أميركا وأوروبا في السفينة الغارقة نفسها

تاريخ الإضافة الإثنين 11 تموز 2011 - 6:08 ص    عدد الزيارات 744    التعليقات 0

        

أميركا وأوروبا في السفينة الغارقة نفسها
بقلم جدعون راشمان

في واشنطن يتجادلون حول تحديد سقف للديون؛ وفي بروكسل يحدِّقون في هاوية الديون، لكن المشكلة الأساسية تبقى هي نفسها.

لدى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ماليّة عامّة خارجة عن السيطرة ومنظومات سياسية تعاني من خلل وظيفي كبير إلى درجة أنها عاجزة عن معالجة المشكلة. أميركا وأوروبا هما في السفينة الغارقة نفسها.
النقاشات عن الديون التي تشهدها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقوقعية ومنمَّقة جداً إلى درجة أن قلّة من الناس، وهذا مفاجئ، يقيمون رابطاً بينها. بيد أن الصلات التي تجعل منها أزمة معمَّمة على الغرب واضحة للعيان.
في جهتَي الأطلسي، بات واضحاً أن الجزء الأكبر من النمو الاقتصادي في سنوات ما قبل الأزمة حفّزته طفرة خطيرة وغير مستدامة في الائتمان. في الولايات المتحدة، مالكو المنازل هم من كانوا في قلب الأزمة؛ وفي أوروبا، استغلّت بلدان بكاملها مثل اليونان وإيطاليا أسعار الفوائد المنخفضة كي تقترض بطريقة غير مستدامة.
سدّد الانهيار المالي عام 2008 وتداعياته ضربة لماليات الدول، مع الارتفاع الشديد في الديون العامة. في أوروبا والولايات المتحدة، تزداد هذه الصدمة حدّة بفعل الضغوط الديموغرافية التي تزيد الضغوط على الموازنة فيما يبدأ المولودون خلال طفرة الولادات بالتقاعد.
أخيراً، في جهتَي الأطلسي، تُحدِث الأزمة الاقتصادية استقطاباً في السياسة، مما يزيد إلى حد كبير من صعوبة إيجاد حلول منطقية لمشكلة الديون. تنشط الحركات الشعبوية – سواء كان "حزب الشاي" في الولايات المتحدة أو "حزب الحرية" الهولندي أو "الفنلنديون الحقيقيون" في أوروبا.
لقد كان العالم بطيئاً في استيعاب فكرة أن أوروبا والولايات المتحدة تمثّلان وجهَين للأزمة نفسها، والسبب هو أن النخب في جهتَي الأطلسي شدّدت طوال سنوات على الاختلافات بين النموذجَين الأميركي والأوروبي. لقد حضرتُ عدداً لا يحصى من المؤتمرات في أوروبا حيث دار النقاش بين معسكرَين: معسكر يتطلّع إلى اعتماد "أسواق عمل مرنة" على الطريقة الأميركية، ومعسكر آخر يدافع بشغف عن نموذج اجتماعي أوروبي مناقض للنموذج الأميركي.
وكان النقاش السياسي في أوروبا مشابهاً. أرادت مجموعة أن ترى بروكسل تقتدي بواشنطن وتتحوّل عاصمة اتحاد فيديرالي بكل معنى الكلمة؛ فيما أصرّت مجموعة أخرى على أنه يستحيل إنشاء ولايات متّحدة أوروبية. والقاسم المشترك بين الطرفَين كان الاقتناع بأن الولايات المتحدة وأوروبا كوكبان مختلفان على الصعد الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية – "المريخ والزهرة" بحسب الأكاديمي الأميركي روبرت كايغان.
