إحذروا التنين!

تاريخ الإضافة السبت 10 آذار 2012 - 6:44 ص    عدد الزيارات 773    التعليقات 0

        

إحذروا التنين!

 


توماس فريدمان

في العصور القديمة، غالباً ما كان يشار إلى المناطق الخطيرة أو غير المستكشفة على الخرائط بعبارة التحذير التالية "أحذروا من وجود تنين". بالتأكيد هذه هي العبارة التي سيؤشر بها واضعو الخرائط على منطقة الشرق الأوسط بأكمله اليوم.
بعد انطلاق الصحوات العربية كان من المنطقي أن يكون أحدنا ملحداً في أسوأ الأحوال، ومؤمنا في أفضلها حيال احتمال خوض هذه الدول عملية الانتقال الصعبة من الديكتاتورية إلى الديموقراطية. لكن أخيراً، وبعد النظر بصدق إلى المنطقة، علينا أن ندرك أن احتمالات الانتقال المستقر إلى الديموقراطية قريباً تبدو وقد اضمحلت. من المبكر التخلي عن الأمل، لكن ليس من المبكر إطلاقاً الشعور بالقلق.
والله شاهد على ما أقول أنه ليس بسبب شجاعة الشبان العرب والعديد من المواطنين العاديين الذين أطلقوا شرارة هذه اليقظة بحثاً عن الكرامة والعدالة والحرية. كلا، بل لأن التمسك بالسلطة والنفاق الذي يمارسه الحرس القديم وأصحاب الأفكار البالية في هذه الدول، أعمق بكثير مما يعتقده معظم الناس، كما أن ضعف أو غياب المؤسسات الديموقراطية، والتقاليد والأمثلة التاريخية هي أكبر بكثير.
ويقول مايكل ماندلبوم الخبير في السياسة الخارجية في كلية العلوم الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكينز "هناك مثل يقول بأن داخل كل رجل سمين آخر هزيل يقاتل لكي يخرج منه". ويضيف "كما نميل إلى الاعتقاد بأن داخل كل ديكتاتورية هناك ديموقراطية تنازع لكي تخرج، لكن ذلك قد لا يكون صحيحاً في الشرق الأوسط".
ويتابع ماندلبوم أن ذلك كان صحيحاً في أوروبا الشرقية في العام 1989، لكن هناك فارقين كبيرين جداً بين أوروبا الشرقية والشرق الأوسط. فالعديد من الدول الأوروبية الشرقية كانت تملك ماضياً ليبرالياً حديثاً لتعود إليه - بعد إزالة الفرض القسري للشيوعية السوفياتية عليها. كما كانت أوروبا الشرقية على حدود نموذج مقنع وجذاب لديموقراطية السوق الحرة: الاتحاد الأوروبي. لكن معظم الدول العربية- الإسلامية لم تملك أياً من هاتين الأفضليتين، ولذا فعندما ستنهار هذه القبضة الحديدية لن تنحو هذه الدول إلى الليبرالية، بل إلى الإسلام، الطائفية، القبلية أو الحكم العسكري.
ولكي نتأكد، علينا أن نتذكر كم من الوقت استغرقته أميركا لبناء نظامها السياسي الليبرالي الخاص، وإلى أي نوع من المهووسين حولنا ذلك. قبل أربع سنوات، انتخبنا رجلاً أسود اسمه (الرئيس الأميركي أوباما) باراك، جده كان مسلماً، لكي يقودنا إلى خارج أسوأ أزمة اقتصادية نشهدها منذ قرن تقريباً. واليوم، ندرس احتمال استبداله برجل مورموني (نسبة إلى المسيحيين المرمون) وكل ذلك يبدو طبيعياً. لكن هذا الأمر العادي استغرق أكثر من 200 عام وحرب أهلية لكي يتطور ويصبح على ما هو اليوم.
