الهدوء الأمني الحالي: الخلفية والتداعيات

تاريخ الإضافة السبت 8 آب 2009 - 8:26 ص    عدد الزيارات 820    التعليقات 0

        

ألوف بن

القصة الإخبارية الأكثر أهمية في صيف 2009 والتي لم تحظ بالعناوين، ولا بالنقاشات الصاخبة في الاستديوهات وقاعة الكنيست، تتمثل في الهدوء الأمني الذي لم نشهد له مثيلا منذ عشر سنين. وكما في كل مرة يختفي فيها النزاع الإسرائيلي ـ العربي من خلفية الأحداث، تشتعل الجبهة في الصيف ايضا بين الحريديم والعلمانيين.
المرة الأخيرة التي سُجل فيها هنا هدوء أمني مماثل كانت في صيف 1999، مع انتخاب إيهود باراك رئيسا للحكومة. منذ تلك الفترة لم نرى سوى الدم والدموع، الانفجارت والصواريخ والعمليات القتالية. هذه السنة لم نر شيئا. بين الفينة والأُخرى تصدر تحذيرات أمنية حول توتر في لبنان، أو تهديد فلسطيني باستئناف الانتفاضة، لكن قلة فقط يصغون إليها. وعلى الرغم من أن جلعاد شاليط لا يزال في الأسر، إلا أن الحكومة غير منفعلة، والضغط الشعبي لاستعادته خبا.
يعتقد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أن هذا الهدوء بفضله. فهو حذّر من أن كل إطلاق للنار على إسرائيل سيواجه بشدة، والعدو يخاف. لكن في ولايته السابقة أيضا كانت العمليات الارهابية أقل مما كانت قبله وبعده. لكن ثمة آخرين سيدعون أن العالم العربي ينتظر نتائج مساعي الرئيس الاميركي بارك أوباما، ويتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بطرد إسرائيل من الأراضي المحتلة، ويخشى أن يُفسد الحفلة من خلال جولة إضافية من العنف. وربما يعود السبب إلى قدرة الردع الإسرائيلية التي رُممت في حملة " رصاص مصهور". وربما يعود السبب إلى كل ما ذّكر مجتمعاً.
لكن إليكم توضيحاً ممكناً إضافياً: تعمل إسرائيل من أجل تهدئة الجبهات الثانوية، قبل الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية في نهاية العام أو في الربيع القادم. هذا التقدير يتناسب مع استراتيجية نتنياهو، التي تضع مسألة التصدي لإيران على رأس أولوياتها. في المقابل، يستعد الطرف الثاني من خلال مراكمة الوسائل القتالية التي تهدد الجبهة الداخلية الإسرائيلية في حال تعرضت إيران للهجوم، ولذلك يمتنع الآن عن تسخين الحدود في الشمال والجنوب.
أيا تكن الأسباب، تنجح إسرائيل في الحفاظ على الهدوء عند الحدود من دون تنازلات سياسية، وفي موازاة توسيع من دون توقف للمستوطنات في الضفة الغربية وللاستيطان اليهودي في شرق القدس. فالانتفاضة، العمليات الانتحارية، واطلاق صواريخ القسام انتهت بهزيمة فلسطينية: غزة تحررت من الوجود الإسرائيلي، لكنها لا تزال تحت الحصار والعزلة، وفي الضفة حطمت إسرائيل المقاومة. كما أن توازن الردع ـ سلاح الجو مقابل الصواريخ ـ يعمل في الشمال مقابل حزب الله وفي الجنوب مقابل حماس. فصل القوات في الجولان مستقر بعد اختبارات غير بسيطة خلال ولاية إيهود أولمرت، أما في الضفة فثمة تعاون أمني واقتصادي مع حكومة فتح في رام الله.
