زمن الغضب: سلطان الغرب ينتهي باطّراد

تاريخ الإضافة الأربعاء 31 آب 2011 - 5:21 ص    عدد الزيارات 774    التعليقات 0

        

زمن الغضب: سلطان الغرب ينتهي باطّراد
بقلم روجر كوهين

لم يسبق ان شهد التاريخ تحولاً عالمياً جذرياً في القوى بقدر التحول الحالي الذي نجح في أن يكون سلمياً.
باريس - كان شهر آب مرّة أخرى موعداً للحلم والتطواف في شوارع هذه المدينة الفارغة، وقراءة القصص الخفيفة التي تنشرها الصحف عادةً في "الموسم السخيف" بعد تناول طعام الغداء واحتساء نبيذ سانسير الفرنسي، والتحديق في الساحات حيث تتطاير قطرات الماء من النوافير وتتبادل الحوامل أو العجزة الأحاديث على المقاعد عند الغسق. ثم حصل شيء ما.
تسارعت وتيرة العالم. وارتفعت مستويات الإجهاد كثيراً. وتبخّرت لحظات الخمول. ازداد الغرور. وأصبحت الأجهزة الإلكترونية محمولة باليد. تفوّق المال على السياسة. واشتدّ الغضب. فكما قال ليونارد كوهين "الفقراء يبقون فقراء. والأثرياء يزدادون ثراء. هكذا تسير الأمور. يعرف الجميع ذلك".
لكن الجميع في حيرة من أمرهم. عندما عاد ديفيد كاميرون مسرعاً من توسكانا إلى لندن التي تجتاحها أعمال الشغب، واستعجل نيكولا ساركوزي العودة من الريفييرا إلى باريس التي تعاني من أزمة ديون، وتبخّر فراغ عطلة الصيف في أوروبا (ابتدع الألمان قبل وقت طويل كلمة للإشارة إلى "قلق أوقات الفراغ")، سقطت كل الرهانات.
أجهض شهر آب هذه السنة. لقد تحوّل موسماً جدّياً. خسر الشاطئ أمام المتاريس. وحلّ علينا زمن الغضب.
تأتي موجة السخط في المدن البريطانية عقب احتجاجات اجتماعية ضخمة شهدتها اليونان خلال العام الجاري حيث اندلعت أعمال عنف أيضاً، وكذلك إسبانيا حيث اعتصم عشرات الآلاف في خيم من مدريد إلى برشلونة. وشهدت دولة أخرى بينها البرتغال غضباً واسعاً ينطلق من اقتناع مشترك: لا يمكن أن تستمر الأمور على هذا المنوال. وليس هذا التململ الأوروبي غريباً عن الولايات المتحدة التي تعاني من ارتفاع معدّل البطالة، والحيرة الاقتصادية، والتشدّد الأيديولوجي، والتفاهة السياسية.
تروي الأرقام جزءاً من القصّة. تزيد نسبة البطالة لدى الشباب في الاتحاد الأوروبي المؤلَّف من 27 دولة عن 20 في المئة، وتصل إلى 45.7 في المئة في إسبانيا. وفي بريطانيا، ارتفع معدّل البطالة لدى الشباب من 14 في المئة في الربع الأول من عام 2008 إلى 20 في المئة. يتساءل حوالى واحد من أصل كل خمسة أوروبيين شباب وكذلك من أصل كل خمسة أميركيين شباب عن السبيل للحصول على حياة عملية. يجمع قلق الانتظار بين شباب NEETS (لا تعليم أو وظيفة أو تدريب) في بريطانيا و"أولاد البومرينغ" (الذين يغادرون المنزل الوالدي للعيش بمفردهم) في الولايات المتحدة.
ويتعاظم القلق عندما تعمد الحكومات إلى خفض المنافع وتأخير سن التقاعد في محاولة لمعالجة العجوزات المتصاعِدة. لا ينفع الشبّان أن يستمرّ الأشخاص في العمل حتى سنّ متقدِّمة. شاهد البريطانيون من توتنهام إلى تيسايد الحكومة الأكثر أريستقراطية منذ ماكميلان تخفِّض كل شيء من المكتبات إلى الخدمات الاستشارية للشباب. ثورتهم هي ثورة "اللامستقبل".
