أبوظبي، قاعدة متقدّمة لفرنسا في وجه إيران

تاريخ الإضافة الأحد 31 أيار 2009 - 5:44 ص    عدد الزيارات 853    التعليقات 0

        

تدشين ساركوزي لقاعدة عسكرية قبالة إيران، على ضفاف مضيق هرمز، وفي المحيط الهندي العظيم، حيث تمّ في أقلّ من عام إنشاء القاعدة البحريّة للمنشأة العسكرية الفرنسية الجديدة في الإمارات العربيّة المتحدّة. فقد كرّس العمّال أنفسهم لإنهاء أعمال البناء تحت الحرارة اللاهبة، التي تبلغ 40 درجة في الظل. الأبنية ذات اللون الأبيض الضارب الى الصفرة، تبدو مطليّة حديثاً. وفي المرفأ، تطالعك الفرقاطة المضادة للطائرات Forbin بعظمتها وفخامتها على الرغم من أنّها تزن 7000 طن، وهي المولودة الجديدة للبحرية الوطنية، ممتزجةً برمادي المياه. وتمكّنا أيضاً من رؤية L’Aconit وهي فرقاطة سريّة متخصّصة في مكافحة القراصنة. وحدها سفينة Dupuy de L’ôme، التابعة لإدارة الاستخبارات العسكرية، والمخصصة رسميّاً "للاختبار والقياس" كانت محجوبة عن أعين الصحافيين. وهي لن تُخرج الى الرصيف إلا من أجل زيارة نيكولا ساركوزي هذا الصباح من أجل افتتاح المنشأة.

إنّها المرّة الأولى منذ خمسين سنة، وتحديداً منذ استقلال المستعمرات الأفريقية، التي تقوم فيها فرنسا بافتتاح قاعدة عسكريّة دائمة لها خارج أراضيها الوطنيّة. وهي كذلك المرة الأولى التي يتمركز فيها الفرنسيون بشكل دائم في منطقة تدخل ضمن النفوذ الأنغلوسكسوني. وقد بذلت القوات العسكرية الفرنسية جهداً كبيراً لتفرض نفسها في هذه المستعمرة البريطانية سابقاً. فأقاموا قاعدة جويّة لاستقبال طائرات الميراج والرافال من سلاح الجو الفرنسي في الظافرة؛ وهي قاعدة بحريّة مشيّدة على بعد 300 م. عن الرصيف، في مرفأ مينا زايد "لدعم القوات المنتشرة في المحيط الهندي، ولإكمال جهاز البحرية الوطنية في المنطقة بعد تزويدها بما يكفي من الوقود"، كما قال الكولونيل هيرفيه شيريل، الذي يقود المنشأة الفرنسيّة في الإمارات، وأخيراً تم بناء قاعدة أرضيّة في المعسكر الإماراتي "زايد"، وسط الصحراء، متخصّصة في التدريب على القتال المدني. وفي الأجل المحدّد، سوف يتمركز نحو 500 جندي فرنسي فيها بشكل دائم، في حضور متواضع ولكنّه ذي دلالة رمزية، وينطوي على احتمالات كثيرة.

\"\"

