمة كتب عن الفرنسية، وله حضور وسمعة في الأوساط العلمية المتخصصة. وعندما توفي شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق، وخلفه في منصبه الشيخ محمد سيد طنطاوي (الذي توفي قبل أسبوعين) تاركا الإفتاء، تولى الإفتاء لمدة الشيخ نصر فريد واصل، ثم عيِّن للمنصب الشيخ الدكتور أحمد الطيب. وما كان سعيدا بذلك، لكنه قال لي إنه واجب ينبغي أداؤه؛ فهو لا يؤيد الفتاوى التلفزيونية، ولا إثارات الإعلام، ويفضل الفتاوى والاجتهادات الجماعية من اللجان المتخصصة بالأزهر أو بدار الإفتاء أو بمجمع البحوث الإسلامية. وما استغرق الأمر سنتين حتى عاد للأزهر من خلال تعيينه رئيسا لجامعة الأزهر. وقتها قال لي ضاحكا: «من حسنات المنصب الجديد إمكان التخفف من العمامة». وقد صارت جامعة الأزهر منذ زمن طويل جزءا من منظومة التعليم العالي بمصر، وتخضع لوزير التعليم العالي. وفيها كليات علمية وتطبيقية مثل سائر الجامعات. بيد أن الكليات الدينية وشبه الدينية تظل الأشهر، والأكثر نفوذا، التي تنتشر فروعها كما انتشرت المعاهد الثانوية الأزهرية على مدى القطر المصري. كان ذلك عام 2005، وقد انصرف الدكتور الطيب منذ ذلك الحين للقيام بعملية إصلاحية جذرية على مستوى الإدارة، وعلى مستوى البرامج، ودعم الحياة العلمية والتواصل العلمي بين الجامعة والخارج. وقد أعانه على ذلك أنه ابن الأزهر، وأن المسؤولين الكبار فيه ومن حوله هم من أساتذته وزملائه، ويضاف لذلك سمعته الحسنة علميا وشخصيا، والمفروض أن مشكلات جامعة الأزهر لا تزيد على مشكلات أي جامعة أخرى. والمصريون يستمتعون بالمناصب في العادة، ورئاسة الجامعة وعمادات الكليات من المناصب المرغوبة جدا في مصر لدى الأساتذة. لكن رئاسة جامعة الأزهر ما عادت متعة منذ زمن طويل، خاصة لأولئك الذين يمتلكون رسالة يرون ضرورة تأديتها. فلا تزال تعاني من الاستنزاف نتيجة هجرة الأساتذة للتدريس بالخليج، والدكتور الطيّب واحد من قلة قليلة ما ذهب للتدريس بالخليج. لكن ماذا يدرّس الأساتذة في المواد الدينية؟ منذ القانون رقم 101 لعام 1962 ما جرت تغييرات كثيرة. والبعثات إلى الخارج لا تتوقف، لكن عصر المجتهدين الكبار انقضى وراح. كان الدكتور الطيّب يحضر لدى بعض الأساتذة في الستينات، في فروع وتخصصات أخرى، وكذلك كنت أفعل، حتى لا يفوتنا التعرف والتتلمذ على عبد الحليم محمود ومحمد أبو زهرة وسليمان دنيا وعبد الغني عبد الخالق أو محمود قاسم وعلي سامي النشار، سواء ذهبنا إليهم في جامعاتهم أو أتوا هم إلى الأزهر. لكن الأساتذة ما انفردوا بالتغيير؛ بل الطلاب تغيروا أيضا. أيامنا كان السلفيون قلة قليلة بين الأساتذة والطلاب، وكانوا شديدي المسالمة. أما الإخوان فكانوا في السجون، ومن لم يكن في السجن، يخشى التظاهر بأي شيء. أما اليوم، بل ومنذ عقود؛ فإن كثرة كاثرة من الطلاب، ونحو ثلث الأساتذة صاروا من أحد الفريقين، أو انتموا إلى صيغة مركبة تجمع إلى السلفية في العقيدة، الإخوانية في تسييس الإسلام! وقد يظن القارئ أن في التأكيد على هذه الظواهر الجديدة مبالغة. والواقع أنه لا مبالغة في شيء من ذلك. فالسلفيون يقودون إصلاحا عقائديا في الوجوانية والعبادات وأصول الدين، وهم يعتبرون «الأشعرية» - وهي العقيدة التقليدية لأتباع المذاهب الفقهية - بدعة. وما كان الإخوان أيامنا في الستينات قادرين على الحركة، أما اليوم بل ومنذ عقود؛ فإنهم يقودون معارضة ضد الدولة لإعادة الشريعة إلى الدولة والمجتمع. وما كان قد مضى زمن طويل على ترؤس الدكتور الطيّب للجامعة، عندما قامت مجموعة من طلاب الإخوان باستعراض «عسكري» أو شبه عسكري داخل الحرم الجامعي. وكان الدكتور الطيب صارما معهم، وقال لمن حاول التوسط: «ليست المشكلة في أن هؤلاء يعارضون الدولة؛ بل المشكلة أنهم يعادونها باسم الإسلام!»، والواقع أنه إذا كان النهوض بالبرامج أمرا تقنيا إلى حد كبير؛ فإن «لاهوت» الإسلام السني، وفقهه، يعانيان من مشكلات كبيرة مع حركات الصحوة الإسلامية، التي تعتبر كل هذه الأمور من تقاليد الماضي ومخلفاته البدعية والشركية! إنما الهجوم على الأشعرية والتصوف ما اقتصر على السلفيين؛ بل سارع إليه أيضا الإصلاحيون من مدرسة الشيخ محمد عبده وتلامذته. وكان آخر عمل قام به الدكتور الطيّب في جامعة الأزهر، قبل أن يصبح شيخا للأزهر؛ هو التخطيط لمؤتمر كبير للأشعري والأشعرية. وهكذا، فإن التعليم بالأزهر فقد الكثير من حماسه الروحي، وصار منقسما على نفسه في التخصصات الدينية البحتة، وسط تراجع في المستوى، وفقدان للهدف والمعنى لدى غير الأصوليين.

