المسألة الأهم بقاء باكستان لا أفغانستان

تاريخ الإضافة الثلاثاء 4 كانون الثاني 2011 - 5:06 ص    عدد الزيارات 748    التعليقات 0

        


 

المسألة الأهم بقاء باكستان لا أفغانستان
بقلم أناتول لييفن

تقريباً كل النتائج المحتملة للاستراتيجيا الأميركية في أفغانستان سيّئة. وتراوح من عدم إنهاء الحرب الأهلية، فبالكاد تتمكّن القوى الحكومية من الصمود في وجه "طالبان"، وصولاً إلى تقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع.
 ثمة احتمال بأن تقبل حركة "طالبان" تسوية تتضمّن جدولاً زمنياً للانسحاب الكامل للقوات الأميركية وحكومة مركزية محايدة تتألف من شخصيات مسلمة محترمة، إلى جانب سيطرة "طالبان" بحكم الأمر الواقع على المعقل الباشتوني في الجنوب والمساعدات الاقتصادية الغربية. وفي المقابل، على الحركة أن تعد بإبعاد تنظيم "القاعدة" واتخاذ إجراءات واسعة النطاق للقضاء على زراعة الأفيون في مناطقها (كما فعلت عام 2000).
نظراً إلى أن المقاتلين العاديين في "طالبان" يريدون خروج القوات الغربية وحكومة مسلمة (إنما ليس بالضرورة حكومة تؤلّفها حركة "طالبان")، كما ورد في استطلاع نظّمه غرايم سميث من "تورونتو غلوب أند ميل"، فمن شأن رفض القيادة هذه الشروط أن يقوِّض الدعم لها على الأرض. بيد أن هذا الحل يتوقّف إلى حد كبير على الدعم من باكستان في دور الوسيط وبصفتها إحدى الدول الضامنة للتسوية اللاحقة في المنطقة.
تتمركز القيادة العليا لحركة "طالبان" الأفغانية في إقليم بالوشستان الباكستاني تحت حماية الاستخبارات العسكرية الباكستانية، وقد منعت باكستان الولايات المتحدة من شن هجمات عليها بالطائرات غير المأهولة (على النقيض من الحملة المكثَّفة ضد أهداف في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في الشمال). تستخدم قوات "طالبان" الأراضي الباكستانية للاستراحة والتقاط الأنفاس، بدعم من قبائل الباشتون المحلية. وتقيم باكستان أيضاً روابط وثيقة مع القوتين الإسلاميتين الباشتونيتين الأفغانيتين المتحالفتين مع "طالبان"، "الحزب الإسلامي" بقيادة قلب الدين حكمتيار، وشبكة "حقاني" في ولاية باكتيكا الكبرى في أفغانستان. يمنح هذا كله باكستان تأثيراً كبيراً على حركة "طالبان" الأفغانية – مع العلم بأنه يجب التشديد على أن هذا التأثير محدود أيضاً. فأي تسوية تتم بوساطة باكستانية يجب أن تحمل في طياتها إمكان قبولها من حركة "طالبان" من دون أي شعور بالإذلال.
لكن إذا كانت باكستان حيوية للتسوية، فهي حيوية أيضاً في حد ذاتها. فمما لا شك فيه أن بقاء باكستان، لا أفغانستان، هو المسألة الأهم للأمن الغربي والعالمي في تلك المنطقة. فمن شأن باكستان التي يبلغ عدد سكّانها ستة أضعاف عدد السكان في أفغانستان، وتمتلك أسلحة نووية وجيشاً عالي التدريب من 500 الف عنصر وجالية كبيرة جداً في الاغتراب (ولا سيما في بريطانيا) أن تُفاقم التهديد الإرهابي الدولي أضعافاً مضاعفة إذا انهارت. ثمة نظرة منتشرة على نطاق واسع (ولو كان مبالغاً فيها) في الغرب بأن ضعف الدولة الباكستانية وقوة الدعم للإسلاميين يجعلان انهيار البلاد احتمالاً قائماً بالفعل. إذا تركنا جانباً خطر وصول المواد والمهارات النووية إلى أيدي مجموعات إرهابية (بحسب ما كشفه موقع ويكيليكس)، فمن شأن تفكّك الجيش الباكستاني، مع مهندسيه المدرَّبين جيداً وقواته المضادة للطائرات، أن يفاقم إلى حد كبير جداً التهديد الإرهابي "التقليدي" للهند والغرب.