تمّ الإعلان عن هذا المشروع أثناء زيارة نيكولا ساركوزي الأخيرة الى الإمارات العربيّة المتحدّة في كانون الثاني 2008، ليتمّ افتتاحه بعد 18 شهراً فقط لا غير .وقد أشرف الإليزيه على بناء "قاعدة الرئيس" من الألف الى الياء، غالباً في السر، أما سبب ذلك فهو أنّ الأمر يعبّر عن تغيير في موقف فرنسا الاستراتيجي. فقبل عام بالضبط، تمّ نشر الكتاب الأبيض حول الدفاع، الذي تمّ عبره الإعلان عن تغيير الاتجاه الجيوستراتيجي  لفرنسا، حيث تنتقل مصالحها عاماً بعد عام أكثر باتجاه الشرق، على طول خط الأزمة المنطلق من المحيط الأطلسي وصولاً الى المحيط الهندي، والذي أصبح [أي الشرق] منذ نهاية الحرب الباردة مركز كافة التوترات، والمنطقة التي تضم أكبر قدر من المخاطر الإرهابيّة في العالم. فنيكولا ساركوزي يرى أنّ بناء هذه القاعدة "يدلّ على أنّ بلدنا يعرف كيف يتكيّف مع الرهانات الجديدة، والتحدّيات الجديدة، وانّه مستعد لتحمّل مسؤولياته وللعب دوره في قضايا العالم". وهو يؤكّد لمجلّة Diplomatie أنّ السبب هو أنه هناك "يتمّ التلاعب بجزء من أمننا، وأمن العالم". وتكثر كذلك الأسباب الدافعة لجعل فرنسا، الى جانب بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، قوّة جديدة فاعلة في الخليج. ذلك أن المنشأة الفرنسية الجديدة التي سميّت "معسكر السلام" تشكّل نقطة هبوط للطائرات للتزود بالوقود على الطريق الى أفغانستان، وهي تقرّب باريس من باكستان، كما أنها ليست ببعيدة عن العراق، إضافة إلى أنّها تقع في منطقة يمرّ عبرها 40% من النفط العالمي، وحيث تستثمر شركة Total...

هذا بالنسبة للجزء الواضح من الأزمة، أما بالنسبة للجزء الآخر، الذي يكثر تناوله في الخطابات الرسمية، فهو إيران، التي تبعد تخومها مسافة 225 كلم. فقط عن أبو ظبي. بالتالي يأمل الفرنسيون، بتمركزهم الدائم على ضفاف مضيق هرمز، أن يحصلوا على "موقع رادع" لإيران. ويلخّص أحد الدبلوماسيين ذلك بالقول "إذا هاجمت إيران الإمارات، فهي تهاجم أيضاً الفرنسيين. فبالنسبة للوقائع الحالية، لا يمكن تجاهل إمكانية استفادتها من البنى التحتية القادرة على استقبال الغواصات، وعلى استقبال حاملة طائرات نووية في مياهها".

في باريس، كما في تل أبيب وواشنطن، لا يُستبعد احتمال فشل المفاوضات المفتوحة بين الإدارة الأميركية الجديدة وطهران، الى حسم الأمر بمهاجمة إيران عسكرياً يوماً ما. وفي المجال العسكري، كما في المجال الدبلوماسي، يجب دائماً الاستعداد للضربة التالية...وبذلك فإنّ القاعدة الجديدة، التي وصفت بأنّها واجهة التكنولوجيا العالية، والتفوّق العسكري الفرنسي، سوف تشكّل موقعاً مثالياً لللاستخبارات، للمراقبة والاستماع، بدون أن يُروا، للنشاطات الإيرانية. والدليل على ذلك وجود فرقاطة Dupuy de L’ôme التي بإمكانها استراق السمع عبر البحار...

\"\"

تمّ تشييد هذه المنشأة على مقربة من الأميركيين الذين يرسو أسطولهم البحري الخامس في مياه البحرين، ويتواجدون في الكويت، والمملكة العربيّة السعودية، وجيبوتي، وذلك بناءً على طلب الإماراتيين الذين قاموا بتمويل عملية بناء القاعدة. فهذه الدولة الخليجية الصغيرة تخشى احتمال أن يأتي يوم تجد فيه جارتها الشيعية إيران وقد أصبحت نووية، وبالتالي فإنّ الإمارات تبحث عن مدافعين جدد عنها. ويشرح أحد المطلّعين على هذا الملف ذلك قائلاً "حليفان أفضل من حليف واحد... سيّما وأنّ الأميركيين اليوم يعيدون تقويم خياراتهم الاستراتيجية في العالم. فقد كانت الامارات متحالفة مع الولايات المحدة خلال الحرب الأخيرة على العراق. واليوم هم قلقون؛ فحرب العراق شارفت على الانتهاء، وهم يخشون أن لا تقيم الولايات المتحدة لهم وزناً بعد الآن".

