الإنجازات السياسية لإسرائيل مقابل الولايات المتحدة خلال السنتين الأخيرتين

تاريخ الإضافة الأربعاء 12 كانون الثاني 2011 - 7:48 ص    عدد الزيارات 736    التعليقات 0

        

الإنجازات السياسية لإسرائيل مقابل الولايات المتحدة خلال السنتين الأخيرتين


 

زكي شالوم

تُسمع في الآونة الأخيرة أصوات عديدة تشير إلى "الوضع السياسي الكئيب" لدولة إسرائيل. في قسم هام من التصريحات توصف السياسة الخارجية لدولة إسرائيل على الأقل في السنتين الأخيرتين كسلسلة متواصلة من الإخفاقات والتراجعات. فإعلان عدد من دول أميركا الجنوبية اعترافها بدولة فلسطينية في حدود 67 يمثل أرضاً خصبة لـ"إثبات" صحة صورة الوضع هذه.
بالفعل، تقف أمام دولة إسرائيل تحديات سياسية خطيرة تنبع أساساً من شبكة العلاقات المركبة مع الإدارة الأميركية. هذه التحديات وإلى جانبها إخفاقات ظهرت في السنتين الأخيرتين لا ينبغي أن تغطي على الإنجازات المهمة التي كانت لإسرائيل في هذه الفترة مقابل إدارة الرئيس أوباما. لهذا سأركز على الإنجازات السياسية لإسرائيل مقابل الولايات المتحدة خلال السنتين الأخيرتين.
بالنسبة إلى حكومة نتنياهو، كانت "نقطة البداية" في منظومة علاقاتها مع إدارة الرئيس أوباما، منخفضة جداً. اللقاء الأول لنتنياهو مع الرئيس أوباما (أيار 2009) وخطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة (حزيران 2009) بديا كخطوتين من شأنهما أن تؤديا بمنظومة العلاقات بين الدولتين إلى حضيض خطير من النواحي الأساسية التالية:
أ- بدا أن الإدارة تسعى إلى تجاهل التفاهمات التي تحققت بين حكومتي شارون وأولمرت وبين إدارة الرئيس بوش في مسألة المستوطنات.
ب- الإدارة وضعت هدفاً غير قابل للتحقق تقريباً: الوقف التام للبناء في المستوطنات.
ج. هذا الهدف أخذ صورة إملاء أحادي الجانب من جانب الولايات المتحدة، وليس طريق عمل تحقق من خلال الحوار، كما تفترض منظومة العلاقات التي نسجت بين إسرائيل والولايات المتحدة على مدى السنين.
د- المطالبة بالوقف التام للبناء في المستوطنات عبرت عن هدف يتناقض كلياً مع الأساس الايديولوجي لحزب رئيس الحكومة وللبرنامج الذي بموجبه انتخب لقيادة الدولة.
هـ- وضع الرئيس بشكل صريح مؤسسة الرئاسة ومكانته الشخصية حول مسار عمل أعلن عنه على الملأ.
خطاب أوباما ومطالبه الحازمة من إسرائيل وضعت حكومة نتنياهو في مسار لا يوجد فيه ظاهراً سوى إمكانيتين خطيرتين:
أ- السير في مسار الصدام مع إدارة الرئيس أوباما بينما هو في أوج قوته وذروة شعبيته، مع كل المخاطر الجسيمة التي ينطوي عليها ذلك.
ب- قبول مطلب الرئيس والمخاطرة المعقولة بانهيار الائتلاف القائم، سقوط الحكومة، وربما انتخابات جديدة، من الصعب طبعاً تقدير نتائجها.
على الرغم من شروط البدء الصعبة هذه، نجحت حكومة نتنياهو أخيراً في التملص "بصعوبة" من هذين الخيارين الخطيرين. فقد نجحت في جر مطالب الرئيس نحو حوار متواصل مع مبعوثه إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل. وفي نهاية هذا الحوار ثبتت قواعد لعب، مريحة جداً لدولة إسرائيل، تختلف بقدر كبير عن تلك التي سعت إدارة أوباما إلى تثبيتها:
أ- الإدارة اعترفت، وإن كان بطريقة غير مباشرة، بوجود تفاهمات سابقة بين إسرائيل والولايات المتحدة في مسألة المستوطنات، حتى وإن كانت جعلتها عملياً غير ذات صلة في الواقع الناشئ.
ب- في الواقع، أخذت الإدارة بموقف إسرائيل الذي يفيد أن تقدم عملية السلام يجب أن يتم في إطار المفاوضات بين الطرفين وليس كإملاء بجهاز التحكم عن بعد.
ج- قبلت الإدارة عملياً موقف إسرائيل في أنه يجب طرح أهداف واقعية قابلة للتحقق في مسألة المستوطنات. منظومة التفاهمات وقواعد اللعب هذه عبّرت عن إنجازات لا بأس بها لإسرائيل في علاقاتها مع الإدارة الأميركية.
حاولت إدارة أوباما لاحقاً تطبيق تكتيك مشابه لذاك الذي وجد تعبيره في خطاب القاهرة هذه المرة في سياق تجميد البناء في شرقي القدس. وذلك في أعقاب الأزمة الخطيرة التي نشبت حول تراخيص البناء في القدس أثناء زيارة نائب الرئيس بايدن إلى البلاد. في هذه الحالة أيضاً نجحت حكومة نتنياهو في جر المطالب القاطعة من جانب الإدارة، والتي وجدت تعبيرها في طريقة عرض أسئلة توجب تقديم أجوبة واضحة، نحو حوار بين الدولتين. في ختام مباحثات طويلة وملتوية مليئة بالمناكفات ولي الأذرع، تم الإيضاح للإدارة بأن القدس هي خط أحمر من ناحية دولة إسرائيل وأنه على مستوى التصريحات، خلافاً للمستوى العملي، لا يمكن لإسرائيل أن تقبل مطلب تجميد البناء في عاصمتها. انعدام رد مضاد حازم من جانب الإدارة على هذه الايضاحات من إسرائيل أوجد بحكم الأمر الواقع تفاهماً ذا أهمية سياسية كبيرة، ومريحة لإسرائيل، في مسألة مكانة القدس وحق إسرائيل في البناء فيها.
