الانتقال الديموقراطي المصري: أي سياسة اقتصادية؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 2 آب 2011 - 8:17 ص    عدد الزيارات 689    التعليقات 0

        


 

الانتقال الديموقراطي المصري: أي سياسة اقتصادية؟
باشراف ميشال دن - وجيفري غيدمان

في ما يأتي قسم من تقرير أعده "مركز كارنيغي للسلام" بالاشتراك مع معهد "ليغاتوم" و"المجلس الاطلسي" عن الاقتصاد المصري، وهو ثمرة رحلة استكشافية قام بها واضعوه في منتصف حزيران الماضي بهدف المساعدة على صوغ النقاش حول اقتصاد مصر وسياساتها الاقتصادية بعيدا عن "الاساطير المستمرة" حول الوضع الراهن - الترجمة لنسرين ناضر.
إذا فشل الانتقال الديموقراطي في مصر وتبنّت البلاد شكلاً قمعياً أو سلطوياً أو ثيوقراطياً من الحكم، يمكن أن تكون النتائج وخيمة. من شأن الإخفاق في مصر أن يدفع ببلدان أخرى في المنطقة إلى الابتعاد عن فكرة الإصلاح الديموقراطي. لا شك في أن الديموقراطية في تلك البلدان ستتقدّم أو تنحسر بفعل الظروف المحلّية. لكن إذا نجح الانتقال في مصر، واكتسبت البلاد شكلاً من الحكم قوامه الديموقراطية والمساءلة والفاعلية، فعلى الأرجح أنها ستتحوّل نموذجاً قوياً، وفي نهاية المطاف، قوّة استقرار في منطقة مضطربة.
كانت المظالم التي أدّت إلى ثورة 25 يناير سياسية في شكل خاص، لكن كان للمظالم الاقتصادية القديمة دورها أيضاً. فالانتخابات النيابية المزوّرة عام 2010 وإجراءات "الطوارئ" القمعية التي استمرّت عقوداً وغياب حرّية التعبير والتجمّع سرقت من المصريين إحساسهم بالكرامة. وفي الوقت نفسه، حمّل المصريون حكومتهم مسؤولية ارتفاع معدّلات الفقر، والبطالة لدى الشباب، والفساد، والأمّية، والفوارق الحادّة بين الأثرياء والفقراء.
سوف تواجه الحكومة المصرية التي ستتشكّل في أواخر 2011 أو مطلع 2012، بعد إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية، تحدّيات اقتصادية كبيرة. فإلى جانب السيطرة على الدين العام الكبير والمستمرّ في الارتفاع، يتعيّن على حكّام مصر الجدد أن يحرصوا على أن تكون الاستثمارات والنمو الاقتصادي واستحداث الوظائف مواكِبة للاتّجاهات الديموغرافية. ويقتضي ذلك استحداث 700 ألف وظيفة جديدة ومنتِجة ومستدامة سنوياً في القطاع الخاص من أجل استيعاب النمو في القوّة العاملة.
بما أن الثورة استُلهِمت أيضاً من الاستياء الشعبي من المحسوبيات والفساد في حكم مبارك، ينبغي على الحكومة الديموقراطية التي ستنبثق عن الانتخابات أن تنأى بنفسها عن مثل هذه الممارسات. ليست مصر فريدة في هذا السياق – فالفساد مستشرٍ في البلدان النامية وشائع في عدد كبير من البلدان المتقدِّمة. ويقتضي الحدّ منه تغييرات عميقة في الثقافة والمحفّزات الاقتصادية. لكن يمكن اتّخاذ بعض الإجراءات على الفور. بإمكان الحكومة المصرية الجديدة وضع آليات أفضل للرقابة والشفافية والمساءلة، كي لا تكون الفرصة الاقتصادية رهناً في شكل أساسي بالعلاقات السياسية.
حتى الآن، انطلقت السياسات الاقتصادية للحكومة الانتقالية من الاعتبارات الشعبوية. نتفهّم ذلك نظراً إلى أن الحكومة لا تملك تفويضاً انتخابياً، وتصطدم بانتظارات الناس الذين يتوقّعون أن تتغيّر الأمور سريعاً نحو الأفضل. لكن إذا استمرّت السياسات الراهنة بعد الانتخابات، فسوف يقود ذلك إلى كارثة اقتصادية. تتواصل الإعانات الضخمة على الرغم من أن هناك إدراكاً واسع النطاق في مصر بأنه يجب خفضها وجعلها أكثر استهدافاً. في الواقع ازداد الدعم للمواد الغذائية من أجل الحدّ من تداعيات الارتفاع في الأسعار العالمية. كما أن بيروقراطية الدولة المنتفخة أصلاً مع ستّة ملايين عامل توسّعت أكثر فأكثر بإضافة حوالى 450 ألف عامل موقّت إلى جدول الرواتب الدائم.
في الوقت نفسه، أطلق رد الفعل الشعبي العنيف ضد المحسوبيات والفساد في حقبة مبارك موجة من التحقيقات الجنائية في صفقات أعمال أُبرِمت في تلك المرحلة؛ فبحلول منتصف نيسان، كان قد بدأ التقصّي في 6000 قضية فساد، بحسب القيادة العسكرية المصرية. يبدو أن وتيرة التحقيقات في قضايا فساد جديدة تتباطأ، لكن لا يزال الخوف يتملّك مجتمع الأعمال من تعرّضه لحملة مضايقات ومطاردات. يؤدّي هذا الوضع إلى زعزعة الاستقرار إلى حد كبير. فهذه المحاكمات ذات الدوافع السياسية تزيد من خطر مصادرة الأراضي وتحبط عزيمة المستثمرين المحليين والأجانب على السواء. وكما هو الحال في كل الثورات، من غير المرجَّح أن تُلبّى تطلّعات الشعب إلى تغيير فوري.
ففي استطلاع أجراه المعهد الجمهوري الدولي في نيسان الماضي، توقّعت غالبية ساحقة من المصريين (80 في المئة) أن يتحسّن الوضع المادّي لأسرهم خلال السنة المقبلة، وقال 32 في المئة إنه سيكون "أفضل بكثير" مما هو عليه الآن. وكذلك أظهر الاستطلاع الذي أجراه معهد "غالوب" في مطلع نيسان الماضي زيادة مماثلة في التفاؤل بشأن مستقبل البلاد. إذا لم تلقَ هذه التوقّعات طريقها إلى التجسّد على أرض الواقع، فمن شأن الشعور بوجود أزمة اقتصادية أن يعزّز الدعم للشعبويين السلطويين أو للسياسيين الإسلاميين الراديكاليين، أو أن يحفّز العودة إلى الحكم العسكري.
    