وهكذا أصبت بالهول عندما سمعت أخيراً أن تراجع التهديد من تنظيم "القاعدة" دفع بعض القادة الأمنيين الغربيين إلى الاقتراح بأنه بإمكان الغرب ممارسة ثقل أكبر بكثير على إسلام أباد لمهاجمة معاقل "طالبان" في المنطقة الحدودية الباكستانية، على الرغم من أن ذلك قد يؤدّي إلى زعزعة أكبر للاستقرار داخل باكستان. إنه تحليل جنوني. يجب أن يكون تراجع قوة "القاعدة" سبباً كي تبحث الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) عن أساليب للانسحاب من أفغانستان، وليس لرفع حدّة القتال ضد "طالبان" – لأن السبب الأول لدخولنا ذلك البلد هو محاربة "القاعدة". أما في ما يتعلق بالتهديد الإرهابي للغرب، فهو لم يصدر قط عن حركة "طالبان" الأفغانية – بل ينبثق أكثر فأكثر عن حركة "طالبان" الباكستانية وحلفائها، وخير دليل على ذلك محاولة تفجير ساحة تايمز سكوير التي قام بها فيصل شاه زاد.
لسوء الحظ، تسير الاستراتيجيا الأميركية الحالية في الاتجاه المعاكس، فتنزع نحو القتال المكثَّف ضد "طالبان" والضغوط الشديدة على باكستان بدلاً من استخدام الأخيرة للتوسّط من أجل التوصل إلى تسوية. وأسوأ من ذلك، بالكاد هناك تباشير "خطة باء" في حال فشل تلك الاستراتيجيا. إذا تبيّن أنه من المستحيل تعزيز الجيش الوطني الأفغاني في غضون السنتين المقبلتين، فسوف تكون الخيارات صعبة جداً: فإما ستُضطر القوات الأميركية إلى القتال في أفغانستان إلى ما لا نهاية أو سيكون عليها قبول الخسارة المحتملة لجنوب البلاد وشرقها، وإما تندلع حرب أهلية لا تنتهي فصولاً أو يحصل تقسيم يفرضه الأمر الواقع من خلال حرب دموية بدلاً من اتفاق من طريق التفاوض. سوف تكون كل هذه الخيارات، من جملة أمور أخرى، سيئة لباكستان، ولا سيما إذا اندفعت الهند نحو تقديم دعم أكبر بكثير للقوى المناوئة لحركة "طالبان" في أفغانستان. من شأن ذلك أن يقود في الواقع إلى حرب هندية-باكستانية بالوكالة في أفغانستان.
من المهم التوقّف عند الاستراتيجيا السوفياتية في أفغانستان، فالمقاربة الأميركية الحالية هي إحدى متغيّرات تلك السياسة، ولو مع اختلافات جدّية – وعلى الأرجح كارثية. الهدف من الاستراتيجيا هو بناء الجيش الأفغاني بحيث يصبح قادراً على الحفاظ على الأمن في وجه المتمرّدين في المراكز السكنية الأساسية، حتى فيما تحاول الولايات المتحدة والناتو حمل أكبر عدد ممكن من أولئك المتمردين على الانشقاق عن التمرد من خلال مزيج من الرشوة وممارسة الضغوط العسكرية.
