"حرية الضمير"، أي حرية تغيير الدين، ومواقف فقهاء المسلمين المعاصرين حتى شيخ الأزهر

تاريخ الإضافة الثلاثاء 7 كانون الأول 2010 - 5:45 ص    عدد الزيارات 874    التعليقات 0

        


 

"حرية الضمير"، أي حرية تغيير الدين، ومواقف فقهاء المسلمين المعاصرين حتى شيخ الأزهر
الإرث الأوروبي والسلطة و"السلطة المضادة"
بقلم دومينيك آفون

في إطار ما كنّا قد بدأناه في أوائل الصيف الماضي عندما تطرقنا، في مقالتنا المنشورة في "قضايا النهار" (تعليقاً على ثلاثية جهاد الزين: بينيديكتوس، غولن، السيستاني: بين العلمانية الإيجابية والعلمانية السلبية في 5 تموز 2010) إلى العلمانية وعلاقتها العضوية بـ"حرية الضمير"؛ واستكمالاً لما كان قد ذهب إليه الأستاذ جهاد الزين في مقابلته مع شيخ الأزهر حول هذه الحرية، وقد نشرت هذا المقابلة أيضاً في "قضايا النهار" بعنوان "شيخ الأزهر يجيب على أسئلة آتية من بلد الفتنتين لبنان" في 15 تشرين الأول 2010، والتي أعلن فيها الدكتور أحمد الطيب أن الإسلام يقرّ "حرية الضمير"؛ فقد ارتأينا، ترجمة مقالة علمية(1) حول هذا الموضوع قام بإعدادها أستاذ التاريخ في جامعة لومان الفرنسية دومينيك آفون، لما يمكن أن تقدمه من شروحات تاريخية وقانونية وفلسفية متعلقة بهذا الموضوع.
أمين الياس
 
إن كلمتي "Syneidêsis" اليونانية، و"Conscientia" اللاتينية لا تعنيان ما يطلق عليه المعاصرون لفظة "ضمير" (conscience). غير أن تأكيد مسألة "حرية الضمير" ليست غائبة في هاتين اللغتين. ويكفي أن نعود إلى محاكمة سقراط أو إلى ما قاله ترتوليان Tertullien لملاحظتها. إن العناصر الأساسية لمعنى هذه الحرية نجدها في مضمون مقال "حرية الفكر" الوارد في الموسوعة الفلسفية لفولتير، الذي يربط، على غرار ما ذهب إليه جون لوك، ما بين "حرية الضمير" و"حرية نشاط الروح عند الإنسان في مواجهة جماعة معينة، أو تقليد معين، دينياً كان أم غير ديني".
في الكتاب المقدس (La Bible) نجد أن فكرة "الحرية" ملازمة لحالة العبد، الخادم أو السجين. أما في القرآن فنرى أن الكلمات التي تنتمي إلى عائلة لفظة "حرية" قليلة الاستعمال، وإذا وجدناها فهي في شكل "تحرير" أو "الحُرّ" (النساء 92، المائدة 89، المجادلة 3) ، أما كلمة "حرية" فغير مذكورة.
في ما يتعلّق بلفظة "ضمير" التي هي الأخرى غير مذكورة في القرآن، فإن الباحثين تركوا السؤال مفتوحاً لمعرفة ماذا كان يقصد الرسول بولس عندما يكتب في إحدى رسائله الموجهة إلى الرومانيين (روما 2/ 15): "فهُم يُظهرون جوهر الشريعة مكتوباً في قلوبهم، ويشهد لذلك ضميرهم وأفكارهم في داخلهم، إذ تتّهمهم تارة، وتارة تبرّئهم". إذاً إن "حرية الضمير"، الملازمة للـفرد الذي ينبع حكمه وفعله من سلطته الخاصة به، هي مفهوم حديث. وهي على رغم ارتباطها بمفهوم "الضمير-النفس" (Conscience-âme) الواردة في كتابات آباء الكنيسة، إلا أنها تتمايز عنها، وتندرج في إطار تحول العلاقة ما بين الديني والسياسي.
