الأردن: إنهم لا يريدون لبنان آخر

تاريخ الإضافة السبت 26 شباط 2011 - 7:15 ص    عدد الزيارات 790    التعليقات 0

        

ليس على شفا الثورة إنما في أزمة
 

الأردن: إنهم لا يريدون لبنان آخر

- نايثان ج. براون

غالب الظن أن النظام السياسي الأردني سوف يتجاوز العاصفة الحالية، لكن بات واضحاً وأخيراً أن هناك عاصفة تهبّ داخل البلاد. وردّ فعل النظام حتى الآن ملتبس في أفضل الأحوال.
الهوّة السياسية العميقة بين الحكّام والمجتمعات التي يحكمونها، والتي نجدها في دول عربية عدّة، ظهرت بحدّة في الأردن. فالمظالم الاقتصادية - بأن الدولة لا تلبّي حاجات مواطنيها وبأن سياساتها تتجاوب مع مصالح الأشخاص النافذين أكثر منه مع المجتمع الذي يُفترَض بها خدمته - تمتزج بسهولة مع المظالم السياسية النابعة من غياب المساءلة وصمّ أصحاب السلطة آذانهم عن حاجات الشعب. ولم يعد للنظام في مواجهته لهذه الشكاوى (وهي ليست جديدة بالكامل) قاعدة شعبية واضحة: فأردنيو الضفة الشرقية الذين يستاؤون من الغالبية الفلسطينية، وزعماء القبائل الذين كانوا أكثر تبعية للنظام في السابق - والذين كانوا يشعرون بأن هناك رابطاً قوياً يجمعهم بالملَكية - يتذمّرون الآن بصوت عالٍ شأنهم في ذلك شأن المجموعات التي لطالما كانت أقل ولاء للنظام. (تسبّب القرار الذي اتّخذه أخيراً بعض زعماء القبائل بالتعبير عن مظالمهم لمراسل صحيفة "نيويورك تايمز" بانزعاج شديد لدى نظام ملكي اعتاد تغطية إيجابية من الصحافة الأجنبية).
يتركّز عدد كبير من الشكاوى على الفساد. يصعب في زيارة خاطفة إلى البلاد تقويم صحّة هذه المزاعم، لكن من الأصعب تجاهل تواترها وحجمها. لا شك في أن الكتابات لا تعكس دائماً عمق الاستياء بطريقة مباشرة. تتزيّن عمّان الآن بلافتات تُعلِن ولاء قبائل معيّنة للهاشميين، وتمتلئ الصحف بإعلانات تحمل رسالة مماثلة. لكن التجارة الرابحة لصناعة الصحف هي مؤشّر عن خبر سيّئ للملَكية. من الواضح أن الإعلانات واللافتات تبالغ كثيراً في تأكيد العكس. ففي أي حديث شخصي - حتى في مكان عام - الكلام عن الفساد والنفور أمر روتيني. والانتقاد شخصي بطريقة مفاجئة.
فالدائرة المحيطة بالملك والملك نفسه ليسا محصّنَين من الاستهجان؛ لا بل كثيراً ما يُقال عنهما إنهما يتغاضيان عن الفساد، وأكثر من ذلك إنهما متورّطان فيه إلى حد كبير. من الشائع سماع الأردنيين يقولون إنهم لا يرغبون في إلغاء الملكَية فيما يعجزون بوضوح (وصراحة في معظم الأحيان) عن التعبير عن المشاعر نفسها حيال شاغل العرش الحالي.
لكن إذا كانت هناك أجواء أزمة، فلا مؤشرات قوية عن ثورة تلوح في الأفق. يتمتّع النظام الأردني بثلاث مزايا إما لم يمتلكها النظام المصري قط أو بدّدها عندما كانت متوافرة له.
أولاً، لقد شُوِّهَت الهيكليات السياسية الأساسية للنظام، إنما ليس إلى درجة يتعذّر معها تصحيحها. في العقد الأول من القرن الحالي، أغلق النظام المصري أي فسحة تحرّرية في المنظومة السياسية، وكان وقحاً جداً في كتابته للقوانين وسرعة خرقه لها على السواء. قد يكون النظام الأردني قاسياً، لكنه لا يلجأ إلى البلطجة اليومية للنظام المصري السابق؛ لم تغذِّ المنظومة السياسية الأردنية قط التملّق الذليل والشديد الذي حوّل تدريجاً عدداً كبيراً من المصريين الموهوبين إنما الطموحين، مأجورين لا مبادئ لهم.
