أين ذهب جميع المعتدلين الفلسطينيين؟

تاريخ الإضافة الخميس 6 آب 2009 - 7:52 ص    عدد الزيارات 838    التعليقات 0

        

أين ذهب جميع المعتدلين الفلسطينيين؟
 
ديفيد شينكر

فورين بوليسي.كوم, 4 آب/أغسطس 2009

ترجمة: القسم العربي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
 

عندما أجريت بحث في تشرين الأول/أكتوبر عام 1999 [لإصدار] كتاب عن السياسة الفلسطينية، تناولت القهوة في فناء "فندق انتركونتيننتال" في عمان، الأردن، مع وزير العمل الفلسطيني رفيق النتشة. ولكونه عضواً في اللجنة المركزية لحركة «فتح»، كان النتشة خبيراً سياسياً [في الشؤون الفلسطينية] الداخلية، ولكنه كان أيضاً شجاعاً ومنتقداً شديداً للنزعات الاستبدادية للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، في وقت كان فيه إظهار الإحترام لعرفات وتقديم الدعم للمقاومة العنيفة يشكلان تقريباً مركز السياسة الفلسطينية. وخلال اجتماعنا، كان انطباعي عن النتشة بأنه شخص يتحدث بصوت هادئ، عميق التفكير، و "معتدل" سياسياً. وقد كتبت بعد ذلك في كتابي "كان من الواضح بأنه [النتشة] قد أصبح، [وهذا]من المدهش، من مؤيدي أوسلو" – ذلك الإتفاق من عام 1993 الذي وضع الأساس لقيام مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين لإنهاء الصراع.

ومرت سنوات دون أن أفكر في ذلك الاجتماع الذي عقد في عمان، حتى الأسبوع الماضي، عندما قرأت مقابلة مع النتشة في الصحيفة اليومية "القدس العربي" [التي تصدر في لندن]، حيث قال إن حركة «فتح» - فصيل من منظمة التحرير الفلسطينية الذي قاد الحملة لإقامة سلام مع إسرائيل عن طريق المفاوضات المباشرة - "لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود". وأضاف: وبالمثل، فإن «فتح» لم تتخل أبداً عن الكفاح المسلح. ومما يزيد من القلق، أن المقابلة مع النتشة التي لها وزن [نسبي كبير]، هي الأحدث في سلسلة من التعليقات التي تم إنكارها سابقاً من قبل كبار المسؤولين الحاليين والسابقين في حركة «فتح» -- بمن فيهم محمد دحلان مسؤول الأجهزة الأمنية السابق عن حركة «فتح» في قطاع غزة – والتي تقوض الفرضية الأساسية لصنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ألا وهي: نبذ العنف وقبول حق إسرائيل في الوجود.

وفي الوقت الذي تجتمع فيه حركة «فتح» في بيت لحم هذا الاسبوع في أول مؤتمر عام لها منذ أكثر من عشر سنوات، يبدو لي واضحاً الآن، بأن التصريحات الأخيرة لنتشة وزملائه "المعتدلين" هي إشارة لحدوث تغييرات واسعة في السياسة الفلسطينية على مدى العقد الماضي. وفي الواقع تأخذ ‘السياسة الديمقراطية‘ موقعها [الخاص] في صفوف الفلسطينيين، ولكنها تعكس بشكل متزايد وجهات النظر المتطرفة للسكان بشكل عام. وباختصار، [لم تُسفر] الرغبة [للحصول] على الدعم الشعبي عن إعتدال حركة «حماس» بل جعلت حركة «فتح» أكثر تطرفاً.

ومما لا شك فيه أن سنوات من الركود في المفاوضات -- ذلك الركود الذي يُعزى في جزء منه على الأقل، إلى العنف الذي كانت تقف وراءه حركة «فتح» -- قد أثبتت عن وجود شعور بإثباط الهمة وأدت إلى حدوث تطرف في صفوف الكثير من الفلسطينيين. لكن يبدو أن التصريحات الأخيرة من قبل كبار قادة «فتح» هي أيضاً ذات منافع سياسية. وتتطلع حركة «فتح»، على ما يبدو، إلى تعزيز قاعدتها السياسية، حيث أصبحت تلك القاعدة في السنوات القليلة الماضية أكثر تطرفاً. وتشير أحدث الدراسات الاستقصائية بأن 52 في المائة من الفلسطينيين يؤيدون الهجمات المسلحة ضد المدنيين الإسرائيليين داخل إسرائيل. لذلك، قد تحاول حركة «فتح» تحسين موقفها من خلال المنافسة على أصوات المتشددين، بعد أن فقدت بعض التأييد في السنوات الأخيرة لصالح «حماس»، المنظمة الإرهابية الإسلامية [التي تسيطر على قطاع غزة].

