نحو استراتيجية "عراقية" في أفغانستان

تاريخ الإضافة الأحد 8 آذار 2009 - 11:34 ص    عدد الزيارات 1074    التعليقات 0

        

اتخذت إدارة أوباما في أسابيعها الأولى، قرارين أساسيين في موضوع أفغانستان. فقد جرت زيادة عديد قوات القتال الأميركية بنسبة 50 في المئة، وعُيِّن سفير مرموق هو ريتشارد هولبروك مبعوثاً رئاسياً في المنطقة التي أُطلِق عليها اسم "أفباك" (مما يعني اعتبار أفغانستان وباكستان وحدة جيوسياسية واحدة).
غير أن النتيجة ستتوقف على الاستراتيجيا التي سنواجه بها التعقيدات المحتومة. لقد انتقل التحدي الإسلامي الأساسي إلى منطقة الباشتون القبلية الجبلية على طول الحدود الباكستانية-الأفغانية، حيث تموّن المخابئ في الجهة الباكستانية من الحدود الاعتداءات على أفغانستان والقوات الحليفة المعاونة لها، وتدرّب منفذيها.
لم يتحقق قط الفوز في حرب عصابات تُشَن في وجه مخابئ منيعة على الهجوم. لذلك الإدارة محقّة في التعامل معها كمشكلة على حدة. غير أن المخابئ ليست موجودة عن سابق تصوّر وتصميم من الحكومة الباكستانية بقدر ما هي موجودة بسبب عجز هذه الحكومة السياسي والعسكري عن ضبط أراضيها على طول الحدود الأفغانية، والتي لم تخضع قط للإدارة المدنية – حتى خلال الحكم البريطاني.
تواجه إدارة أوباما معضلات مشابهة لتلك التي واجهها العديد من سابقاتها. لا تستطيع أميركا الانسحاب الآن، لكن لا يمكنها أيضاً الإبقاء على الاستراتيجيا التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة.
حتى الآن اتبعت أميركا تكتيكات تقليدية لمكافحة التمرد: إنشاء حكومة مركزية، ومساعدتها على بسط سلطتها على كامل البلاد، وفي معرض ذلك إرساء مجتمع بيروقراطي وديموقراطي حديث.
لا تستطيع هذه الاستراتيجيا أن تنجح في أفغانستان – ولا سيما عندما تكون مجهوداً منعزلاً إلى حد كبير. فالبلاد كبيرة جداً، والأراضي وعرة جداً، والتركيبة الإتنية متنوّعة جداً، والسكان مدجّجون بالسلاح. لم ينجح أي غازٍ أجنبي قط في احتلال أفغانستان.
حتى محاولات إرساء سيطرة أفغانية مركزية نادراً ما تكلّلت بالنجاح، وفي حال نجحت، فهي لا تدوم طويلاً. يبدو أن التعريف الذي وضعه الأفغان لبلادهم يقوم على التفاني المشترك لتحقيق الاستقلال وليس الحكم الذاتي المتكامل أو المركزي. عندما تتحرر المجموعات الإتنية والإقليمية المختلفة من القوات الأجنبية، من شأنها أن تستأنف استقلالها الذاتي، ولن تخضع للسلطة المركزية إلا على مضض وبصورة محدودة.
عدد كبير من الصعوبات التي يواجهها الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بنيوية. وأنا لست مرتاحاً للانفصال بكل تفاخر عن قائد في خضم حرب أهلية مع العلم بأننا ساهمنا في وصوله إلى السلطة. في غياب البديل الواضح، كانت خطوات من هذا النوع ترتد علينا عادة بنتائج عكسية في الماضي.
الحقيقة البديهية بأن الحرب هي في الواقع معركة للفوز بقلوب الأفغان وعقولهم، صحيحة بما يكفي مفهومياً. لقد أدت الحرب المستمرة منذ ثلاثين عاماً إلى تراجع معايير العيش أكثر فأكثر بالنسبة إلى الجزء الأكبر من السكان. والاقتصاد هو على وشك أن يموّل نفسه من خلال بيع المخدرات. وليس هناك تقليد ديموقراطي مهم.