جاء تبلور "حرية الضمير" أولاً بقلم لوثر (Gewissensfreiheit)، ومن ثم بقلم كالفن (Conscience)، لتأخذ شكلها المكتمل مع Pierre Bayle في شكل "احترام صادر عن الضمير". وترتبط هذه الحرية بشكل لصيق بفكرة "الحرية الدينية" (Liberté religieuse) وقد تمّ "تدهيرها" (Sécularisée) في مجال اللغات الأوروبية المختلفة. هذه اللغات التي تمّ فيها إعادة صياغة شكل الدولة، وذلك بشكل متلازم مع صوغ علاقات جديدة ما بين الإنسان والدولة (Locke, Condillac, Wolff, Kant). وقد عرفت هذه العبارة توحيداً نسبياً في معناها في بداية القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي بدأت فيها عناصرها التأسيسية تنتشر في الأوساط الناطقة باللغة العربية ذات الغالبية المسلمة. غير أن السلطات الدينية، كاثوليكية كانت أم أرثوذكسية، أم إسلامية، وقسم من تلك اليهودية والبروتستانتية، عملت دائماً للحدّ من انتشار عناصر "حرية الضمير"، وذلك عملاً بقاعدة واحدة مشتركة وهي: أن الخطأ (erreur) لا يمكن أن يكون له حقوق في وجه الحقيقة (Vérité). ذلك أن ما يسمّى ضميراً قابل للخطأ.

إرث أوروبي
 
إن فكرة "حرية الضمير"، المتمايزة عن المفهوم التومائي الذي يربط "الضمير" بالمعيار الموضوعي للحقيقة، تكونت ضمن إطار المواجهة ما بين البروتستانتية والكاثوليكية. وقد طرحها على مسرح الأفكار الفلاسفة ذوو النزعة الليبرالية والعقلانية. فها هو كانت Kant يهنئ مينديلسون (Mendelssohn) بعد أن قرأ كتابه Jérusalem : "إني اعتبر هذا الكتاب وكأنه الإعلان عن إصلاح عظيم [...] الذي لن يتعلق فقط بأمتكم، إنما بأمم أخرى أيضاً. لقد عرفتم كيف تصالحون ما بين ديانتكم و"حرية الضمير" التي لم نعتقد قطّ بأنها ممكنة [...]. في الوقت عينه، لقد عرضتم، بشكل عميق وواضح، ضرورة أن تكون حرية الضمير غير محدودة تجاه كلّ ديانة. ومن جانبنا أيضاً، يتوجب على الكنيسة، في النهاية، أن تطلب كيفية تطهير ديانتها من كل ما يمكنه أن يقمع الضمير أو يثقل عليه". إلى جانب دفاعه عن إمكانية الثورة، قام مينديلسون باستكمال ما بدأه وولف Wolff في نظريته حول "الحق الطبيعي" و"حيادية الدولة" من الناحية الدينية. فهو يميّز بين "ديانة طبيعية" مشتركة ما بين كل البشر و"التوراة" الخاصة باليهود. وبالتالي، إن الحرية تندرج ضمن هذا الإطار: احترام القانون الطبيعي للأولين، واحترام ما ورثه اليهود من طقوس وتقاليد وقوانين. غير أن الإكراه بإسم الدين يجب أن يزول. فالحاخامات، برأيه، لا يمكنهم بعد الآن إقصاء ما يخالف "الشريعة" [اليهودية] مما يجعل لقراراتهم مفاعيل اجتماعية وسياسية غير متعلقة بالديانة.