"المعركة" الأخيرة في الحوار بين الدولتين تركزت في بدايتها حول طلب/ مطالبة من الإدارة لتجميد البناء في المستوطنات لمدة محدودة من ثلاثة أشهر. في إطار المداولات حول هذا الطلب تبلور مبدأ هام آخر في قواعد اللعب بين إسرائيل والولايات المتحدة، هو أيضاً، مريح جداً لإسرائيل؛ أي، الإدراك أن طلب الإدارة لمواصلة التجميد مشروط بتقديم مقابل مناسب لإسرائيل على موافقتها. وهكذا، تحطم بقدر كبير المبدأ الذي بموجبه عملت الإدارة من قبل، والذي يفيد أنه على إسرائيل أن تقبل مطالب الإدارة بشكل احادي الجانب ومن دون مقابل. في أثناء المباحثات حول طلب الإدارة بالتجميد طالبت إسرائيل بمقابل لقاء موافقتها. وعندما تبين بأن الإدارة غير جاهزة لإعطاء المقابل شُطبت مسألة التجميد من جدول الأعمال.
بالمناسبة، من دون أن ينتبه أحد تقريباً، تقرر خلال السنتين الأخيرتين تفاهم إضافي، هام جداً في منظومة العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة: الاعتراف بأنه يجب إيجاد فارق واضح بين مستوى منظومة العلاقات الاستراتيجية وبين الدولتين ومواقف الولايات المتحدة في المنظمات الدولية والعملية السياسية تمهيداً لتسوية مع الفلسطينيين. هذا التفاهم وجد تعبيراً له في أنه على الرغم من الخلافات الصعبة بين الدولتين في سياق عملية السلام، والمناكفات العلنية، تم الحفاظ، لا بل تعززت العلاقة بين الدولتين على المستوى الاستراتيجي. علاوة على ذلك حرصت الولايات المتحدة خلال السنتين الأخيرتين على إظهار دعم مثير للانطباع لإسرائيل مقابل هجمات قاسية ضدها في الساحة الدولية. هذه صورة وضع لم تكن دوماً سائدة في الماضي، ولا شك أنها تُعبر عن إنجاز سياسي هام لإسرائيل، في الوقت الراهن على الأقل.
وأخيراً، في خطابها الأخير أمام منتدى سابان، عبّرت وزيرة الخارجية الأميركية تلميحاً وصراحة عن استعداد الإدارة للاقتراب من إسرائيل في جزء من المطالب التي تعرضها في مجال عملية السلام. في هذا الإطار أوضحت الولايات المتحدة بشكل واضح جداً أن تسوية إسرائيلية فلسطينية يجب أن تفضي إلى انتهاء النزاع بين الطرفين بشكل كلي. مغزى الأمر هو أن الإدارة قبلت، وإن كان بشكل خافت، مطلب رئيس الحكومة أنه بعد تحقيق التسوية لن يكون مكان لمزيد من المطالب من جانب الطرف الفلسطيني من دولة إسرائيل. كما أوضحت كلينتون بأن الإدارة تقبل موقف إسرائيل في أن دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي وأنه ثمة صلة تاريخية دينية واضحة بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل. وفي الختام، عبّرت وزيرة الخارجية عن الحاجة لإسناد التسوية الإسرائيلية الفلسطينية بتسوية إسرائيلية عربية ذات طابع اقليمي شامل، يتضمن أيضاً التطبيع كما تطالب إسرائيل منذ سنين.
بالإجمال، فإن صورة الوضع المعروضة أعلاه تشير إلى أنه في هذه المرحلة على الأقل نجحت دولة إسرائيل في أن تناور جيداً داخل واقع معقد مليء بالألغام القابلة للانفجار، والامتناع عن تحطيم الأواني. إلى جانب ذلك، من المناسب الايضاح بأنه بقيت هناك خلافات سياسية شديدة وفوراق كبيرة في علاقات الدولتين.
إن إنجازات حكومة إسرائيل لم تُثبّت حتى الآن بشكل متين غير قابل للاهتزاز. وهي بصراحة ليست حتمية. صورة الوضع هذه يمكن أن تتغير دفعة واحدة إذا ما قرر الرئيس أوباما تولي مسؤولية الاهتمام بتحقيق التسوية والطلب من إسرائيل أن تودع في يده "وديعة" تتضمن ايضاحات صريحة ومفصلة لمواقفها من قضايا اللباب، ولا سيما حدود الدولة، مسألة اللاجئين ومكانة القدس. هذه الإمكانية معقولة بالطبع، وحسناً تفعل حكومة إسرائيل إذا ما استعدت لها في أقرب وقت ممكن.

"مباط عال" ( نشرة تصدر عن مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، العدد 236، 63/1/2011)
ترجمة: عباس إسماعيل

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,042,326

عدد الزوار: 6,749,076

المتواجدون الآن: 81