الإصلاح هو ضرورة أخلاقية. غير أن الجدول الزمني للإصلاح لا يتناسب مع الموجبات التي تفرضها حرب مكافحة العصابات. فهو يحتاج إلى عقود؛ ويجب أن يحصل كنتيجة لتحقيق الأمن أو حتى يسير معه جنباً إلى جنب، لا أن يكون شرطاً مسبقاً له.
لا شك في أن المجهود العسكري سيسير بوتيرة مختلفة عن تطوّر البلاد السياسي. لكن ما يمكننا تحقيقه على الفور هو الحرص على أن تكون جهود المساعدات التي نبذلها، والتي تعاني الآن من التشتت وعدم الفاعلية، متماسكة وتنسجم مع حاجات الشعب. ويجب إيلاء اهتمام أكبر بكثير للكيانات المحلية والإقليمية.
يجب أن تركّز الاستراتيجيا العسكرية على الحؤول دون ظهور دولة متماسكة ومتراصة داخل الدولة يسيطر عليها الجهاديون. عملياً، يعني ذلك سيطرة الجهاديين على كابول ومنطقة الباشتون. من شأن قاعدة جهادية في جهتَي الحدود الأفغانية-الباكستانية أن تتحوّل تهديداً مستمراً للآمال بتطور الاعتدال، ولجيران أفغانستان كافة.
لقد قال الجنرال ديفيد بيترايوس إنه سيتمكّن، بدعم من أعداد القوات الأميركية التي أوصى بها، من السيطرة على العشرة في المئة من الأراضي الأفغانية التي هي، بحسب تعبيره، مصدر 80 في المئة من التهديد العسكري. إنها المنطقة التي تنطبق عليها في شكل خاص الاستراتيجيا الواضحة القائمة على الحفاظ على المواقع التي تتم السيطرة عليها وإعمارها والتي تكللت بالنجاح في العراق.
في باقي البلاد، يجب أن تكون استراتيجيتنا العسكرية أكثر مرونة، وتهدف إلى منع صعود أي نقاط قوة إرهابية. ويجب أن تستند إلى تعاون وثيق مع القادة المحليين وتنسيق مع ميليشياتهم على أن تدرّبها القوات الأميركية – أي من نوع الاستراتيجيا التي حققت نجاحاً كبيراً في محافظة الأنبار، المعقل السني في العراق.
إنها استراتيجيا منطقية، على الرغم من أنه يبدو أن زيادة عديد الجنود 17 ألفاً غير كافية على الأرجح لتنفيذها. في نهاية المطاف، ليست المسألة الأساسية الطريقة التي ستدار بها الحرب بقدر ما هي النهاية التي ستكون عليها هذه الحرب.
تكاد أفغانستان تكون المشكلة الدولية النموذجية التي تقتضي حلاً متعدد الطرف من أجل بروز إطار عمل سياسي. في القرن التاسع عشر، كان يتم أحياناً إعلان الحياد الرسمي من أجل وقف التدخلات في البلدان ذات المواقع الاستراتيجية أو من جانبها. لم يكن هذا الإجراء يصمد دائماً، لكنه كان يوفّر إطاراً لنزع فتيل التوتر في العلاقات الدولية اليومية (على سبيل المثال، لم يجرِ تحدي الحياد البلجيكي طوال مئة عام تقريباً). هل يمكن استنباط نموذج موازٍ في الزمن الحديث؟
في أفغانستان، لا يمكن تحقيق هذه النتيجة إلا إذا وافق جيرانها الأساسيون على سياسة ضبط النفس ومعارضة الإرهاب. يوحي سلوكهم الأخير أن هذا غير ممكن. لكن يجب أن يتعلّموا من دروس التاريخ أن بذل جهود أحادية للسيطرة تفشل على الأرجح في وجه التدخل المضاد من فاعلين خارجيين آخرين.
من أجل استكشاف هذه الرؤية، يجب أن تقترح الولايات المتحدة فريق عمل مؤلفاً من جيران أفغانستان والهند والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. ويجب أن يُكلَّف المساعدة على إعادة إعمار أفغانستان وإصلاحها، ووضع مبادئ تحدّد مكانة البلاد الدولية وموجباتها لناحية التصدي للنشاطات الإرهابية.