في الكنيسة الكاثوليكية، تأثر التقليد العقائدي المتطور بالثورة الفرنسية، منذ "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" وحتى إقرار الفصل بين العبادات والدولة تحت حكم مجلس الإدارة (Directoire). ففي رد فعله ضد الأفكار والاختبارات التي رافقت هذه الحقبة، يؤكد البابا غريغوار السادس عشر على أن: "حرية الضمائر والعبادات مقولة عبثية وخاطئة، أو بالأحرى هذيان [...]". كذلك الأمر عند انعقاد المجمع الفاتيكاني (1869-1870)، فقد أعلنت الكنيسة الكاثوليكية "محروماً" كلّ من يدّعي أن "قبول الإيمان المسيحي ليس بالأمر الحر، بل هو نتيجة ضرورية لحجج العقل البشري". تقدّم الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها المكان المعبّر عن "الإيمان الإلهي"، وأنها "دليل على ذاتها"، و"أن الضمير لا يمكنه أن يكون حراً أو مستقلاً عن القوانين الأونتولوجية للحقيقة" : فـ"الانتساب إلى الحق (vrai) هو حق مشروع (droit)؛ أما الانتساب إلى الخطأ (erreur) فلا يمكنه أن يشكل حقاً صحيحاً (droit véritable)، لأن هذا الانتساب [إلى الخطأ] يتنافى مع الميل الطبيعي للذكاء، الذي قدره معرفة الحقيقة. إذاً لا يمكننا، عقلانياً، الادعاء أن الإنسان لديه الحق أو القدرة الأخلاقية على التفكير والحكم كيفما يشاء، دون مراعاة القوانين الضرورية لضميره. هذا الضمير المرتبط حتماً بقواعد، من دون شك، يستطيع الإنسان فيزيائياً إسقاطها بقوة اختياره الحر، غير أنه لا يستطيع أخلاقياً خرقها دون أن يتنكر لواجبه ودون أن يذهب ضد الأمر الذي أقامه الله".
في معجم اللاهوت المسيحي، نجد أن الدفاع عن حرية الضمير "المطلقة"، المرتكزة على مبدأ أن قانونها الخاص هو العقل البشري، مرتبط بمسلّمتين مرفوضتين من السيللابوس [Syllabus،هو مجموعة الأفكار التى تدينها البابوية، والصادر عام 1864]: المسلمة الأولى تقول بأن "العقل البشري، دون أن يحسب لله أي حساب، هو القاعدة الوحيدة للصح وللخطأ، للخير وللشر؛ هو قانون لذاته، وهو كاف بقوته الخاصة لإيجاد خير الأفراد والشعوب"؛ أما المسلمة الثانية فتقول بأن "كل الحقائق الدينية تنشأ من قوة العقل البشري الفطرية؛ كذلك، إن العقل هو المقياس الأول الذي بواسطته يستطيع الإنسان الحصول على معرفة الحقائق المتوجبة عليه من كل نوع". وقد أعلنت خاطئة أيضاً حرية الضمير "النسبية" كما حددها جول سايمون Jules Simon، الذي يعترف بـ"ضعف العقل" كما بـ"قوته"، والذي يدافع عن الأقليات الكاثوليكية المضطهدة من قبل البروتستانت أو الأرثوذكس إلى جانب الأقليات المضطهدة من قبل الكاثوليك.
من وجهة نظر السلطة الكاثوليكية، إن "حرية العبادات" أو "الحرية الدينية" تتمايز عن "حرية الفكر" أو "حرية الضمير". فالخطر الأكبر، بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، هو الالتقاء ما بين "الطبيعية" "العقلانية" والليبرالية، ما يفتح الباب أمام فساد الأخلاق. إن الحرية العقائدية للعبادة مدانة من قبل السيللابوس لسببين: الأول أنه يبيح لكل إنسان أن يعتنق الديانة التي يعتبرها ديانة الحق في أضواء أنوار عقله؛ والثاني أن البشر يستطيعون أن يجدوا طريق الخلاص الأبدي وأن يبلغوه من خلال ممارستهم أي ديانة. بالرغم من ذلك، فإن الكنيسة الكاثوليكية ترفض أن يتمّ "فعل الإيمان المسيحي" بالإكراه، ذلك أن شكل الدولة الكاثوليكي منفتح على تطبيق مبدأ التسامح (tolérance) في حال وجود أقليات طائفية.
