الانتفاضة الشعبية في سوريا ووضع الأكراد

تاريخ الإضافة الثلاثاء 6 كانون الأول 2011 - 6:17 ص    عدد الزيارات 765    التعليقات 0

        

الانتفاضة الشعبية في سوريا ووضع الأكراد
هوشنك أوسي ...الاكسبرس ...أثّرت الانتفاضة الشعبية المندلعة في أرجاء سوريا على كافّة البنى السياسية والاجتماعية والثقافية السوريّة بعمق، وأحدثت تحوّلات نوعيّة في وعي السوريين لأنفسهم ودورهم وقدراتهم ورؤيتهم لحاضرهم مستقبلهم· لكنّ أثرها كان أعمق على الفضاء السياسي الكردي السوري، وذلك لتمايز ذلك الفضاء عن العموم السوري السياسي· فالموات التامّ لم يصب السياسة في الأوساط الكردية السوريّة كما باقي البنى السياسية السورية، وذلك بسبب حفاظ الأكراد دوماً على نوعٍ من التشابك بين الحياة المجتمعيّة والسياسيّة، كما أنّهم أمّنو حدّاً أدنى من بقاء التنظيمات السياسيّة الحزبية في ظلّ التصحّر السياسي السوري الذي امتدّ لثلاثة عقودٍ خلت·

ففي اجتماع القيادة القطرية لحزب البعث بتاريخ 24 آذار/مارس 2011، تمّ وضع جملة من التصوّرات والحلول للأحداث التي كانت قد اندلعت قبيل ذلك بأسبوعٍ واحد في مدينة درعا وعددٍ من المدن السورية الأخرى، ممّا كان يُنبئ بتوّسع رقعة الاحتجاجات في كافّة انحاء البلاد· وصدر بلاغٌ عن ذلك الاجتماع يتعهّد بتحقيق جملة من الخطوات السياسيّة العامة، مثل تشكيل لجنة لرفع حالة الطوارئ ولجنة لوضع قانونٍ للأحزاب، إلخ· لكن اللافت كان أنّ تلك التعهّدات تضمّنت الإقرار بتحقيق مطلبين سياسيّين تاريخيّين خاصّين بالأكراد السوريين ، تمثّل بإلغاء المرسوم 49 ومنح الجنسية السورية لعشرات الآلاف من المواطنين الأكراد السوريين المجرّدين منها هكذا أتى هذه التعهّد الخاص بمثابة إقرارٍ بفرادة الوضع الكردي، وإمكانية لعبه دوراً بارزاً في مستقبل الأحداث· وفعلاً تمّ تنفيذ هذا التعهّد بعد عشرة أيامٍ من الاجتماع·

لكن ردّة الفعل الكرديّة على تحقيق مطالب مزمنة في قدمها لم تكن متوقّعة البتّة· فصبيحة اليوم التالي لتلبية المطلب التاريخي بتجنيس عشرات الآلاف منهم، اندلعت التظاهرات في عددٍ كبير من المدن ذات الأغلبيّة الكرديّة تحت شعار <ما بدنا هويّة، بدنا حرية>، أي أن التجنيس ليس مطلبنا بل الحريّة هي مطلب الأكراد مثل غيرهم من السوريين· هكذا كشفت ردّة الفعل هذه، وما تلاها من سلوكيّات ومناخات في الوسط الكردي أثناء الانتفاضة، عن جملة من التحوّلات طرأت على الوعي السياسي للأكراد السوريين؛ يمكن حصرها بثلاث نقاط أساسية·

أوّلاً: نهاية القبول بالرؤية القطاعيّة من قبل السلطة لمجموع مكوّنات الشعب السوري، ومنهم <القطاع> الكردي· فمجموعة سلوكيات التنظيمات السياسية والوسط الاجتماعي الكردي في سوريا أثناء فترة الانتفاضة، كانت تعطي الأولوية المطلقة لمستقبل الظرف والشكل السياسي الذي يجب أن تكون عليه سوريا المنظورة، وليس وضع الأكراد وظرفهم· وكان الرفض الكردي للشكل الذي أرادته السلطة في التعاطي مع مكوّنات المجتمع السوري، مدخلاً قويّاً لإعطاء الصبغة الوطنيّة العامة للانتفاضة السوريّة· إذ أنّ انتشار الاحتجاجات في المناطق الشمالية ذات الأغلبية السكانية الكرديّة قد أسقط الحجّة التي كانت ترفع بأنّ طبيعة الاحتجاجات مناطقيّة وذات شعارات مطلبيّة غير سياسية وفي الوقت ذاته، شكّل ذلك إشارة إلى عمق الخيار الوطني لرؤية النخبة السياسية الكرديّة؛ تلك الرؤية التي ترى أن <القضية الكرديّة> في سوريا يكمن حلّها ضمن الإطار الوطني السوري العام، وغير ذات تشابكٍ كبيرّ مع تطور القضيّة الكرديّة في باقي دول الجوار· ويسجّل الفضل في ذلك أيضاً للكثير من الأطر السياسية المعارضة السورية، التي استطاعت بروحٍ عالية القبول بوجود قضيّة سياسية كرديّة في البلاد، لا بدّ من الاعتراف بها واستشراف حلّها·