مع مرور الوقت، يمكن أن تندمج الجهود العسكرية الأحادية لأميركا مع الجهود الديبلوماسية لهذه المجموعة. وإذا نجحت الاستراتيجيا التي وضعها بيترايوس، تتعزّز آفاق التوصل إلى حل سياسي مستند إلى هذه الأسس.
الشرط المسبق لهذه السياسة هو التعاون مع روسيا وباكستان. ويتطلّب التعاون مع روسيا تعريفاً واضحاً للأولويات، ولا سيما الاختيار بين الشراكة أو سلوك الخصومة على قدر ما يتعلّق الأمر بنا.
سيكون سلوك باكستان أساسياً. يجب أن يواجه القادة الباكستانيون واقع أن التقبّل المستمر للمناطق الخارجة عن السلطة – أو العجز المستمر في هذا المجال – سوف يغرق بلادهم أكثر فأكثر في دوامة دولية.
إذا ساد الجهاديون، فلا شك في أن باكستان سوف تكون الهدف المقبل – كما نلاحظ منذ الآن على طول الحدود القائمة وحتى في وادي سوات القريب من إسلام أباد. وإذا حصل ذلك، فسوف يكون على البلدان المتضررة أن تبدأ بالتشاور في ما بينها حول المضاعفات التي قد تترتب على ذلك جراء الترسانة النووية لبلد يتّجه الإرهابيون للسيطرة عليه أو حتى يهدّدونه.
على غرار كل بلد منخرط في أفغانستان، يتعيّن على باكستان اتخاذ قرارات سوف تؤثّر في موقعها الدولي لسنوات.
تواجه بلدان أخرى – على وجه الخصوص حلفاؤنا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) – خيارات مشابهة. مشاركة شركائنا في "الناتو" مهمة من الناحية الرمزية. لكن ما عدا بعض الاستثناءات الملحوظة، الدعم الشعبي للعمليات العسكرية ضئيل جداً في كل بلدان "الناتو" تقريباً.
من الممكن بالتأكيد أن تغيّر شعبية أوباما في أوروبا هذه المواقف، إنما بدرجة محدودة جداً في أغلب الظن. سيكون على الرئيس أن يقرر عندئذٍ إلى أين سيصل بالاختلافات المحتومة في الآراء، ويواجه حقيقة أن الخلافات تتعلق بالأسئلة الأساسية عن مستقبل "الناتو" وامتداده.
سوف يساهم تحسين التشاور في تسهيل العملية. لكن من المحتمل أن يتبين أن الخلافات ليست إجرائية. وقد نستنتج عندئذٍ أن تعزيز مساهمة "الناتو" في إعادة إعمار أفغانستان أكثر فائدة من مجهود عسكري هامشي تقيّده التحذيرات والتوضيحات. لكن إذا تحوّل "الناتو" بهذه الطريقة حلفاً انتقائياً، فسوف يتم إرساء سابقة تشكّل سيفاً ذا حدين. من يلعبون على وتر الانسحاب الأميركي من خلال لامبالاتهم أو ترددهم في اتخاذ القرارات يتجاهلون أنه من شأن هذا الانسحاب أن يقود إلى سلسلة طويلة من الأزمات المتسارعة والتصعيدية.
يواجه الفريق الجديد المعني بالشؤون الأفغانية خيارات مثبطة للهمّة. أياً كانت الاستراتيجيا التي سيختارونها، يجب تطبيقها بعزم وتصميم. لا يمكن التحوّط من الفشل من طريق التنفيذ الفاتر.

"إنترناشونال هيرالد تريبيون"
ترجمة نسرين ناضر

 

هنري كيسينجر     
(مستشار الأمن القومي ووزير الخارجيةفي إدارتَي الرئيسين الاميركي نيكسون وفورد)

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,071,075

عدد الزوار: 6,751,352

المتواجدون الآن: 120