في الوسط الإسلامي، كان تيار المعتزلة الجهة الوحيدة التي طرحت مبدأ أن الإنسان هو "خالق" بالكامل وبالتالي مسؤول عن فعله. وقد تمّ في أواسط القرن التاسع ميلادي اقتلاع هذا التيار ليحل مكانه التيار الأشعري الذي أبقى في خانة "السر" (mystère) كل ما يتعلق بالقدرة الكلية الإلهية والحرية البشرية. أما في التطبيق العملي، فتمّ اتباع نهج التسامح المرتكز على نظام الذمة.
في أوائل القرن التاسع عشر، وإبان حكم محمد علي، برز في مصر وجه فكري بارز هو إمامها الأزهري رفاعة الطهطاوي. وقد دافع الأخير، بعد عودته من فرنسا، عن "حرية المعتقد"، ليس بمعنى حرية الاعتقاد بالدين أو بعدم الاعتقاد به، بل بمعنى حرية الاجتهاد في تفسير النصوص بما يتناسب مع حكم العقل. وفي أواسط هذا القرن بالذات، عرفت السلطنة العثمانية، وبدافع ضغوط الدول الأوروبية العظمى، عصراً سميّ عصر "التنظيمات" الذي فتح الطريق للمساواة في الحقوق غير الواردة في البنى الخاصة بالدولة العثمانية ذات المرجعية الإسلامية. وتقوم هذه الإصلاحات المؤسسية على عناصر ثلاثة: أولها، أن الرعايا ليسوا موجودين إلا ضمن إطار جماعة معينة؛ ثانيها، أن هذه الجماعة مرتبطة بشكل منظم بمرجع ديني؛ وثالثها، أن الدولة العثمانية لا تعترف باعتناق الدين أو تغييره إلا في اتجاه واحد: الإسلام فقط.
وتبقى مسألة إباحة دم المرتد عن الإسلام، المتوافق عليها من قبل كل المذاهب الفقهية، تهديداً أساسياً ضدّ كل منتقل من الإسلام إلى دين آخر. ويُلاحَظ أن المفكرين أو العلماء المصنّفين في خانة "المصلحين" يتفادون مقاربة هذه الإشكالية مباشرة. فمحمد عبده، مثلاً، يرى أن التشديد يجب ألاّ يكون على حرية الإنسان بقدر ما يجب أن يكون على مسؤوليته، لأن ذلك "ضروري لتأسيس حقوق وواجبات البشر المحددة في القرآن".
في المقابل، نجد عبارة "حرية الضمير" عند أحد كبار المفكرين العرب في القرن التاسع عشر بطرس البستاني (دائرة المعارف) الذي يرى أن الحرية نوعان "داخلية" و"خارجية". فالداخلية هي عبارة عن قوة الاختيار بين أمرين متضادين أو متخالفين ويعبر عنها بـ"حرية الإرادة" و"حرية الضمير" و"حرية النفس"، كما يعبّر عنها بـ"الحرية الأدبية" إذا أريد بها الاختيار بين الخير والشر أدبياً. مفكران آخران، هما قاسم أمين وسلامة موسى، تطرقا إلى هذه المسألة. الأول آت من الديانة الإسلامية والآخر من الديانة المسيحية. وقد طالبا بشكل جليّ بأن يكون للإنسان الحق بـ"عدم الإيمان بالله، وبرسوله"، وبـ"رفض قوانين وعادات معاصريه"، و"اختيار عقيدته الخاصة وفق ما يراه في مرآة عقليته وضميره". وعلى الرغم من تعرّض الإثنين للتهميش في مجموعتيهما الأصليتين، إلا أن ذلك لم يمنع من أن تأخذ هذه المبادئ طريقها في المجتمع.