ليست مقاربة خاطئة في ذاتها. ففي مختلف الأحوال، تكللت الاستراتيجيا السوفياتية بالنجاح. لقد ألحق الجيش الأفغاني الذي خلّفه السوفيات وراءهم، بدعم من القوة الجوية السوفياتية، هزيمة نكراء بالمجاهدين في جلال أباد في ربيع 1989 (كنت موجوداً مع المجاهدين في تلك الفترة إذ كنت صحافياً شاباً أراسل صحيفة "تايمز" اللندنية). ولدى رحيل السوفيات، تضاءل العنصر القومي في العداء لنظام كابول، مع بدء الأفغان من المثقّفين وأبناء المدن بالتركيز على ما يمكن أن يترتّب عليهم جرّاء انتصار ميليشيات ريفية متعصّبة وتلقى معاملة همجية.
في الواقع، صمد النظام الشيوعي الأفغاني بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولم يتداعَ إلا مع توقّف الإعانات السوفياتية. إذا افترضنا أن الولايات المتحدة لن تحذو حذو الاتحاد السوفياتي بعد انسحابها من أفغانستان، ولن تتخلّى عن دورها العالمي وتتبنّى الشيوعية وتتفكّك كدولة، إنه لأمر منطقي تماماً أن نتخيّل أن الجيش الأفغاني سيتمكّن، بدعم من الأسلحة والأموال والقوة الجوية الأميركية وفي مواجهة معارضة منقسمة، من التصدّي لحركة "طالبان" بعد انسحاب القوات البرّية الأميركية.
لكن هذه المقاربة وتفاصيل تطبيقها من جانب القوات الأميركية تنطوي على مشكلات جمّة، أخلاقية وعملية على السواء. وبالأهمية نفسها، وإلى جانب عدم امتلاك الولايات المتحدة "خطة باء"، فإن الجزء الأكبر مما يفعله الجيش الأميركي سيجعل من الصعب جداً وضع "خطة باء" قابلة للحياة.
المشكلة الأخلاقية هي أن حرب الميليشيات في أفغانستان ستستمر، بموجب هذه الاستراتيجيا، إلى ما لا نهاية، ولو بوتيرة عنف من المحتمل – وهذا مجرّد احتمال – أن تنحسر تدريجاً.
لن تكون هناك محفّزات لقيادة "طالبان" أو أنصارها المتشدّدين كي يتوصّلوا إلى تسوية؛ ومن المستبعد جداً أن يسعى نظام في كابول من المتوقّع أن يسيطر عليه الجيش أكثر فأكثر، إلى مثل هذه التسوية. فضلاً عن ذلك، وما دامت مكافحة التمرد مستمرة، سوف تكون لدى "طالبان" كل الحوافز الممكنة لمواصلة العمل مع تنظيم "القاعدة" والمجموعات الإرهابية في باكستان التي يمكن أن تزوّدها خبرة محدودة إنما مفيدة في كل شيء من صنع العبوات الناسفة إلى الخدمات الطبية.
وبالأهمية نفسها، تعاني الدولة والجيش حالياً في أفغانستان من نقاط ضعف كبيرة جداً بالمقارنة مع ما كان عليه النظام المدعوم من السوفيات. ببسيط العبارة، ورث السوفيات جوهر الدولة والجيش الملكيين الأفغانيين القديمين كما وُجِدا منذ ثمانينات القرن التاسع عشر، إلى جانب تقليد الدفاع عن المدن والمراكز الحكومية في وجه مجموعة متنوّعة من الثوّار القبليين والدينيين. علاوة على ذلك، كان الجيش القديم يتألف في شكل خاص من الباشتون، والرجل الذي اختاره السوفيات لتولّي دفة القيادة في الدولة التي تركوها وراءهم، نجيب الله خان، كان شديد الانتماء إلى الباشتون ويتمتّع ببعض الهيبة لدى قبائلهم.