في الأردن، على من يخدمون النظام أن يحفظوا ألسنتهم ويلتزموا الصمت لكن لا يُطلَب منهم بيع أرواحهم. تخضع صحافة النظام للقيود وهي شديدة التحفّظ، لكنها ليست أورويلية. وقد جرى التلاعب بالانتخابات وتهميش البرلمان، إلا أن النظام الأردني عرف الحياء، أو أظهر على الأقل أنه يُدرك أن هناك حدوداً. وهكذا فإن مطالب المعارضة ليست إطاحة النظام وتغييره بل إنعاشه وإصلاحه. فعلى سبيل المثال، إصلاح القانون الانتخابي هو موضوع نقاش مستمر.
ثانياً، صحيح أن كبار الشخصيات في النظام منعزلة ومتحفّظة لكنها ليست منغلقة بقدر ما أظهرته القيادة المصرية في أيام مبارك الأخيرة. فالتعاطي مع التململ، وعلى الرغم من أنه لم يكن متماسكاً ولا فاعلاً، إلا أنه كان ذا معنى. في الأيام الأخيرة، أتاح العاهل الأردني تشكيل حكومة جديدة طرحت سياسات مختلفة مع العلم بأنها بالكاد تضمّ وجوهاً جديدة. فقد انقلبت بسرعة على بعض السياسات الاقتصادية النيوليبرالية للحكومة السابقة (مع أنه ليس واضحاً تماماً إذا كان من الأفضل لمستقبل الأردن الاقتصادي العودة إلى ماضٍ أكثر حمائية).
وقد اقترح رئيس الوزراء الجديد على الأقل بعض الإصلاحات السياسية المهمة، ولا سيما الوعد بتعديل قانون التجمّعات العامة، واللافت أيضاً هو أنه تعهّد السماح للمعلّمين بتشكيل نقابة. (بما أنه يُتوقَّع أن تكون نقابة المعلّمين أرضاً خصبة جداً لتجنيد المتشدّدين الإسلاميين، من المستبعد أن يتم الوفاء بهذا الوعد).
ثالثاً، على الرغم من أن الأردنيين ينفرون كثيراً من حكّامهم، إلا أنهم يخشون أيضاً بعضهم بعضاً بالدرجة نفسها. ففي مجتمع حيث لا يستطيع المواطنون أن يختاروا فريق كرة قدم لدعمه من دون أن يُعتبَر ذلك خيانة لأصولهم (أردنيو الضفة الشرقية في مقابل الفلسطينيين) وغالباً ما يقع بينهم عراك ومشادّات بسبب ذلك، يجري تقويم أي تغيير سياسي انطلاقاً من خطوط أردنية - فلسطينية.
من الصعب تطوير برنامج مشترك للإصلاح السياسي في مثل هذا السياق. ففيما صرخ المصريون "ارحل" بوجه رئيسهم، على الأرجح أن الأردنيين يخشون ما قد يحدث في حال خُلِع ملكهم عن العرش. قال لي محرِّض إسلامي صراحةً إنه يخفّف الآن من حدّة لهجته لأنه لا يريد لبنان آخر.
فعلى سبيل المثال، من شأن نظام انتخابي ديموقراطي بكل معنى الكلمة وحكومة تختارها الغالبية البرلمانية أن يضعا المملكة في أيدي الفلسطينيين. يدرك الأردنيون الذين يرغبون في السير في هذا الاتّجاه - وهم كثرٌ الآن - أن عليهم التقدّم بحذر وتروٍّ. وفي مثل هذا السياق، يسهل تفسير الإجماع الراسخ والواسع للحفاظ على الملكية، فهو لا يستند إلى ولاء الأردنيين للهاشميين بقدر ما يستند إلى شكوكهم حيال بعضم البعض.
 

ترجمة نسرين ناضر     
(أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن.  وقد عاد للتو من زيارة إلى الأردن وفلسطين.)      

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,068,486

عدد الزوار: 6,751,188

المتواجدون الآن: 89