الممرّ اللبناني
 
جاء إعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920 من قبل سلطات الإنتداب الفرنسي بناءً لطلب قسم من سكانه، وبشكل أساسي الموارنة منهم. في العام 1926، قامت لجنة مؤلفة من إثني عشر عضواً، والتي كان ميشال شيحا أحد أبرز أعضائها، بصياغة الدستور اللبناني. وكانت لغة الدستور آنذاك الفرنسية. تنص المادة 9 من هذا الدستور على ما يلي: "حرية الضمير مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام"(2). المُلاحظ في هذه المادة أن هذا "الحق المطلق" يندرج ضمن حدّين: فمن جهة، إن المواطن في لبنان ليس موجوداً إلا من خلال طائفة ما، ذلك أن نظام الحق العام لم يطبّق قطّ في لبنان؛ ومن جهة أخرى، نرى أن الدولة ليست حيادية في ما خص الدين، ذلك أنها "تؤدي فروض الإجلال لله تعالى". غير أن الملاحظة الأهم في هذا الإطار تكمن في سقوط عبارة "حرية الضمير" في الترجمة العربية الرسمية من النص الدستوري، لتحلّ مكانها عبارة "حرية الاعتقاد" والتي معناها "حرية الإيمان"، بما تتضمنه من استحالة التموضع، بالنسبة للمواطن اللبناني، خارج إطار ديانة معينة. وإذا كنا لا نعرف، لا كاتب النص العربي، ولا الظروف التي أحاطت بترجمة نص الدستور اللبناني من الفرنسية إلى العربية، من المهم أن نسطّر أنه ليس هنالك ما يفاجئ في هذا الخيار للمصطلحات. ولدينا هنا شهادتان تدلان على ما نقول: الأولى صادرة عن مؤسس حزب الكتائب اللبنانية بيار الجميل الذي، وخلال محاضرة له من على منبر الندوة اللبنانية (Kataëb : mouvement et école) في العام 1950 يعلن: "نحن لا نفهم حرية الضمير كما جاءت في مدلولها الضيق والمشوّه، والتي تنصّ ببساطة على التسامح في ممارسة العبادات. نحن نفهمها في معناها الوحيد والحقيقي كحرية كاملة ومطلقة تسمح لكل مواطن بأن يؤمن أو لا يؤمن، بأن يمارس أو لا يمارس ديانته، وحتى بأن تكون له الحرية بأن يغيّر ديانته كما يريد بحسب اعتقاده الخاص وبحسب صوت ضميره المقدس. نحن نفهمها في تطبيقها العملي، الذي يمقت تدخل الدولة في القضايا الدينية، على مثال أن تقوم الدولة بإجبار المواطنين على إتباع بعض العادات كالصوم أو كالصلاة"؛ أما الثانية فتأتينا من رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون الذي، وأثناء أحد مؤتمراته الصحافية عام 1958، يفاخر بما يتميّز به لبنان عن باقي دول الشرق الأدنى، بأنه "بلد الحرية، حرية الفكر، حرية التعبير، حرية الضمير، وحرية الحركة الاقتصادية".
وقد كان لوجود اللبناني شارل مالك، في لجنة صياغة "الشرعة العالمية لحقوق الإنسان في العام 1948، أثر حاسم لمصلحة إدراج "حرية الضمير" في هذه الشرعة. وها هو كريم عزقول، مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة، يشهد بذلك من على منبر الندوة اللبنانية أيضاً (مساهمة لبنان في تشريع الأمم المتحدة، 1951)، إذ يكشف: إن عناية الوفد اللبناني قد انصبت بنوع خاص على إثبات بعض الحقوق والحريات المعينة التي لها أهمية في نظره. من هذه الحقوق والحريات: حق كل فرد في حرية الفكر والضمير والدين، وفي حرية تغيير الدين أو المعتقد وفي حرية الإعراب عنها بالتعليم والممارسة والعبادة وإقامة الشعائر الدينية سواء أجرى ذلك على انفراد أم اجراه وجماعة سواه، أفعله على رؤوس الأشهاد أم فعله في غير علانية". إن هذه الأفكار نجدها في المادة 18 من الشرعة العالمية لحقوق الإنسان التي تنص على أن: "لكل إنسان الحق في حرية الفكر، والضمير، والدين؛ هذا الحق يستتبع حرية تغيير الدين أو المعتقد، وكذلك حرية الإعراب عن الدين والمعتقد، على انفراد أم بالاشتراك مع جماعة، بالعلن أو في معزل عن الآخرين، بالتعليم والممارسات والعبادة وإتمام الشعائر الدينية".