عام 2001، سحقت الولايات المتحدة شبه الدولة التي كانت تحكمها "طالبان"، وتركت أفغانستان من دون دولة، ومن دون قوات مسلحة ما عدا ميليشيات التحالف الشمالي التي ينتمي عناصرها بغالبيتهم الساحقة إلى غير الباشتون. على الرغم من أن الجهود الهادفة إلى تطوير الجيش وضم مزيد من الباشتون إليه تكلّلت بالنجاح إلى حد ما، إلا أن نسبة ضئيلة جداً من الجنود هي من المناطق الجنوبية التي تشكّل معاقل "طالبان". ولذلك هناك علامة استفهام كبيرة حول قدرة الجيش الأفغاني على الحفاظ على أمن البلدات في هذه المناطق بعد رحيل الولايات المتحدة.
أخيراً، تتعارض الاستراتيجيا الأميركية في جانب أساسي مع الاستراتيجيا السوفياتية، وكذلك مع التقليد الأفغاني. ويتمثّل ذلك في إصرار واشنطن على أن "المصالحة" تقتضي أن يعلن قادة "طالبان" على الملأ انفصالهم عن الحركة، ويخضعوا لنظام حميد كرزاي و"الدستور الأفغاني"، ويتخلّوا عن العنف ويسلّموا أسلحتهم. في غالبية الحالات، لن يحصل هذا بكل بساطة. فهو مذلّ جداً، وفي حال انتصرت "طالبان"، فسوف يكون بمثابة حكم إعدام تلقائي. في هذه الأثناء – وكما ورد مراراً وتكراراً على لسان مسؤولين كبار في حكومة كرزاي – تسفر الهجمات الجوية الأميركية وعمليات الاغتيال التي تنفّذها القوات الخاصة عن مقتل بعض قادة "طالبان" الذي كان يمكن إقناعهم بالتخلّي عن المعركة، حتى ولو كانوا لن يستسلموا أبداً بصورة رسمية.
اتّبع السوفيات، على غرار البريطانيين قبلهم، مقاربة مختلفة جداً وأكثر أفغانية بكثير في طابعها: فبدلاً من أن يدفعوا المال لقادة المجاهدين كي يُبدّلوا ولاءاتهم علناً، دفعوا لهم كي يتظاهروا بأنهم يقاتلون، أو ليقاتلوا إلى درجة محدودة في بعض الأماكن مع إبقاء طرقات الاتصالات الأساسية مفتوحة. طبّق نظام كابول هذه الاستراتيجيا قبل الانسحاب السوفياتي وبعده، عبر استعمال مال سوفياتي. كانت هذه الصفقات سراً مكشوفاً عندما كنت أتنقّل في أفغانستان مع المجاهدين، وفي مرحلة أو أخرى كان يعقدها عدد كبير من قادة المجاهدين الكبار. على النقيض تماماً، وكما يورد خبيران شابان بارزان في شؤون حركة "طالبان"، ألكس ستريك فان لينشوتن وفليكس كويهن (في كتاب سيصدر قريباً بعنوان The Enemy We Created: The Myth of a Taliban/Al Qaeda Merger in Afghanistan, 1970-2010 "العدو الذي صنعناه: أسطورة اندماج طالبان والقاعدة في أفغانستان، 1970-2010")، تمهّد الاستراتيجيا الحالية القائمة على قتل قادة "طالبان" المتوسّطي الرتبة الطريق لحلول شخصيات أصغر سناً وأكثر راديكالية مكانهم.
إذا واصلت الولايات المتحدة تطبيق هذه الاستراتيجيا إلى أجل غير مسمّى، يمكن أن تترتّب عنها عواقب وخيمة على باكستان. لقد قيل (على لسان قائد الجيش البريطاني، الجنرال السير ديفيد ريتشاردز، مثلاً في مجلة "بروسبكت") إنه من الضروري هزم حركة "طالبان" الأفغانية من أجل حماية باكستان من التطرّف الإسلامي. الحقيقة هي العكس تقريباً. فحملتنا في أفغانستان هي التي دفعت الباكستانيين نحو التشدّد أكثر من أي عامل آخر، وجعلت عدداً كبيراً منهم ينقلب ليس على الغرب وحسب إنما ضد حكومته ونظامه الحاكم. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تؤدّي الأفعال الغربية إلى تدمير باكستان كدولة والتسبّب بكارثة من شأنها أن تجعل المشكلات في أفغانستان غير مهمة بالمقارنة.
