إخراج الرئيس السوري عن طوره

تاريخ الإضافة الخميس 30 نيسان 2009 - 7:13 ص    عدد الزيارات 979    التعليقات 0

        

"أريد أن أرسل لك وثيقة ما"، قال المصدر هاتفيا، "لست واثقا من أن هذا شيء مهم، ولكن من المهم أن تلقي نظرة". جهاز الفاكس بدأ يطلق الصفحات الواحدة تلو الاخرى. أشرت لنفسي بأن الرجل لم يكلف نفسه عناء شطب علامات التشخيص للمرسل في الهوامش. السطور المتراصة كانت مصوغة بلغة قانونية جافة. الى جانب احداها كتب بين قوسين حرف I – موقف اسرائيل والى جانبه الحرف S – موقف سوريا.

حين أمسكت بالأوراق شعرت بيدي ترتعشان انفعالا. هذا كان في بداية كانون الثاني 2000، بعد اقل من اسبوع من اللقاء التاريخي بين رئيس الوزراء ايهود اولمرت ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع الذي انعقد في بلدة شبردستاون تحت ستار كثيف من السرية. اذا كان هذا هو الامر الحقيقي، كما فكرت، فإني أمسك بمسودة اقتراح بيل كلينتون لاتفاق السلام بين اسرائيل وسوريا.

لمزيد من الامان اتصلت بـ جادي بلتيانسكي، المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء. رويت له عن المسودة وطلبت منه ان يفحص اذا كان هذا هو الامر الحقيقي. قصصت عنوان المصدر ودفعت بالصفحات الى جهاز الفاكس. وفي المساء، بعد ساعات طويلة ومتوترة، ابلغني بلتيانسكي -مع أسفه- أنه لا يمكنه ان يتطرق للوثيقة بالايجاب او بالسلب وأن لي أن أفعل ما أراه مناسبا.

علمت انه ما كان سيتركني أقع على مادة متفجرة كهذه. المفاوضات كانت تقف في حينه على شعرة. وكشف التنازلات السورية -وبعضها بعيدة الأثر- كان من شأنه أن يحرج الرئيس السوري حافظ الاسد وان يستدعي ضغوطا على دمشق. النشر المسبق كان من شأنه ان يشوش المساعي الامريكية للتقريب بين الطرفين اللذين لم يكونا ابدا قريبين اكثر من الاتفاق.

العنوان الرئيس الذي ظهر في الغداة في "هآرتس" أخرج السوريين عن اطوارهم. فالنبأ روى ضمن امور اخرى بأنه مقابل انسحاب من الجولان توافق سوريا على وقف التعاون العسكري مع محافل معادية لاسرائيل والمساعدة لكل عمل عنيف ضدها. واتهم الاسد اسرائيل بالتسريب وهدد بالانسحاب من المفاوضات. باراك اطلق النار نحو كل صوب، وبالاساس نحو وزارة الخارجية بل انه أمر رئيس المخابرات في حينه عامي ايالون باستدعاء كل كبار المسؤولين الذين كانوا اطلعوا على الوثيقة للتحقيق معهم في آلة الكذب.

ذات مرة سألت باراك لماذا لم يحاول مناشدتي التخلي عن نشر الوثيقة. في حالات أقل قيمة بكثير، يتوجه رؤساء الوزراء الى الصحافيين، واحيانا الى محرري الصحف ويلقون عليهم "بالمسؤولية عن مصير السلام". اما باراك فقال انه لا يتذكر.

هكذا حصل أني أنا بالذات، المحب للسلام مع سوريا، والكاره لمستوطني الجولان أنفسهم "خربت" على المفاوضات. لم أشعر أبدا بالندم. اولا، من اللحظة التي وقعت فيها يدي على الوثيقة اصبحت من حق الجميع. ثانيا، اذا كان يكفي أي نشر محرج لإفشال اتفاق سلام، فويل من ذاك السلام. ومع الايام، ثلاثة من كبار اعضاء فريق السلام الامريكي كتبوا في كتبهم أن النشر لم يطب لهم وأجبرهم على شبه الاستجداء من الاسد كي يواصل الخطوة. ولكنهم رووا ايضا أنه منذ خروجه من شبردستاون ارتعدت فرائص باراك وقال لهم ان الجمهور الاسرائيلي لن يشتري انسحابا من كل الجولان.

بعد سبع سنوات وثلاثة ايام، مرة اخرى أغضبت السوريين. هذه المرة تدحرجت الى يدي وثيقة تفاهم صيغت في سلسلة لقاءات سرية عقدت في سويسرا، برعاية حكومة بيرن، بين الون ليئال وايف سليمان، الامريكي من اصل سوري، الذي عمل كرجل اتصال مع حكم بشار الاسد. وضمن أمور اخرى اتفق هناك على تحويل المنطقة الفاصلة في جزء من هضبة الجولان الى "حديقة سلام"، تكون مفتوحة امام الزوار الاسرائيليين. والسوريون سارعوا الى النفي، ولكن رئيسة سويسرا ميشلين كلمي – ريه، اعلنت رسميا أن النبأ صحيح. قبل أكثر من سنة علمت بان الوسيط السويسري نيكولاص لانك زار دمشق في حرب لبنان الثانية. وروى المصدر أن السوريين نقلوا من خلاله رسالة عاجلة الى اسرائيل. بعد بضعة ايام جلس لانك في مكتب يورام تربوبتش الذي كان في حينه رئيس طاقم رئيس الوزراء ايهود اولمرت. بلغه بان سوريا مستعدة لان تساعد في اعادة الجنديين المفقودين، اودي غولدفاسر والداد ريغف، حيين أو ميتين.

وقال المصدر ان تربوبتش وعد لانك بان يعقد عوفر ديكل، المسؤول عن معالجة الاسرى والمفقودين اتصالا معه في اقرب وقت ممكن. ديكل لم يتصل. مكتب اولمرت قال انه لم يحصل هذا أبدا.

قبل بضعة اشهر سألت دبلوماسيا سويسريا عما إذا كان يعرف بحالة الرسالة التي نقلت الى اسرائيل في موضوع المفقودين. فأجاب الرجل بجفاف: "أي سؤال هذا؟ كنت حاضرا في اللقاء مع تربوبتش". العميد المتقاعدة يسرائيلا اورون، التي كانت نائبة رئيس مجلس الامن القومي، كانت شاهدة على الحديث. ولما لم يكن واضحا في تلك الايام على الاطلاق اذا كان غولدفاسر وريغف قد سقطا في الاسر بينما هما حيين، قررت سحب القصة السورية. اعتقدت انه من غير المناسب ان اضيف الى ألم العائلات أسى تفويت الفرصة.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,268,905

عدد الزوار: 6,942,923

المتواجدون الآن: 117