لم تعرب السلطة الكاثوليكية عن موافقتها على هذه الشرعة. ففي إطار الصراع ضد صعود التوتاليتاريات، حيث سادت أجواء الريبة تجاه أشكال الأنظمة، كتب البابا بيوس الحادي عشر التالي: "نحن سعيدون وفخورون بأننا نقاتل القتال الحسن من أجل حرية الضمائر [...] وليس حرية الضمير، لما تحمله من التباس والتي تستعمل غالباً للدلالة على الاستقلال المطلق للضمير بما يمثله من أمر عبثي بالنسبة إلى نفسٍ خلقها الله وافتداها". غير أن هذه المواجهة لم تكن فقط ضد التوتاليتارية بقدر ما كانت أيضاً ضد انتشار تيار اللاأدرية الذي كان يصطدم به المسؤولون في الكنيسة الرومانية. ففي خطاب موجه إلى رجال القانون في إيطاليا في 6 كانون الأول 1953، ذكّر البابا بيوس الثاني عشر بالعقيدة التقليدية: "إن ما لا يتناسب مع الحقيقة ومع القانون الأدبي ليس له، موضوعياً، أي حقّ بالوجود، ولا بالدعاية، ولا بالحركة [...]. غير أن واقع عدم ردعه بواسطة قوانين الدولة والأنظمة الملزمة يمكن تبريره في إطار مصلحة خير سامٍ أوسع".
بالعودة إلى شرعة حقوق الإنسان، فقد كانت المملكة العربية السعودية من أبرز المتغيّبين عن التصويت عليها، في حين أن مصر وباكستان صوتتا لمصلحتها. كما أن غالبية الدول ذات الأكثرية المسلمة، وبعد حصولها على الاستقلال، انضمت إلى هذه الشرعة. إلى جانب ذلك، نجد أن الترجمة العربية لها، لا تترك أي مجال للبس، ذلك أنها تشير بشكل جليّ إلى إمكانية تغيير الدين أو العقيدة، والحق بحرية الضمير. لكن خلال العقود التي تلت استقلال هذه الدول، ووجهت عملية إعلان إلغاء كل أشكال التمييز العرقي التي تستعيد حق الإنسان في "حرية الفكر، والضمير، والدين"، بكثير من الاعتراضات. ومن الدلالات البارزة على هذا الأمر أن الميثاق الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الجمعية العمومية للأمم المتحدة العام 1966، لا يذكر في البند 18 "حرية تغيير الدين". في هذا الإطار، تشكل الحالة المصرية مثالاً بارزاَعلى ذلك. فالدستور المصري في العام 1971 يعترف بـ"حرية العقيدة، وحرية ممارسة العبادة" وبأنها مضمونة من قبل الدولة، غير أن هذا الدستور لا يتسامح بالنسبة إلى ترك "الإسلام". ذلك أن المسلمين الذين يتركون الإسلام إلى المسيحية، والمفكرين-الأحرار (وبضعهم من الشيوعيين) الذين يرفضون "الشريعة"، والمسيحيين الذي اعتنقوا الإسلام ثم عادوا إلى المسيحية، بالإضافة إلى "كل شخص يشكّل تصرفه إقلالاً من الاحترام تجاه النبي، أو تجاه رسول من السماء، أو تجاه الكتاب المقدس"، وحتى المسلمين (بالنسبة إلى بعض الفقهاء) المتزوجين من غير المسلمين، هؤلاء كلهم يُصنفون على أنهم "مرتدون" (apostats).
أما في سوريا، فإن المادة 15 من دستور العام 1930، التي صيغت على مثال المادة 9 من الدستور اللبناني والتي كانت تنص على أن "حرية الضمير مطلقة"، تمّ فيها استبدال عبارة "حرية الضمير" بـ"حرية الاعتقاد"، بالإضافة إلى التأكيد على احترام الدولة "لكل الديانات". ولا يغفل هنا الدستور السوري في المادة 2 (الفقرة 3) عن ذكر أن "الفقه الإسلامي" هو مصدر أساسي للتشريع.

