خطةٌ نتيجتها التهشيم...

تاريخ الإضافة الأربعاء 12 شباط 2020 - 6:51 ص    عدد الزيارات 1424    التعليقات 0

        

خطةٌ نتيجتها التهشيم...

مركز كارنيغي....ناثان براون...

من مفاعيل خطة ترامب أن الفلسطينيين لن يُقدموا، عندما يعيدون إحياء حركتهم الوطنية، على فعل ذلك من خلال الهيكليات القديمة. قد تُفضي خطة إدارة ترامب بعنوان "رؤية لتحسين حياة الشعبَين الفلسطيني والإسرائيلي" إلى خطوات أحادية غير منسَّقة، لكنها لن تقود على الأرجح إلى "السلام" أو "الازدهار" بالمعنى الطاغي لهاتَين الكلمتين. بيد أن ذلك لايعني أنها ستندثر على غرار مبادرات أخرى وُلدت ميتة أو لم تعمّر طويلاً، مثل خطة روجرز للعام 1969. بل إن تأثيرها سيكون مهشِّماً في المديَين القصير إلى المتوسط. وليس "حل الدولتَين" الأمر الوحيد الذي هشّمته الخطة. فقد خلص معظم المراقبين، قبل وقت طويل، إلى أن هذا الحل فقدَ قابليته للحياة – وفي هذا الصدد، كتبتُ في العام 2007 أن "خطة السلام ظهرت على حقيقتها"، وتحدثتُ في العام التالي عن "زوال حل الدولتين"، ولم أكن أوّل مَن تحدّث عن ذلك. غير أن مافعلته إدارة ترامب هو أنها هشّمت عنصرَين آخرين قائمين منذ وقت طويل، وهما الدبلوماسية متعددة الأطراف وعملية بناء الدولة الفلسطينية، واختيار كلمة "هشّمت" متعمّد. القول بأن واقع تعدُّد الأطراف قد تهشّم لايعني أن الدبلوماسية قد دُمِّرت. بل يمكن أن تحدث جهود وردود فعل كثيرة على المستويَين الفردي والثنائي وحتى على المستوى الدبلوماسي الأوسع إلى حد ما، لكن المبادرة الأميركية قضت على أي مجهود من أجل التوصل إلى إجماع دولي واسع. لطالما كانت الدبلوماسية متعددة الأطراف متفاوتة، كما أن الولايات المتحدة تتعامل معها أحياناً وكأنها مصدر إزعاج ضروري يجب احتواؤه. ولكن على مر العقدَين المنصرمين، غالباً ماتبيّنَ انطلاقاً من مبادرات على غرار خريطة الطريق – التي حملت بها القوى الأوروبية، وعمّدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وحضنتها اللجنة الرباعية المؤلّفة من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا – ومبادرة السلام العربية، أن النقاشات الدولية المتشابهة في أسلوب التفكير، قادرة على وضع أفكار، حتى لو لم تكن تتطابق مع الوقائع على الأرض. لم تتحقق إنجازات دبلوماسية حقيقية، سواء كانت نتيجتها جيدة أم سيئة، إلا عندما شارك الفريقان فيها وأظهرا استعداداً للقيام بمبادرات مفاجئة. في هذه الحالة، تستطيع الدبلوماسية متعددة الأطراف أن تؤمّن الدعم والزخم. ولكن في المرحلة الراهنة، لم يعد ثمة إطار دولي للمفاوضات. فالعالم العربي الذي كان فلسطينيون كثر ينظرون إليه، في الأجيال السابقة، بأنه غير فاعل ولكنه داعِم لهم، يعاني من انقسامات شديدة ومنشغل بأمور شتّى. والخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا حول مسائل أساسية تتعلق بالنزاع أكبر مما كان عليه الخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. وحتى بعد انقشاع الغبار الحالي، من المستبعد أن يتشأ أساسٌ فعلي لانطلاق تحرّك دولي منسَّق على غرار التحرك الذي أفضى إلى وضع أطر عمل مثل الإعلان الثلاثي للعام 1950 أو حتى خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في العام 1947. وعلى مستوى أقل بروزاً، هشّمت خطة ترامب جهود بناء الدولة الفلسطينية. في الأعوام الأخيرة، اندرجت تلك الجهود في معظم الأحيان ضمن إطار حل الدولتَين، لكنها تعود إلى ماقبل ظهور هذه الفكرة، كما أنها تمكّنت من الصمود بعد سقوطها. وهنا أيضاً تُستخدَم كلمة "هشّمت" للإشارة إلى أن هذه الجهود لم تُدمَّر. والحال هو أن التأثيرات المؤسسية لهذه الجهود تتوغّل عميقاً في نسيج الترتيبات السائدة، لكنها فقدت تماسكها. علاوةً على ذلك، يمكن الآن معالجة انفصالها عن المجتمع الفلسطيني – الذي يتجلّى بوضوح شديد – من خلال الاكتفاء بإنعاش الحياة المدنية والسياسية الفلسطينية التي تسببت جهود دولية كثيرة بتقويضها على مر عقدَين من الزمن. تتألف عناصر بناء الدولة الفلسطينية من طبقات من المؤسسات التي تعود إلى عهد الانتداب البريطاني (وقلة منها يعود حتى إلى ماقبل الانتداب). وكان بعضها – نقابات عمّالية، واتحادات مهنية، ومنظمات غير