العرب ينتفضون، طهران ترتعد

تاريخ الإضافة الأربعاء 16 آذار 2011 - 5:10 ص    عدد الزيارات 689    التعليقات 0

        


 

العرب ينتفضون، طهران ترتعد

يروي الكاتب الأميركي تيرينس أودونيل في مذكّراته الكلاسيكية عن حياته في مزرعة رمّان في إيران في الستينات بعنوان "حديقة الشجعان في الحرب" كيف كان الخادم الأمّي في منزله، مامدالي، يوقظه كل صباح بطَرْق قوي على بابه وسؤال بسيط "هل أنت عربي أم إيراني؟".
ويشرح أودونيل "إذا كنت عارياً، أجيب بأنني عربي فينتظر خارج الباب، أما إذا كنت مرتدياً ثيابي، فأجيب بأنني إيراني ويدخل حاملاً القهوة". يكتب أودونيل أن هذه الدعابة كانت تنطلق من شوفينية تعود إلى عصور خلت، وتصف جيران الفرس العرب بأنهم "شعب غير متمدِّن يخرج عارياً ويأكل العظاءات".
أراد المنتصرون الإسلاميون في الثورة الإيرانية عام 1979 تغيير الأمور، واستبدال قومية الشاه الفارسية المتعجرفة بأيديولوجيا إسلامية جامعة وصديقة للعرب. بيد أن رد فعل طهران الرسمي على الصحوة العربية عام 2011 يُظهر أنه في قلب الاستراتيجيا الشرق الأوسطية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هناك ازدراء مستتر للذكاء والاستقلال والازدهار العربية.
التحرّك الذي يرى فيه شبان إيرانيون كثر معركة مألوفة من أجل العدالة والكرامة الاقتصادية والتحرّر من الحكم الديكتاتوري، يدأب المسؤولون الإيرانيون على تصويره بأنه محاولة عربية متأخِّرة لمحاكاة الثورة الإسلامية والانضمام إلى طهران في معركتها ضد أميركا وإسرائيل.
تعود أوهام النظام الإيراني في جزء منها إلى هوّة الأجيال. فالنخبة الحاكمة في طهران لا تزال تتمسّك بالأيديولوجيا القديمة لآية الله روح الله الخميني الذي تكوّنت آراؤه وأفكاره انطلاقاً من عقود من التجاوزات الإمبريالية في إيران. بيد أن الطفرة الديموغرافية في الشرق الأوسط أدّت إلى ظهور موجة من الشبّان العرب والإيرانيين الذين يربطون الخضوغ والظلم لا بالقوى الاستعمارية أو الإمبريالية بل بحكوماتهم.
حتى الآن، أفادت المصالح الإيرانية من الاستاتيكو العربي: شعوب محبَطة تحكمها أنظمة عاجزة غير قادرة على كبح إسرائيل، وتدور بوضوح في الفلك الأميركي. من المفيد في هذا السياق التوقّف عند حديث تبادلته مع ديبلوماسي إيراني رفيع.
اشتكى، عن حق، من تركيز واشنطن المفرط على القوة العسكرية لحل مشكلات سياسية. فطرحت عيه فرضية بسيطة: ماذا لو أن إيران، وبدلاً من إنفاق مليارات الدولارات على تمويل "حزب الله" و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" خلال العقود الثلاثة الماضية، خصّصت تلك المبالغ لتعليم عشرات آلاف الفلسطينيين والشيعة اللبنانيين ليصبحوا أطبّاء وأساتذة ومحامين؟ أما كانت تلك المجتمعات لتكون بحال أفضل بكثير الآن وفي موقع أقوى بكثير لتأكيد حقوقها في وجه إسرائيل؟ فأجاب بصراحة "وأي فائدة كان ذلك ليحقّق لإيران؟" (الديبلوماسي نفسه حائز على دكتوراه من جامعة بريطانية)، مضيفاً "هل تعتقد أنه إذا أرسلناهم إلى الخارج للدراسة، سوف يعودون إلى جنوب لبنان وغزة لمحاربة إسرائيل؟ بالتأكيد لا؛ كانوا ليبقوا أطباء ومحامين وأساتذة".
تدرك إيران، في الجوهر، أنها تستطيع أن تلهم المضطهدين والمحرومين في المنطقة وتحمل لواء قضيّتهم، إنما ليس الفئات التي تتحرّك صعوداً. وتعتمد استراتيجيتها للسيطرة على الشرق الأوسط على ركيزتَي النفط وإثارة العداء أكثر منها على صنع الأسلحة النووية.
تُستعمَل البترودولارات الإيرانية لتمويل المتشدّدين – خالد مشعل في سوريا، وحسن نصرالله في لبنان، ومقتدى الصدر في العراق، وسواهم – الذين يستمدّون زخمهم من الإذلال الشعبي. اشتكى صديق شيعي عربي قائلاً "تريد إيران محاربة أميركا وإسرائيل حتى آخر فلسطيني ولبناني وعراقي".
للوهلة الأولى، قد يبدو سقوط الحكومات العربية الموجَّهة نحو الغرب وكأنه ضربة لواشنطن وهديّة لطهران. الإجماع الظاهري بين المحلّلين والمعلّقين الغربيين – بأن إيران ستملأ فراغ السلطة في الشرق الأوسط – قصير النظر.