انتساب، غياب ورفض
 
في حزيران من العام 2010، وزعت الكنيسة الكاثوليكية "وثيقة عمل" تحضيرية للسينودس من أجل مسيحيي الشرق الأوسط الذي عقد ما بين 10 و 24 تشرين الأول الفائت. وقد ذكّرت هذه الوثيقة في فقراتها (36، 37، 38، 110) بـ"حرية الضمير"، و"حرية تغيير الديانة" (الفقرة 37). إن هذه الوثيقة تعكس مدى انشغال روما بمسألة تواجد المسيحية في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة، خصوصاً مع توارد تقارير من "Aide à l’Eglise en détresse, AED" تشير إلى تناقص أعداد المسيحيين في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة. كما تقدم هذه التقارير أرقاماً عن اعتقال مئة ألف مسيحي، ومقتل ألف مسيحي آخر في العام 2002 بسبب انتمائهم الديني. لا ضير هنا من التذكير بأن السلطة الكنسية الكاثوليكية لا تعمد إلى استعمال عبارة "حرية الضمير" إلا في حالات محددة. فهي مثلاً ليست مستعملة في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية. إذ أنه يُنظر، بشكل دائم، إلى حرية الإنسان على أنها مرتبطة بالأصل (أي الخلق) وبالنهاية (أي الخلاص) اللذين تخضع لهما الحياة الدنيا، وبالتالي "إن الحق في ممارسة الحرية هي مستلزم غير منفصل عن كرامة الشخص البشري، خاصة في ما يتعلق بالشأنين الأدبي والديني. هذا الحق يجب أن يتمّ الاعتراف به مدنياً وحمايته ضمن حدود الخير المشترك والنظام العام".
من الناحية الإسلامية، نجد أن الفصل ما بين "حقوق الله" و"حقوق العبد/الإنسان" هو معطى مهم جداً في الفقه الإسلامي، بما يستتبعه من منع المسلم، ما عدا بعض الاستثناءات، من الانفصال عن ديانته الإسلامية. إن الدساتير الأخيرة للبلدان العربية ذات الغالبية المسلمة، وكذلك المادة 13 من الإعلان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان التي أصدرها "المجلس الإسلامي" في مقر الأونيسكو، يترجمان التوتر حيال "حرية الضمير". ذلك أننا نجد في النص ذاته عبارة "حرية الإيمان والرأي"، واعتبار الشريعة على أنها "المرجع".
في المقابل، يذكّر محمد شريف فرجاني، الأستاذ في جامعة ليون 2 الفرنسية، بعنصرين أساسيين: الأول هو أن كلمة "شريعة" متعددة المعنى (polysémique)، وهي بالأساس لم تكن على علاقة بفكرة "الحق" أو"القانون"؛ والثاني أن عملية تماثل "الشريعة" بفكرة "القانون" هي ثمرة تاريخ بدأ منذ عهد الخليفة الأول أبو بكر الصديق، وصولاً إلى الحقبة الاستعمارية حيث اتخذت شكلاً متحجراً. ويشدد فرجاني في أطروحته على التفسير الحر لكل شخص. فالشريعة، بحسب تعريفه، ليست إلا "مستودعاً للمعاني" (réservoir de sens). وينتهي فرجاني إلى تجاهل "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام"، بالإضافة إلى تجاهله كل تمييز ما بين "حرية الضمير" و"حرية العقيدة".