لا يزال النقاش السياسي الأميركي يستعمل اختلاف "أوروبا" نقطة مرجعيّة. يُستخدَم الزعم بأن باراك أوباما يستورد "الاشتراكية على الطريقة الأوروبية" لتصويره بأنه يسير عكس المبادئ الأميركية. ويعتبر البعض في اليسار أن أوروبا تتصرّف بطريقة مختلفة وأفضل في بعض المسائل.  بيد أن نقاط التشابه بين معضلات المنطقتَين هي الآن أكثر لفتاً للأنظار من الاختلافات – فهما تتقاسمان الارتفاع في الديون، والاقتصاد الضعيف، ودولة الرعاية التي تزداد كلفتها وتصبح أكثر فأكثر عصيّة على الإصلاح، والخوف على المستقبل، والمأزق السياسي.
سوف يبدو السعي الأميركي الحثيث للسيطرة على تكاليف الضمان الاجتماعي وبرنامج "مديكير" مألوفاً جداً للقادة الأوروبيين الذين يتخبّطون أيضاً لخفض الإنفاق على المعاشات التقاعدية والرعاية الصحّية. كان أوروبيون كثر يعتقدون أن السياسيين الأميركيين يتمتّعون بامتياز كبير لأنهم يعملون في نظام فيديرالي بكل معنى الكلمة.
ولا يزال البعض يعتبرون أن السبيل الوحيد لتثبيت الأورو في المدى الطويل هو الانتقال نحو "فيديرالية مالية" مستوحاة من النموذج الأميركي. لكن في اللحظة الراهنة، سياسات واشنطن أكثر اختلالاً من سياسات بروكسل. والاستحالة الواضحة لإجراء نقاش جدّي حول الديون والإنفاق (فما بالكم بتسوية المشكلة) تجعل المفهوم القائل بأن النظام السياسي الأميركي هو نموذج لأوروبا يبدو مثيراً للضحك.
بالتأكيد، لا تزال هناك اختلافات واضحة في النقاشات في جهتَي الأطلسي. للدولار تاريخ عريق من الصدقيّة. أما الأورو فلم يمضِ على وجوده سوى عقد أو أكثر بقليل. الانقسام السياسي الذي هو المسؤول الأوّل عن شلّ المنظومة الأوروبية هو انقسام بين الدول. إلا أنه لا يوجد أيّ نظير في النقاش الأميركي للانقسام الحاد بين اليونانيين والألمان. في أوروبا، هناك إجماع حول فكرة أن الزيادات الضريبية قد تشكّل جزءاً من الحل للديون المرتفعة. أما في أميركا، فالمعارضة الجمهورية لمفهوم الزيادات الضريبية في ذاته هي في صلب المحاججة السياسية.
الأميركيون والأوروبيون مسكونون بهاجس مشكلاتهم واختلافاتهم، ولذلك كانوا بطيئين في رؤية الروابط بين الأزمتَين التوأمين. بيد أن المحلّلين في باقي العالم أكثر قدرة بكثير على تحديد النزعة المشتركة. فقد بات أمراً مألوفاً أن نسمع القادة والمفكّرين الصينيين يردّدون أنه على الغربيين أن يتوقّفوا عن محاولة "تلقين الصين دروساً" – نظراً إلى عمق مشكلاتهم السياسية والاقتصادية.
يرى الصينيون الذين ينتقدون الغرب المعضلات الأوروبية والأميركية بالوضوح القاسي الذي يتيحه النظر عن بعد. لكن اعتزازهم وثقتهم بأنفسهم قد يمنعانهم من إدراك أن صعود الصين والهند وسواهما اعتمد إلى حد كبير على غرب مزدهر وواثق من نفسه. إذا اشتدّ المرض الغربي، فسوف يُدفَع الغرب نحو تجربة علاجات جديدة أكثر جذرية قد تشمل الاتّجاه نحو الحمائية وضبط الرساميل. وإذا تقهقرت العولمة، فسوف تكون للصين حصّتها من الأزمة الاقتصادية والسياسية.

ترجمة نسرين ناضر     
( "فايننشال تايمز".)      

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,023,765

عدد الزوار: 6,930,727

المتواجدون الآن: 77