وبغض النظر عن سبب قيام «فتح» بتغيير [موقفها] باعتمادها [سياسة] يمينية بصورة علنية، تترك البيانات آثاراً عميقة على عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. فالفصيل البارز في منظمة التحرير الفلسطينية الذي وقع على اتفاقات أوسلو مع إسرائيل -- والتي وافق خلالها الجانبان على "الاعتراف المتبادل بالحقوق المشروعة والسياسية... وتحقيق سلام عادل وتسوية سلمية شاملة ودائمة ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية المتفق عليها"-- يقول الآن بأنه لم يوافق أبداً على شروط الإتفاقية. إن رفض «فتح» رسمياً للشروط المذكورة في إتفاقات أوسلو يشكل أساساً لتخلي منظمة التحرير الفلسطينية عن الاتفاقية بأجمعها.

ومنذ عام 2007، عندما سيطرت حركة «حماس» على قطاع غزة، قام أنصار عملية السلام بتشجيع المصالحة بين الحكومة التي تقودها حركة «فتح» والمنظمة الإرهابية الإسلامية، ويحذوهم أمل ببدء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. كما تقوم إدارة أوباما أيضاً - عبر مبعوثها لعملية السلام جورج ميتشل – بالضغط للحصول على مساعدة سوريا في تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية. ومع ذلك، ونظراً لتصريحات حركة «فتح» الأخيرة، يتساءل المرء كيف من شأن هذا التطور أن يساعد على تحريك المحادثات قدماً. فاليوم، تكافح كل من «فتح» و «حماس» من أجل [الحصول على] النفوذ في السلطة الفلسطينية، ولكن من الناحية الفلسفية، يبدو أن مواقفهما تجاه إسرائيل هي [الآن] أقرب من أي وقت مضى.

لقد كنت دائماً أعتقد بأن هناك معتدلين داخل حركة «فتح» -- مثل النتشة -- الذي أيد مفاوضات السلام، وسعى إلى المصالحة مع إسرائيل. وحتى مع صعود حركة «حماس»، يمكن للمرء أن يشير دائماً إلى [وجود] "جمهور من أنصار السلام" بين الفلسطينيين. ولكن عندما يبدأ أشخاص مثل رفيق النتشة بإنكار حق إسرائيل في الوجود، يشكل ذلك علامة على تحول الوسط السياسي الفلسطيني. ولا يزال هناك معتدلين [في صفوف الفلسطينيين]، كما تستمر السلطة الفلسطينية في اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية -- مثل إزاحة خطباء متشددين من مساجد الضفة الغربية والتعاون مع إسرائيل حول المسائل الأمنية -- ولكن يبدو أنها تركز أعمالها على منع نجاحات «حماس»، أكثر من تركيزها على تعزيز خطوات السلام مع إسرائيل. وفي الواقع، تشير التقارير الأخيرة بأن السلطة الفلسطينية تقوم حالياً بإطلاق أسماء إرهابيين على شوارع في الضفة الغربية.

بعد مرور ستة عشر عاماً على [توقيع] اتفاقات أوسلو -- وبعد إدعاءات متكررة عن "وفاة" أوسلو -- تؤكد تصريحات النتشة نهاية عملية السلام تلك. لقد كانت واشنطن قد وضعت آمالها في محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية الذي يشغل أيضاً منصب زعيم حركة «فتح»، لفترة دامت سنوات. ولكن في غياب أي إنكار من قبل عباس، تشكل تعليقات النتشة -- وهو أحد المقربين من عباس -- الموقف الرسمي لحركة «فتح». واليوم، يمكن أن تكون «فتح» أفضل من «حماس»، ولكن من الواضح أن المنظمة ليست دواءاً لكل داء. واستناداً إلى تصرف حركة «فتح» تجاه إسرائيل، من المؤكد أن لا تقوم حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بدفع عجلة المفاوضات إلى الأمام. [لذلك]، كلما أسرعت إدارة أوباما في إدراك عيوب «فتح»، كلما بدأت بتطوير نموذج جديد لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية بصورة عاجلة أكثر.

ديفيد شينكر

ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

View in English

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,783,859

عدد الزوار: 6,914,795

المتواجدون الآن: 117