<ما بدنا هويّة، بدنا حرية> ثانياً: كان التفاعل الخجول من قبل الأطراف الكرديّة غير السورية، بمثابة قطيعة مع منطق <الرومانسية السياسيّة> التي كانت تخالج ذهن بعض الأطراف الكردية السورية· فالأكراد العراقيّون، بممثليهم السياسيين في جهاز الدولة المركزي، المتمثّل برئيس الجمهورية والوزراء، أو القيادات الرسميّة والحزبية ضمن الإقليم الكردي، لم يصدر عنهم أيّ موقفٍ دافئٍ قريبٍ من تطلّعات الأكراد السوريين وتحرّكاتهم وتطلعاتهم طوال فترة الأزمة؛ وكانت جملة مواقفهم السياسيّة والإعلامية أقرب للعدميّة السياسية، تشابكت مع أفعالٍ مشابهة لها من قبل التيارات السياسية الكردية-التركيّة· هذا ما خلق في باطن وعي الأكراد السوريين إحساساً بنهاية الأحلام القومية العابرة للحدود· في حين كانوا هم، أي الأكراد السوريين، قد حملوا على عاتقهم الوزر الأكبر للثورات التي كان قد قام بها الأكراد في العراق وتركيا· وبات ظاهراً في هذا الشأن، التراجع الواضح لشعبية الأحزاب الكرديّة السورية التي تحمل أيديولوجيات سياسيّة رديفة لتيارات سياسيّة كرديّة كبرى غير سوريّة، مقابل ظهور شخصيّات وتيّارات سياسيّة لا تبني أيديولوجيتها وشكلها التنظيمي على إيّ أساسٍ رديفٍ لأيّ تنظيمٍ سياسيّ كرديّ غير سوري· فقط الوعي الذي كان قد تسرّب إلى ذوات الأكراد العراقيين والأتراك منذ سنوات عديدة، والذي تمثل بهشاشة الترابط الذاتيّ لقضيّتهم مع باقي المناطق، وذلك بفعل جملة <الانتصارات> التي حقّقوها على المستوى الوطنيّ، هو أيضاً تسرّب بفعل هذه الانتفاضة إلى ذوات الأكراد السوريين·

ثالثاً: أثبتت جملة الأحداث الطبيعة المركّبة للمجتمع السياسي الكرديّ في سوريا، حيث كان يسود قبلها إحساسٌ بأن الأكراد السوريين كتلة صمّاء متآلفة ومتصالحة مع ذاتها وبعضها البعض· لكن الأحداث أثبتت تباين وتفارق وتداخل الآراء والمواقف السياسية الكرديّة فيما بينها· فمن ناحية، كانت المواقف السياسية على درجة متباينة من قراءة الحدث ومستوى التفاعل الذي يجب أن ينخرط به الجانب الكرديّ؛ ومن ناحية أخرى، كان ثمّة شعورٌ عميق بأنّ جملة التفاعلات الإقليميّة مع القضية الكردية تتكاثف في شأن الأكراد السوريين، بحيث عاش الأكراد السوريين تموضعاً شبيهاً بالحالة اللبنانية في الشرق الأوسط·

هكذا كان الموقف العراقي الرسميّ بأكراده أقرب للسلطة في سوريا منه للانتفاضة؛ وعلى النقيض تماماً كان الموقف الرسمي التركيّ أقرب للانتفاضة منه للسلطة السورية، وهما موقفان عمّقا التشتّت بين التيارات السياسيّة الكردية· فلكلّ منها سندٌ أخلاقي وسياسيّ لخياراته· لكن الأبرز كان قدرة تيارٍ شبابيّ حيويّ جديد وغير تقليديّ من اجتراح طريق للعمل والنشاط السياسي· إذ أثبتت جملة التيارات السياسية الكردية التقليديّة تشابكها البنيوي مع طبيعة النظام السياسي، بالرغم من تباينهما الظاهر؛ وبذلك شكل الحدث أداةً عميقة لكشف مدى جهل التنظيمات السياسيّة الكردية بمجتمعها وخيارات أجياله الجديدة من طرف، ومن طرفٍ آخر مدى تكاثف التباينات الإقليمية على الساحة الكردية في سوريا·

لأكثر من نصف قرنٍ كامل، شكّلت قضية الأكراد السوريين حيزاً غير مفكّرٍ به، وذلك بسبب ارتضاءٍ ذاتيّ بأولويّة القضية الكرديّة في باقي الدول على قضيّتهم الذاتية، وبفعل طبيعة النظام الحاكم في سوريا، حيث شكل انسجامه مع الأطراف الكرديّة الإقليميّة ألفة غير معلنة بينه وبين <أكراده>· ذلك الحيّز شكّل نوعاً من الركود والتراكم غير الصحيّ، نتج عنه عددٌ من حالات القيح الذهنية· وكان لا بد من انتفاضة بمستوى نبل الانتفاضة السورية، أن تعيد الاعتبار للحيوية·


 

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,220,793

عدد الزوار: 6,941,005

المتواجدون الآن: 115