صحيح أن العلاقة بين مصر وإيران – الدولتَين الأقدم واللتين تضمّان العدد الأكبر من السكان في المنطقة – سوف تتحسّن على الأرجح، إلا أن المنافسة بينهما ستشتدّ في الغالب.
فصعود طهران في العالم العربي خلال العقد المنصرم يعود في جزء منه إلى تراجع القاهرة. ومن شأن عودة مصر المحتملة كدولة أبيّة ومثبِتة لوجودها أن تقوِّض الطموحات التي تراود إيران الفارسية الشيعية بأن تكون في طليعة الشرق الأوسط العربي ذات الغالبية السنّية. بالفعل، إذا نجحت مصر في خلق نموذج ديموقراطي يجمع بين التسامح السياسي والازدهار الاقتصادي والديبلوماسية الكفيّة، لن تكون لنموذج اللاتسامح والضيق الاقتصادي والمواجهة الذي تُقدِّمه إيران جاذبية كبيرة في العالم العربي.
وقد يتبيّن أيضاً أن التأثير الإيراني المتجدّد في أماكن مثل البحرين واليمن محدود في ذاته. فكما رأينا في العراق، غالباً ما تولّد الألفة مع المسؤولين الرسميين الإيرانيين الازدراء. لقد أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية كبيرة من الشيعة العراقيين يستاؤون من تدخّل شيعة إيران في شؤونهم. قال ريان كروكر، السفير الأميركي السابق في العراق "كلما ضغطوا أكثر، واجهوا مقاومة أكبر".
في أماكن أخرى في العالم العربي، سيجد التابعون لإيران مثل "حزب الله" أنفسهم أكثر فأكثر في وضع حرج، فهذه المجموعات المقاومة التي يُفترَض أنها تحارب الظلم تتقاضى في الوقت نفسه أموالاً من سيّد يقمع العدل بهمجية في الداخل.
ولا شك في أن الانتفاضات العربية في عام 2011 سوف تؤثّر أيضاً على الداخل الإيراني. فلطالما وجد أنصار الديموقراطية في إيران تعزية في الاعتقاد بأنهم متقدِّمون على جيرانهم العرب معتبرين أنه لا بد لهؤلاء من أن يواجهوا يوماً ما أيضاً عدم التسامح والمعاناة التي يتسبّب بها الحكم الإسلامي. وجاءت الطبيعة العلمانية إلى حد كبير للانتفاضتَين المصرية والتونسية لتخدش الكبرياء الإيرانية: هل كانوا الوحيدين الذين بلغت بهم السذاجة إلى حد الاستسلام للوعد الأجوف بطوبى إسلامية؟
قيل عن الأنظمة السلطوية إنه خلال حكمها، يبدو انهيارها غير وارد، لكن بعد سقوطها، يظهر أن زوالها كان محتوماً. في المدى القصير، يبدو أن الوفرة النفطية والمزاعم الدينية تؤمّن للنظام في طهران دعماً شعبياً أعمق، إن لم يكن أوسع، من الدعم لعدد كبير من الأنظمة العربية.
بيد أن رد النظام الجائر إلى درجة الغرابة على الاحتجاجات المؤيِّدة للديموقراطية التي استردّت عافيتها – بما في ذلك اختفاء زعيمَي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي أخيراً – يفضح قلقه بشأن مدى قابلية دولة تمارس الفصل العنصري بين الرجال والنساء وتتخبّط اقتصادياً ويقودها "مرشد أعلى" يدّعي أنه ممثّل الامام المنتظر على الأرض، للاستمرارية في القرن الحادي والعشرين.
هلّلت طهران علناً لسقوط النظامَين المصري والتونسي تحت وطأة الفساد والركود الاقتصادي والقمع. ألا يعرف حكّامها أن إيران تحتل – وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية ومؤسسة "فريدوم هاوس" والبنك الدولي – مرتبة أسوأ من تونس ومصر في الفئات الثلاث؟
يُعبّر قول يُنسَب غالباً إلى لينين خير تعبير عن التحوّلات التكتونية التي يشهدها الشرق الأوسط اليوم: "أحياناً تنقضي عقود ولا يحدث شيء؛ وأحياناً تنقضي أسابيع فتحدث عقود".
قد لا تكون نهاية كل الانتفاضات سعيدة. فقد أظهر التاريخ مراراً وتكراراً – ولا سيما في إيران عام 1979 – أن الأقلّيات المنظَّمة والمستعدّة لاستخدام العنف يمكن أن تفرض حكماً إرهابياً على أكثريات غير منظَّمة أو لا مبالية. لكن بغض النظر عما سيحصل لاحقاً، ما كشفته الانتفاضات العربية هو أن الأيديولوجيا الثورية الإيرانية لم تفلس في الداخل وحسب بل خسرت أيضاً حرب الأفكار بين جيرانها.
"نيويورك تايمز"
ترجمة نسرين ناضر
 

كريم سادجادبور     

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,155,254

عدد الزوار: 6,757,637

المتواجدون الآن: 133