تعتبر الغالبية الساحقة من الباكستانيين الذين تحدّثت معهم في الأعوام الثلاثة الماضية أن القوات العسكرية الغربية تمارس احتلالاً غير مشروع. ويُنظَر إلى تعاون الحكومة الباكستانية مع الولايات المتحدة بأنه إذلال وطني كبير وخيانة للإخوة المسلمين. لا أويّد هذه الآراء، لكن من المهم أن ندرك مدى عمقها وانتشارها، وأن هناك تناظراً مصيرياً: ففي حين يتذمّر المسؤولون والصحافيون الغربيون باستمرار من أن الجيش الباكستاني لا يبذل جهوداً كافية لمساعدة الولايات المتحدة في أفغانستان، يعتبر الشعب الباكستاني أن الجيش يقوم بأكثر من اللازم.
بصريح العبارة، يعتبر معظم الباكستانيين أن وجودنا في أفغانستان يشبه كثيراً وجود السوفيات من 1979 إلى 1989، وأن المقاومة لهذا الوجود شبيهة إلى حد كبير بالمقاومة التي كانت سائدة في تلك الأيام، ومشروعة بالدرجة نفسها. وليس الإسلاميون الوحيدين الذين تساورهم هذه المشاعر، بل يتقاسمها معهم أيضاً الباكستانيون – الغالبية العظمى من السكان – الذين لا يرغبون في رؤية بلادهم تخضع لنظام مماثل لنظام "طالبان"؛ تماماً كما أن الباكستانيين الذين تعاطفوا مع المجاهدين الأفغان في الثمانينات لم يكونوا يرغبون في رؤية قوى مماثلة تحكم باكستان. بعبارة أخرى، لا يساوي التعاطف مع حركة "طالبان" الأفغانية على الإطلاق التعاطف مع "طالبان" الباكستانية. لقد لمستُ التعاطف الأوّل لدى المثقّفين في كراتشي الذين يكرهون برنامج "طالبان" الاجتماعي لكنّهم مستعدّون للموافقة على منح بعض الشرعية على الأقل لحركة "طالبان" الأفغانية باعتبارها "حركة مقاومة".
في مناطق الباشتون الباكستانية، كانت نتيجة الحرب ضد السوفيات في الثمانينات ثم الحرب ضد الولايات المتحدة الآن، إضعافاً متزايداً لفاعلية ومعنى الحدود التي تقسم بين الباشتون في أفغانستان والباشتون في باكستان. هذا التضامن الإتني - الديني، أكثر منه الدعم المستمر من الدولة الباكستانية، هو الذي يؤمّن لحركة "طالبان" الأفغانية قواعدها داخل باكستان. سوف يستمرّ هذا الدعم من شرائح واسعة من الشعب الباكستاني ما دام هناك وجود للجنود الغربيين في باكستان. كما أن وجودهم إلى جانب الهجمات الأميركية بواسطة الطائرات غير المأهولة على أهداف في باكستان، يساعد على إضفاء شرعية على الحملة التي تشنّها "طالبان" الباكستانية ضد الدولة الباكستانية. بما أن بقاء تلك الدولة هو مصلحة أميركية أهم بكثير من أي شيء قد يحصل في أفغانستان، فهذا يعني أنه يجب أن يكون الهدف الأميركي خفض ذلك الوجود بأسرع وقت ممكن، وليس اتباع استراتيجيا من شأنها أن تؤدّي إلى إطالة أمده إلى ما لا نهاية.