العرب والأفغان لا يزالون في عقدهم الأول. ترون كيف أن النظام في سوريا سارع إلى تحويل المطالبة بالديموقراطية إلى حرب مذهبية. تذكروا أن المعارضة في سوريا بدأت على شكل تظاهرات سلمية سورية محضة تطالب بالتغيير الديموقراطي. لكن الرئيس السوري بشار الأسد لاقى عن سابق تصميم هذه المطالبة بالقتل وبث السم المذهبي. أراد أن يجعل الصراع بين أقليته العلوية والغالبية الإسلامية السنية كوسيلة لنزع مصداقية المعارضة والتمسك بقاعدته.
وكتب بيتر هارلينغ وساراة بيرك الخبيران في شؤون الشرق الأوسط اللذان زارا سوريا مؤخراً "عوضاً عن الإصلاح، كان خطأ النظام دفع المجتمع إلى شفير الهاوية. وفور انطلاق التظاهرات المعارضة، عمدت وسائل إعلام النظام إلى بث أشرطة حول اكتشاف أسلحة في أحد مساجد مدينة درعا الجنوبية التي شهدت انطلاق أول موجات التظاهر السلمية، وحذرت من أن الاعتصام الذي سعت إليه المعارضة في حمص هو محاولة لإعلان الخلافة الإسلامية. وهذا التلاعب السوري الرسمي يعني أن النظام كان واثقاً من أن التهديد بخطر الحرب الأهلية سيجبر المواطنين واللاعبين الخارجيين على السواء، على المحافظة على ميزان السلطة القائم حالياً كوسيلة وحيدة لمنع الانهيار".
تشاهدون النوع نفسه من التلاعب بالمشاعر في أفغانستان. لقد أحرقت القوات الأميركية خطأ بعض نسخ من القرآن الكريم واعتذر عن هذا العمل الرئيس أوباما. لكن الأفغان مع ذلك انطلقوا في حملة غضب لمدة أسبوع بكامله وقتلوا أميركيين ابرياء كرد فعل- ولم يتجرأ قائد أفغاني، أو حتى حلفاؤنا، للوقوف والقول "انتظروا، هذا خطأ. في كل أسبوع في باكستان، أفغانستان والعراق يقتل انتحاريون مسلمون بعضهم وبالكاد نسمع إدانة. ومع ذلك، فإن إحراق القرآن عن طريق الخطأ من قبل الأميركيين، يثير موجة سخط وقتل. ماذا تقول ردة فعلنا عنا؟" عليهم أن يجروا هذا الحوار.
وفي مصر أصبح جلياً أن الجيش استغل الانتفاضة في ميدان التحرير للتخلّص من منافسه الرئيسي للخلافة - نجل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، جمال، صاحب الفكر الإصلاحي أكثر من قادة المجلس العسكري. والآن بعد أن تم التخلّص من الأب والابن معاً، بدأ الجيش يظهر قبضته الفعلية من خلال محاكمة ناشطين في الترويج للديموقراطية من الجنسيات الأميركية، الأوروبية والمصرية، بتهمة العمل لصالح "عملاء أجانب" - (وكالة المخابرات المركزية) السي آي أيه، إسرائيل واللوبي اليهودي - من أجل زعزعة استقرار مصر. من الواضح أن هذه تهمة احتيالية لكنها تهدف إلى تقويض الديموقراطيين الذين يطالبون بتنحي الجيش عن السلطة.
انتهت الآن مرحلة الصحوة العربية - الإسلامية. دخلنا الآن في عمق مرحلة الثورة المضادة، إذ تحاول أيدي الموت السابقة خنق المستقبل. أنا على استعداد لمناقشة أي فكرة حول كيفية مساعدتنا نحن الغربيين لقوى الديموقراطية والكرامة على الانتصار. لكن في النهاية، إنها معركتهم. عليهم أن يمتلكوها وآمل ألا تنتهي - كما في أراضي التنين- بتقدم المتطرفين واضمحلال قوى الاعتدال.

ترجمة: صلاح تقي الدين
() عن النيويورك تايمز 28/2/2012

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,744,981

عدد الزوار: 6,912,289

المتواجدون الآن: 92