حكومية، وما شابه – مرتكِزاً في المجتمع الفلسطيني للمساعدة على تنظيم الفلسطينيين في إطار حركة وطنية. وأُنشئت مؤسسات أخرى، مثل المدارس والمحاكم والبلديات، تحت إشراف جهات مختلفة، ولكنها انتقلت من يدٍ إلى أخرى – بين البريطانيين والأردنيين والإسرائيليين والفلسطينيين – بحسب الجهة التي تمكّنت من فرض سيطرتها عليها. وأنشئت بعض المؤسسات، مثل الفصائل الفلسطينية، والنقابات، وحتى منظمة التحرير الفلسطينة، في المنفى، أقلّه بصورة جزئية. وأبصر بعضها، مثل الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومعظم الوزارات، النور عندما تسلّمت السلطة الوطنية الفلسطينية مقاليد مشروع بناء الدولة في الضفة الغربية وغزة في منتصف التسعينيات. كل هذه الجهود كانت تعتريها شوائب، وقد اضمحلّ بعضها اضمحلالاً شديداً أو دُمِّر عن سابق تصوّر وتصميم. وغاب تنظيم الجهود لدى شرائح كبيرة من الشتات الفلسطيني طيلة جيلٍ كامل. وقد أغلقت إسرائيل عنوةً عدداً كبيراً من المؤسسات الفلسطينية في القدس وقطعت الصلات بين هذه المؤسسات والهيكليات الوطنية الفلسطينية. يحاول عدد كبير من الفلسطينيين داخل إسرائيل شقّ طريقه بالقوة لحجز مكانٍ له على الطاولة الإسرائيلية، حتى على وقع النمو التدريجي في رابط الهوية الوطنية المشتركة مع الفلسطينيين غير الإسرائيليين. ويُشار إلى أن الانقسام بين غزة والضفة الغربية تركَ وحدة السلطة الوطنية الفلسطينية في وضع متقلقل في أفضل الأحوال. ولكن على الرغم من كل هذه المشكلات، صمدت بعض العناصر وتضافرت للإبقاء على رابط ما بفكرة الدولة الفلسطينية. تمرّ كل تلك العناصر راهناً بأزمة تتوالى فصولاً. العنصر الأول، منظمة التحرير الفلسطينية، محتضِر ولكنه حيٌّ على الورق؛ والعنصر الثاني، "دولة فلسطين" التي أُعلِن عنها ثلاث مرات، ليس له سوى بعض التمثيل الدولي؛ والعنصر الثالث، منظمة التحرير الفلسطينية، لايُقدّم أي مسارٍ نحو الدولة، وقد خسر جزءاً كبيراً من صدقيته الوطنية. ومع أن لكل هذه العناصر قائداً واحداً، إلا أنها خسرت جزءاً كبيراً من ارتباطها مع المجتمع الفلسطيني على المستوى الشعبي في العقدَين المنصرمين. ولكنها تواظب على العمل في مجال الدبلوماسية الدولية، وتؤمّن بعض الإشراف على الحوكمة الداخلية. بيد أن معظم مكوّنات الجهود التي بُذِلت في السابق لبناء الدولة لاتزال حيّة إلى حد كبير، وهي متجذّرة بما يكفي لتستمر على الأرجح في العمل بطريقة من الطرق. سوف تتعرّض القوى الأمنية إلى ضغوط شديدة، لأنها عالقة في فخ مستحيل: فإسرائيل تشترط عليها أن تنسّق معها كي تسمح لها بأداء مهامها، ولكن شرعيتها في الداخل تستمدّها حصراً من كونها بقيادة فلسطينيين. وغالب الظن أن مؤسسات أخرى، على غرار المدارس، سوف تستمر في القيام بوظائفها، في حين أن الوزارات والأجهزة البيروقراطية ستواصل العمل، بطريقة غير فعالة في معظم الأحيان، إلا أنها ستستمر في تأمين الوظائف والإدارة العشوائية. ولكن هذه الهيكليات لم تعد تابعة لقيادة أو مشروع وطني فعلي يتولّى توجيهها. ومن النادر أن نقع على فلسطينيٍّ يعتبر أن هذه المؤسسات البالية قادرة على استيفاء تلك الغاية في وقتٍ قريب. فقد تعاملت إدارة ترامب بازدراء مع هذه المؤسسات وفكّكت التحالف الدولي الفضفاض الذي كان يحميها، فضمنت بذلك أن الفلسطينيين لن يُقدموا، عندما يتحركون في إطار وطني جامع، على فعل ذلك من خلال هيكليات بناء الدولة التي كانت معتمدة في السابق. لاتزال الهوية الوطنية الفلسطينية قويّة على الرغم من الاستياء من الهيكليات السياسية القائمة. ومهما كان الشكل الذي ستتخذه الحركة الوطنية بعد إعادة إحيائها، فغالب الظن أن ذلك لن يتم عن طريق بثّ الحياة في الهيكليات القديمة بل من خلال تجاوزها والخروج من إطارها. لطالما اتّصفت وحدة الحركة الوطنية وتوجّهها نحو بناء الدولة بالضعف، لكن من المؤكّد عملياً أن الخطوات الأميركية ستدفع بالفلسطينيين، أياً تكن الطريقة التي سيتعلّمون بها تنظيم أنفسهم على نحوٍ فعال – وهذا قد يستغرق وقتاً طويلاً – إلى تنظيم أنفسهم بأشكال لن تتمكّن الهيكليات السابقة من قيادتها أو احتوائها.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,158,971

عدد الزوار: 6,937,438

المتواجدون الآن: 104