ليبيا وأوباما: انتصار الواقعية في السياسة الخارجية الأميركية

تاريخ الإضافة الأحد 4 أيلول 2011 - 6:53 ص    عدد الزيارات 726    التعليقات 0

        


 

ليبيا وأوباما: انتصار الواقعية في السياسة الخارجية الأميركية
بقلم روبرت كابلان

توزعت السياسة الخارجية الاميركية تقليدياً بين اتجاهين متعارضين: اتجاه مثالي يدعو الى التقليل من شأن المصالح كأساس للسياسة الخارجية واتجاه واقعي يدعو الى العكس. الربيع العربي نُسب الى الاتجاه الاول بينما روبرت كابلان الباحث في "المركز من أجل أمن اميركي جديد" يقدم مطالعة أخرى.

ماتت الواقعية، هذا ما يهتف به مشجّعو الربيع العربي. يبشّر انهيار الديكتاتوريات في تونس ومصر، والآن ليبيا، بولادة جديدة للحرية يُفترَض بها أنها تدفن الواقعية. لكن باراك أوباما – عبر المشاركة في العملية الليبية من دون قيادتها – لم يكن سوى واقعي.
تعتبر الواقعية، كنظرية في العلاقات الدولية، أن المأساة ليست انتصار الشر على الخير، بل انتصار خير على خير آخر يسبّب المعاناة. آراء الرئيس الأميركي الواقعية هي التي جعلته يعارض الاضطلاع بدور قيادي في ليبيا، من أجل إبقاء أميركا مستعدة لمواجهة أزمات أهم مقبلة، أي خير يمكن إقامة البرهان عليه. والواقعية أيضاً تجعل الرئيس أوباما ينأى بنفسه عن امتلاك ليبيا بعد القذافي والتي يُقدَّر لها، حتى في أفضل الظروف، أن تكون دولة ضعيفة وهشّة.
ها هو يدعم الديموقراطية حيث يستطيع، والاستقرار حيث يجب. يوفّر الدعم الديبلوماسي للمتظاهرين في سوريا، لكنه لن يتدخّل. يتوق إلى ثورة ديموقراطية في إيران لكنه يخشى مثل هذه الثورة في السعودية. يعني ذلك، إلى جانب استعجاله سحب الجنود من أفغانستان، رفضاً لبناء الأمة في الشرق الأوسط، من أجل التركيز – في الواقع – على شيء أهم: الإبقاء على القوة البحرية الأميركية في آسيا. هكذا تنتصر الواقعية.
يُفترَض أن الواقعية ماتت مع نهاية الحرب الباردة، عندما سلّط انتشار المجتمعات الحرّة في أوروبا الشرقية الضوء على دور المثالية في السياسة الخارجية. لكن وقعت الهجمات الإرهابية في 11 أيلول 2001، ومأزق العراق، فنهضت الواقعية من تحت الرماد. وسوف تنهض من جديد الآن، نظراً إلى أنه من المحتّم أن تزداد الفوضى أكثر فأكثر في الشرق الأوسط وشرق آسيا.
الهجمات الحالية على الواقعية واهية تماماً كسابقاتها. يُقال إن النظرية خذلت الولايات المتحدة عبر منحها أسباباً لدعم الديكتاتوريين العرب. لكن حفاظ السياسة الخارجية على تأثيرها طوال هذه الفترة هو في ذاته علامة نجاح. واستمدّت الولايات المتحدة أيضاً منافع كبيرة من هذه السياسة: فقد انبثقت عنها علاقات ثنائية مستقرّة واتفاقات سلام عربية-إسرائيلية؛ وأصبحت الطرق التجارية في البحر المتوسط وبحر العرب التي تعتمد عليها التجارة العالمية وإمدادات الطاقة، آمنة.
الأهم من ذلك، لم تصبح الظروف السياسية والتكنولوجية للتغيير الديموقراطي في العالم العربي مؤاتية سوى في الآونة الأخيرة، ويجب ألا تنخرط الولايات المتحدة أبداً في المطالبة بإطاحات ثورية للأنظمة في ربع الكرة الأرضية لسنوات طويلة. تنصح الواقعية بالتعامل مع المواد المتوافرة، لا السعي باستمرار إلى تغييرها من المقلب الآخر من العالم.
وهناك أيضاً اتهام الواقعية بأنها متشائمة، ولا تمثّل تالياً القيم الغربية. بيد أن الواقعية في خدمة المصلحة الوطنية هي المقاربة الإنسانية الأكثر ثباتاً على الإطلاق – لأن الواقعية تعني تفادي الحرب عبر الحفاظ على توازن قوى.
إذا استثنينا التدخّل الإنساني في البلقان، كانت البادرة الإنسانية الأعظم في الذاكرة الحية الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى الصين عام 1972، والتي هندسها هنري كيسينجر، مستشاره للأمن القومي. عبر التخلّي عن مفهوم أن تايوان هي الصين الحقيقية، حصلا على موافقة الصين على وقف دعم التمرّدات الشيوعية في جنوب شرق آسيا.
كذلك تمكّنت الصين، مع ما وفّرته لها الولايات المتحدة ضمناً من حماية من الاتحاد السوفياتي ومن اليابان الصاعدة من جديد اقتصادياً، من تركيز جهودها على النمو السلمي الذي رفع الجزء الأكبر من آسيا من براثن الفقر. فمع تحسّن معايير العيش بالنسبة إلى أكثر من مليار شخص، حصلت طفرة في الحرّيات الشخصية. هذه هي منافع الواقعية.
إعلان موت الواقعية بسبب الأحداث في الشرق الأوسط ينم أيضاً عن جهل عميق بالقارة الآسيوية. فالقومية في صعود هناك، وكذلك الموازنات العسكرية. لدى ست قوى بحرية صاعدة، لا سيما الصين، مطالب متنافِسة في بحر جنوب الصين الغني بالطاقة. إنه عالم من الحسابات غير الأخلاقية لتوازن القوى والتي ستساهم في رسم معالم القرن الحادي والعشرين.
لا شك في أن مستقبل كل من ليبيا واليمن وسوريا سيكون مضطرباً، حتى بعد إطاحة كل ديكتاتورياتها، في حين أن مصر بعد مبارك هي خراب اقتصادي مع ميول ناصرية وإسلامية. في الحقيقة، ما يشهده الشرق الأوسط هو أزمة في السلطة المركزية أكثر منه ثورة ديموقراطية. بما أن عدم الاستقرار واقع محتوم، سوف تثبت الواقعية – التي تعتبر أن المصالح أساسية في مواجهة أوضاع متعدّدة – من جديد أنها منظومة المعتقدات الوحيدة التي تتمتّع بالصدقية بالنسبة إلى من يسعون، على غرار أوباما، إلى ممارسة نفوذ.


("فايننشال تايمز" ترجمة نسرين ناضر)      

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,059,316

عدد الزوار: 6,932,667

المتواجدون الآن: 83