إذا كنّا سنبدأ بالتكلّم مع الملا عمر وقيادة "طالبان"، فيجب أن نباشر بذلك الآن – ليس على أساس التوقّع بأن ذلك سيؤدّي إلى تسوية مبكرة بل انطلاقاً من المعرفة المستمدّة من كل التجارب السابقة بأن هذه المفاوضات تدوم عادة سنوات قبل التوصّل إلى خاتمة. سوف ينقضي بعض الوقت قبل أن تتّضح المواقف وتولد مستويات الثقة المطلوبة. في هذه المفاوضات، هناك حاجة أيضاً إلى وسطاء – وباكستان هي الوحيدة التي يمكن أن تضطلع بدور الوسيط في هذه الظروف. ينبغي على القوات الأميركية وتلك التابعة للناتو القتال للدفاع عن مواقعها القائمة وكسب الوقت كي يتطوّر الجيش الأفغاني، إلا أنه يجب تقليص الهجمات على قادة "طالبان" والهجمات بواسطة الطائرات غير المأهولة في باكستان إلى حد كبير. وقبل كل شيء، يجب عدم توسيع هذه الهجمات إلى مناطق جديدة في باكستان في مسعى لقتل الملا عمر وقياديين آخرين في "طالبان"، فأحد المبادئ الأساسية في المفاوضات هو أنه لا يمكنك أن تحاول قتل الشخص الذي تتفاوض معه.
بالتأكيد، قد لا تنجح هذه المقاربة. قد يتبيّن أن حركة "طالبان" متعصِّبة وطموحة جداً، وأنه من المستحيل إقناع ثلاثة لاعبين أساسيين آخرين بقبول هذه التسوية. وهؤلاء اللاعبون هم حميد كرزاي الذي سيكون عليه التنحّي للإفساح في المجال أمام قائد أفغاني محايد (إلا إذا استمرّت المفاوضات حتى سنة 2014، أي موعد انتهاء ولايته)؛ وقادة الجيش الأفغاني الذين سيُضطرّون إلى القبول بوجود عسكري محض رمزي في معظم مناطق الباشتون؛ والجيش الأميركي الذي سيكون عليه القبول بتسوية بعيدة كل البعد عن النصر. وفي ما يختص بالعنصر الثالث، فلنواجه الوقائع: تتمتّع القيادة العسكرية الأميركية بسلطة سياسية كبيرة في واشنطن، مما سيفرض قيوداً على خيارات الديموقراطيين والجمهوريين على السواء في موضوع أفغانستان ومسائل أخرى. بيد أن التسوية البعيدة عن النصر لا تعني هزيمة مفتوحة وإذلالاً، كما حصل في سايغون عام 1975. إذا أمكن تفادي مثل هذه النتيجة، يمكن تقديم السيناريوات الأخرى بأنها نجاحات أميركية موصوفة على الأقل، ولا سيما إذا تضمّنت التزامات من جانب حركة "طالبان" بالتخلّي عن الإرهاب والهيرويين. يعرف القادة العسكريون الأميركيون الأذكياء والصريحون أنه لا يمكنهم "الفوز" بالمعنى التقليدي؛ لكنهم مصمِّمون على عدم الخسارة – وهم محقّون في ذلك.
لن يرغب الأميركيون في أن يقود انهزاميون قواتهم المسلّحة. وسوف تكون هذه النقطة حاضرة في التسويق العلني لأي تسوية.
خلف كل هذه الأمور تقع من جديد مسألة الدور الباكستاني ومستقبل باكستان والدور الأميركي في ذلك المستقبل. بما أن الخيارات المتاحة أمامنا لفرض إرادتنا على باكستان محدودة جداً – على الأقل من دون ممارسات من شأنها أن تهدّد بتدمير باكستان وتوريطنا في كوارث أسوأ بكثير – علينا أن نحاول تحقيق الأفضل في هذا الوضع الصعب جداً باعتراف الجميع ونسعى للحصول على المساعدة من باكستان لإيجاد تسوية للنزاع في أفغانستان.
"ذو نايشن"
ترجمة نسرين ناضر
 


(كاتب وصحافي ومحلل سياسات بريطاني)    

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,732,118

عدد الزوار: 6,910,957

المتواجدون الآن: 98