هنا يأتي مكان إبداء الملاحظة البديهية: الهدوء السائد هو هدوء مع وقف التنفيذ، وفي كل لحظة يمكن أن ينفجر العنف. حصل هذا الأمر عدة مرات في الماضي، حيث بدا الرهان على جولة قتال إضافية شبه مؤكد. ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل التداعيات السياسية للتهدئة الأمنية، وعلى مستوى الزعامة قبل كل شيء. فحكومة نتنياهو يمكنها أن تتخذ قرارات من دون الضغط الذي ميّز الحكومة السابقة، والانشغال في شؤون داخلية. حتى الآن، لم يضطر نتنياهو إلى التصدي لأية أزمة أمنية مفاجئة، ولأن يعقد جلسات عاجلة للمجلس الوزاري المصغر. لديه الوقت للاستعداد للمحادثات مع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل، والتخطيط للمناورات داخل الائتلاف.
لكن التداعيات الأكثر أهمية للهدوء الأمني تكمن في تعزيز حال عدم الاكتراث الشعبية إزاء عملية السلام. فكلام نتنياهو عن "دولتين لشعبين"، والضغوط التي يمارسها أوباما لتجميد المستوطنات، اثارت اهتماما طفيفا لدى الجمهور. فالإسرائيليون أرادوا الهدوء، وحصلوا عليه حتى من دون مفاوضات وتسوية. فندب الآمال السابقة التي تفجرت في اتفاقات أوسلو وفك الارتباط عن غزة، لا تزال طرية، ومن الصعب إغراء الإسرائيليين بكلام عن السلام.
هذا الاسبوع تناولت وجبة غداء مع ديبلوماسي أوروبي كبير. تحادثنا حول مبادرة أوباما المتوقعة لاستئناف العملية السياسية. أشرت إلى عابرة سبيل خارج المطعم، وسألت محاوري: ماذا ستستفيد من هذه المبادرة؟ كيف ستقنعها بتأييد مسعى آخر للسلام؟ ما تعنيه المبادرة، اجاب الأوروبي، المجتمع الفلسطيني سيخضع لتغييرات، ستكون هناك دولة فلسطينية. لكنني جعلت الأمر أكثر صعوبة عليه بقولي: وإن يكن، غالبية الإسرائيليين لم يلتقوا مع فلسطينيين ولا يهتمون لأمرهم. فوعد الديبوماسي بأنه لن يكون هناك ارهاب. حقا، قلت له، غالبية الإسرائيليين سيقولون لك " قصفنا غزة ومنذ ذلك الحين ساد الهدوء. إذا عادوا لاطلاق النار، سنقصفهم مجددا". لم يكن لديه إجابة جيدة. تمتمنا بعض الكلمات عن المشكلة الديمغرافية، وغيرنا الموضوع.
الخلاصة التي خرجت بها من تلك المحادثة هي أن " الأسرة الدولية" ترى السلام ونهاية الاحتلال كقيم مسلم بها، وحتى أنها لا تحتاج إلى تسويق. لكن الوضع في إسرائيل ليس كذلك. هنا ينبغي التوضيح للجمهور لماذا يجدر به تأييد عملية السلام التي تتحفظ حكومته منها، بعد اخفاقات الماضي الدامية. فغالبية الإسرائيليين غير معنية بالمستوطنات أو بـ" حق اليهود في السكن في كل مكان"، لكنهم لا يطوقون ايضا كي يطيروا عبر طائرات شركة العال من فوق السعودية، أو زيارة مكتب المصالح في المغرب. هذا فعلا لا يعنيهم. لكنهم إذا اضطروا للوقوف في الازدحامات المرورية بسبب مظاهرات المستوطنين، وتمويل إخلاء مستوطنات بيت إيل وعوفراه ومعاليه أدوميم من الضرائب التي تُجبى منهم، أو المخاطرة بشرخ داخلي عنيف، فسيشعرون بالغضب والنرفزة.
هذا هو التحدي أمام أوباما، الذي يريد أن يفرض على الطرفين الرافضين استئناف محادثات السلام. فالحملة الإعلامية التي يخطط لها من أجل تسويق مبادرته، ستضطر إلى أن تجيب أولا على السؤال المتعلق بالجدوى التي سيحصل عليها الجمهور في الطرفين. فالوضع من قبل الفلسطينيين بدأ يذكرنا بالوضع على المسار السوري: الوضع الراهن مريح وغير مكلف للجميع، ومن الخسارة تقويضه بمغامرة سياسية أُخرى، لن تكون فرصها كبيرة بينما ستكون مخاطرها مهددة. من الأفضل التمتع بالهدوء.

("هآرتس"، الملحق الأسبوعي، 7/8/2009)
ترجمة: عباس اسماعيل

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,068,963

عدد الزوار: 6,751,208

المتواجدون الآن: 93