فلا يملك شيخ الأزهر سلطة مباشرة على جامعة الأزهر؛ لكن سلطته المعنوية كبيرة. وهو يشرف على مئات المعاهد الأزهرية، وعلى مجمع البحوث الإسلامي، أهم مؤسسات الفتوى الجماعية أو الاجتهاد الجماعي، وذلك فضلا عن بعثات الأزهر بالدول العربية والإسلامية، والمعاهد والجامعات الإسلامية التي يطلب إليه الإشراف عليها. والمائة ألف إمام وخطيب في مائة ألف مسجد بمصر، هم من خريجي المعاهد الأزهرية في الأغلب. وفوق هذا وذاك، الموقع الرمزي الذي يجعل من شيخ الأزهر متحدثا باسم الإسلام؛ بل إنه الضامن والحافظ لهذه الجماعة الكبيرة الممتدة بين مشارق الأرض ومغاربها. وقد سبق القول إن جماعات كثيرة صارت تشارك أو تنافس الأزهر في التعليم والفتوى. لكن أحدا ما استطاع بلوغ المنزلة التي بلغها شيخ الأزهر منذ زوال منصب شيخ الإسلام من إسطنبول (1924).

كل شيء في الحياة والتعليم والفتوى والدعوة يحتاج إلى إعادة تقويم وتجديد. فالحزبيون يتهمون الأزهر بالتفريط، بينما يسارع ليبراليون إلى اتهامه بالإفراط. والواقع أن الحماس الديني والعصبية الدينية تجاوزت الأزهر إلى الشبان المتطرفين، ويكون على الأزهر وحلفائه الصوفية أن يفعلوا الكثير لاستعادة الشبان أجسادا وأرواحا. بيد أن التقصير الأكبر الذي وقع فيه الأزهر، هو تخلفه في العقدين الماضيين عن المشاركة في الحوار العالمي، والحوار المسيحي - الإسلامي. ولست عارفا بدقة بالظروف التي حالت دون ذلك. لكن العقدين الأخيرين هما العقدان اللذان تحول فيهما الإسلام إلى مشكلة عالمية. والحركات الإسلامية الصحوية سواء أكانت معتدلة أم متشددة ليست مؤهلة للحوار فضلا عن عدم مسؤوليتها وعدم الترحيب بها. فلا بد من أن نعترف بأن مؤسسات الإسلام التقليدية وعلى رأسها الأزهر والمؤسسة الدينية السعودية قصرتا، وتقدمت عليهما الجهات السياسية بالسعودية وبمصر وبإيران وبالأردن. والحوار هذا ضروري ليس من أجل معالجة سوء الفهم والتفاهم وحسْب؛ بل ومن أجل الانفتاح والمعرفة والمشاركة في عالم العصر وعصر العالم.

إن السنونو الواحدة لا تصنع الربيع. لكن شيخ الأزهر الجديد ليس وحيدا، بل لديه كوكبة من الزملاء ومن التلامذة ومن قوة المؤسسة وتقاليدها. وقبل ذلك وبعده لدينا جميعا الأشواق العميقة والإرادة لاستعادة النفس والدور والتكليف والمسؤولية، وهي جميعا ليست أمورا عابرة.

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,379,355

عدد الزوار: 6,889,681

المتواجدون الآن: 82