لقد نما شعور في المجتمعات الغربية بأن هناك قوى خارجة عن السيطرة تؤدّي إلى تقليص الإمكانات. لم يسبق أن شهد التاريخ تحوّلاً عالمياً جذرياً في القوى بقدر التحوّل الحالي الذي نجح في أن يكون سلمياً.
بُنيت أوروبا الموحّدة الحالية على رماد أمبراطوريات متعاقبة – من الأمبراطورية الرومانية إلى الأمبراطورية البريطانية – انتهت في شكل أو آخر من الاضطرابات العنيفة. والآن ها هي شبه الأمبراطورية الأميركية، أو في شكل عام سلطان الغرب، تنتهي، ليس بسرعة إنما باطّراد.
يكمن النمو والوظائف والتوسّع والحماسة – ونعم، الفرص – في القوس الكبير غير الغربي من الصين مروراً بالهند وصولاً إلى جنوب أفريقيا والبرازيل. هيّا نحو الجنوب! هيا نحو الشرق! هذا هو شعار العصر، لكنه ليس قابلاً للتطبيق دائماً في مقاطعة بيكهام أو بيوريا في الولايات المتحدة. لقد انقلب العالم رأساً على عقب. وما نشهده الآن هو حجم الزلزال الذي أحدثه هذا الانقلاب في المجتمعات الغربية.
مع ظهور قوى جديدة، أحدثت العولمة تحوّلاً في العلاقة بين رأس المال والعمل لمصلحة الأوّل. أصبح هناك عدد أكبر بكثير من العمّال الذين يتقاضون أجراً زهيداً خارج الغرب مع إلغاء التكنولوجيا للمسافات. تبيّن أن عائدات الرساميل أعلى مقارنةً بالأجور. هذه هي حكاية حقبة ما بعد الحرب الباردة. أصبحت الثغرة بين الأثرياء والفقراء هوّة سحيقة.
الوحيدون الذين خرجوا سالمين من العربدة المالية الكبرى التي سبقت هذه الفوضى هم مهندسوها الأساسيون والمنتفعون الأكبر منها: المصرفيون وأصحاب الرساميل ومديرو صناديق التحوّط.
وهذا بدوره يُشعِل غضباً يدفع بالسياسيين الغربيين إلى مطاردة الخيالات.
لعل المجتمع الذي يتعامل بالطريقة الفضلى مع هذه المعضلات هو ألمانيا. فقد استثمرت في قوّة عاملة مثقّفة جداً. واستخدمت العمّال في وظائف تتطابق مع مهاراتهم. واستمرّت في تصنيع آلات الدقّة التي لا يستطيع الآخرون صنعها. وعزّزت التعاون بين النقابات العمّالية وأرباب العمل، وبين الصناعيين والحكومة دفاعاً عن الوظائف الألمانية. نسبة البطالة لدى الشباب هي أقل من عشرة في المئة.
لم تحاول ألمانيا خوض سباق نحو القعر للتنافس مع الصين، ولم تتخيّل أنه بإمكان الخدمات المالية وسواها من الخدمات أن تؤمّن بقاء مجتمع، ولم تتجنّب التدريب، ولم تحاول تفكيك النقابات، ولم يتهيّأ لها أن الأسواق تحمل كل الحلول. لقد ساهمت المحنة التي عرفتها ألمانيا في ماضيها في قدرتها على تجاوز غرورها من أجل الخير العام الضروري لتحقيق الاستقرار.
لكن ألمانيا غارقة أيضاً، ويا للأسف، في نوبة من الاستبطان الداخلي المفرط. فقد سئمت من مشكلات الآخرين. وضاقت ذرعاً من إنقاذ اليونانيين. تشير استطلاعات الرأي إلى أن 50 في المئة من الألمان ثقتهم ضئيلة أو معدومة بالاتحاد الأوروبي مع العلم بأنه كان الطريق الذي قاد إلى إعادة تأهيل البلاد بعد الحرب. لقد أصبحت القيادة الألمانية اسماً على غير مسمّى في هذا الوقت بالذات حيث هناك حاجة إليها.
سبق أن أنقذت الولايات المتحدة وأوروبا ألمانيا. ربما حان الوقت لتعيد إليهما جزءاً من المعروف – ليس بواسطة المال وحسب، إنما أيضاً الأفكار.


("نيويورك تايمز" ترجمة نسرين ناضر)      

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,158,416

عدد الزوار: 6,757,850

المتواجدون الآن: 117