وهكذا فقد اقتنص نيكولا ساركوزي الفرصة، وهو يعد الإماراتيين في مقابلة أجرتها معه وكالة الصحافة المحليّة "غالباً ما يُقال إنّ الأصدقاء الحقيقيين يظهرون في أوقات الشدائد. كونوا أكيدين أنّ فرنسا ستقف الى جانبكم إذا ما تمّ تهديد أمنكم". وهذا صحيح، لأنّ فرنسا مؤهلّة لتتخطّى مع الإمارات هذه المرحلة الاستراتيجية الجديدة والصعبة. فهي موجودة في المنطقة منذ السبعينات، ومنذ ذلك الحين وهي منكبّة على تطوير علاقاتها بالإمارات منذ غزو العراق بقيادة صدام حسين للكويت في آب 1990. وبعد حرب الخليج الأولى عام 1991، وقّعت باريس مع أبوظبي اتفاقاً سرياً للدفاع، كان يضمن التدخّل الفرنسي في حال تعرّضها للاعتداء. ومن ثمّ قام فرنسوا ميتران ومن بعده جاك شيراك بإعطاء دفع قوي للتعاون العسكري مع هذا البلد الخليجي الغني؛ فأثناء وعقب الحرب الإيرانية- العراقية، قدّمت فرنسا لها مواد للتسلّح،  هي بالتحديد بواخر حربية، ومروحيّات، و63 طائرة ميراج 2000، وهذه تشكّل حاليّاً أساس السلاح الجوي الإماراتي. والإمارات هي الدولة الوحيدة التي باعتها فرنسا عربات إسناد leclerc (388). ووفقاً للإليزيه فإنّ 50% من معداتهم العسكرية اليوم هي من فرنسا. ويفتخر الرئيس الفرنسي في مقابلته مع مجلة Diplomatie قائلاً "لقد كناّ غائبين تماماً عن هذه المنطقة قبل ثلاثين عاماً، وها نحن قد أصبحنا اليوم شريكاً أساسياً فيها". وبما أنّ الأفضل هو ربط المصالح الاستراتيجيّة والتجاريّة ببعضها، فقد أمل ساركوزي، عقب تدشين القاعدة، أن يكون لذلك نتائج اقتصادية جيّدة. والمقصود هنا بيع 60 طائرة رافال لتحلّ محل طائرات الميراج، ومواد تقصي تابعة لها، وطائرات استخبارية، بالإضافة الى توقيع عقد في مجال الصناعة النووية المدنية.

من المفروض أن يُعتبر التوقيع على اتفاق دفاع جديد مع الإمارات الثلاثاء تصديقاً رسمياً على إعادة التموضع الاستراتيجي لفرنسا في الإمارات، لأنّ ذلك يشكّل أيضاً جزءًا من الوعود الواردة في الكتاب الأبيض، تحت عنوان تسوية الاتفاقات السريّة المبرمة مع الدول الصديقة - التي تم تخطي بعضها العائدة الى مرحلة ما بعد الاستعمار- وإعادة التفاوض بشأنها ليكون هناك سبب منطقي لوجودنا في الخارج، وكذلك إخراجها الى العلن، وتصديق البرلمان عليها.

نظريّاً، إن افتتاح قاعدة جديدة في أبو ظبي قد لا يكون له نتائج على المنشآت الدائمة لفرنسا في أفريقيا، حيث كانت فرنسا قد بدأت في كل الأحوال، ومن خلال إعادة الانتشار عدّة مرات بالخروج منها تدريجيّاً. ولكن من الممكن أن تؤثّر على قاعدة جيبوتي في خليج عدن. وقد تمّ التأكيد على المزايا الاستراتيجية لهذه المنشأة الفرنسية الضخمة من خلال تزايد أعمال القرصنة، وليس من الوارد إغلاقها. ولكن يمكن للرجال وللطواقم العاملة فيها أن تخضع لعلاج من السمنة والمحافظة على الرشاقة لدواعٍ إقتصادية.

 

\"\"

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,753,549

عدد الزوار: 6,912,983

المتواجدون الآن: 113