■ ■ ■
 
يستطيع الاقتصاد المصري أن يستعيد نمواً سريعاً نسبياً، لكن كي يكون هذا النمو مستداماً، ثمة حاجة إلى إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق. وبعض هذه الإصلاحات لا يستطيع الانتظار ويجب ألا ينتظر. إذا شُرِحت هذه الإصلاحات ونُفِّذت كما يجب، يمكن أن تستقطب أيضاً دعماً شعبياً، بما في ذلك من الفقراء في مصر. في الواقع، حقّقت الإصلاحات التي طُبِّقت في الأعوام الأخيرة من حكم مبارك نتائج جيّدة. فقد أحرزت البلاد تقدّماً كبيراً في استقطاب الاستثمارات المحلية والخارجية، وتحسين بيئة الأعمال، وخفض الدين العام، وتوليد النمو. على الرغم من التقدّم الذي تحقّق، لا يزال القطاع العام غير فاعل إلى حد كبير وفاسداً وشديد الوطأة في تدخّلاته. نتيجةً لذلك، تدار نحو 82 في المئة من الأعمال الخاصة بطريقة غير نظامية، بحسب الخبير الاقتصادي المصري سيد معوض أحمد عطية، في حين كشف استطلاع أجرته هيئة سوق العمل أن 61 في المئة من القوة العاملة في مصر ليست موظّفة بطريقة نظامية.
يتعذّر في الوقت الراهن مواصلة بعض البرامج الإصلاحية التي طُبِّقت في حقبة مبارك، مثل خصخصة المصانع الحكومية وخفض عدد موظّفي القطاع العام، وذلك لأسباب سياسية نظراً إلى الطبيعة الموقّتة للحكومة وإلى ارتباط برنامج الخصخصة بالفساد في أذهان الناس. لكن يمكن البناء على الغضب الشعبي من المحسوبيات في حقبة مبارك من أجل تحفيز قطاع عام أكثر شفافية وخضوعاً للمساءلة. جزء كبير من الإصلاحات – مثل استخدام المناقصات المفتوحة في المشتريات العامة، أو نشر المعلومات والبيانات عن القطاع العام بصورة أفضل وأكثر ترابطاً – لا تترتّب عنه أي كلفة تقريباً ويسمح بتحقيق منافع كبيرة في فترة قصيرة.
فضلاً عن ذلك، إذا مُنِح المصريون الفقراء سندات ملكيّة قانونية وشُجِّعوا على الانضمام إلى الاقتصاد القانوني، فسوف يساهم ذلك في تمكينهم على وجه السرعة. عام 2004، خلصت دراسة أجراها الخبير الاقتصادي هرناندو دي سوتو من البيرو إلى أن 92 في المئة من المصريين لا يملكون سنداً رسمياً يُثبت ملكيّتهم العقارية، ولذلك لا يستطيعون أن يستخدموها كضمانة كما أنه لا يمكنهم الإفادة من قواعد العقود والإنفاذ المعيارية. علاوةً على ذلك، إذا خُفِّضَت التكاليف والتعقيدات التي تترتّب عن العمل ضمن القطاع النظامي، فسوف تزدهر أحوال هؤلاء الفقراء أكثر.
تحتاج مصر أيضاً إلى إصلاح قانون الإفلاس، وخفض المدّة والتكاليف التي يقتضيها تأسيس عمل تجاري وإغلاقه، وخفض تكاليف التوظيف والطرد من الوظيفة، وكذلك إلى إصلاحات لحماية استقلال التحقيقات القضائية في الفساد والابتزاز. صحيح أن بعض هذه الإصلاحات متطلّبة من الناحية التقنية، وقد تلقى مقاومة، لكنها ليست مكلفة جداً للأموال العامّة.
المسألة الإصلاحية الأخرى التي قرّر المصريون وضعها جانباً الآن هي المشاريع الاقتصادية الواسعة النطاق التي يتولاّها الجيش، وتشير التقديرات إلى أنها تشكّل ثلث الاقتصاد الإجمالي أو أكثر. ففي ضوء الدور الأساسي الذي أدّاه الجيش في إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك، وكذلك الخلافات السياسية الكثيرة الدائرة حالياً بين المتظاهرين والجيش، قرّرت القوى الاحتجاجية تجنّب تحدّي المصالح الاقتصادية للجيش أو اتّهام الضباط بالفساد باعتبارها مسألة متفجِّرة جداً في الوقت الراهن.
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,103,609

عدد الزوار: 6,752,890

المتواجدون الآن: 114