ما بين عامي 1972 و1980 عُقدت مؤتمرات عدة (الرياض، باريس، الفاتيكان، جنيف، ستراسبورغ، الكويت) لمقاربة هذه المسألة. كما جرت في الأمم المتحدة عدة محاولات من أجل التقدم في اتجاه نص يؤسس للـ"حرية الدينية". غير أن كل هذه المحاولات تمّ صدها. إن إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام (1990)، والذي أتى بعد إعلان داكار، يقيّد "الحقوق الأساسية"، و"الحريات العامة" بـ"العقيدة الإسلامية"، دامجاً ما بين "الحقوق" و"الوصايا الإلهية النافذة التي أمر بها الله في كتبه المنزلة". تستند المادة 10 من هذا الإعلان على مبدأ لطالما تناقله التقليد الإسلامي والذي يعتبر أن "الإسلام هو دين الفطرة"، وبالتالي إن ما يُفهم من الآية القرآنية التي تقول :"لا إكراه في الدين" هو "إستحالة ترك الإسلام". وتأكيداً على ذلك، تضيف هذه المادة على أنه "لا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه على الإنسان أو استغلال فقره أو جهله على تغيير دينه إلى دين آخر أو إلى الإلحاد". إذاً، إن الحرية في هذه الحالة محدودة، وهذا ما تؤكده المادة 22 التي تقول: "أ- لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية؛ ب- لكل إنسان الحق في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقاً لضوابط الشريعة الإسلامية؛ ج- الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك والانحلال أو الضرر أو زعزعة الاعتقاد [...]". في العام 1996، قامت جامعة الدول العربية، التي تشدد وثيقتها التأسيسية على "حرية الاعتقاد والفكر والرأي"، باعتماد مشروع قانون جزائي موحّد ينص على عقوبة الموت لمن يتخلون عن الديانة الإسلامية.
في هذا الوقت، تكاد الأصوات المعترضة من داخل الجسم العلمائي أو الفقهي تنعدم. ويشكل جمال البنا استثناءً في هذا المجال. فالأخير، الذي يفترق جزئياً عن أخيه البكر حسن البنا (مؤسس الإخوان المسلمين عام 1928) حول مركز الديانة الإسلامية في المجتمع، يبدي صرامة كبيرة في وجه العلماء والفقهاء الخاضعين، برأيه، لمصالح السلطات السياسية، والذين يوزعون فتاوى ونظريات فقهية شديدة الإشكالية. بيد أن جمال البنا، وفي محاولة منه لدراسة مسألتي الحرية والعلمانية، يدافع عن "حرية العقيدة" و"حرية الفكر" حتى النهاية، إلا أنه يرفض أن يتمّ تأسيسهما على "التراث الأوروبي" الذي يجد فيه الكثير من الشرور الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي تعاني منها الإنسانية جمعاء. بالنسبة للبنا، فإن مصدر هذا الشر إنما هو "الضمير". ففي كتابه الإسلام والحرية والعلمانية يرى البنا أن "الفلاسفة والأدباء والمفكرون قد حلوا محلهم [الرسل والأنبياء] ووضعوا الضمير، وغرسوا الوجدان بما أبدعوه من حقوق". بالنسبة إليه، إن الحرية المؤسَّسة فقط على تفسير صحيح للنص القرآني يمكنها أن تفتح الطريق أمام معنى كامل للحرية.
في ما يتعلق بالمسلمين الموجودين في الإطار الأوروبي، فقد قام اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا (Fédération des Organisations islamiques d’Europe – FOIE) بإعداد شرعة لمسلمي أوروبا ما بين عامي 2000 و 2008. وتنصّ المادة الأولى من هذه الشرعة على التالي: "إن فهم الإسلام يرجع إلى قواعد أساسية ثابتة نابعة من المصادر الأصلية للإسلام: القرآن والسنة. إن هذا الفهم يندرج في قبول توافقي آخذاً في الاعتبار البيئة المعاصرة للواقع الأوروبي وخصائصه".
وفي ضوء هذه المادة، يمكننا قراءة المادة 10 من هذه الشرعة التي تنص على "أن الإسلام يحترم حقوق الإنسان ويدعو إلى المساواة بين الكائنات البشرية. إنه يقاتل كل أشكال التمييز العرقي، وينادي بالحرية، ويدين الإكراه في الدين، ويترك للفرد الخيار الحر في عقائده. غير أنه يطالب، في رؤيته المتوازنة، أن تطيع هذه الحرية القيم الأخلاقية بهدف تجنّب الإضرار بالنزاهة الشخصية أو بالآخر". في العام 1999، استجابت الحكومة الفرنسية لطلب من الاتحاد المذكور بأن تسحب الإشارة الصريحة إلى "الحق في تغيير الدين" الواردة في النص الأساسي لشرعة "الحقوق والواجبات" الموجهة إلى مسلمي فرنسا.
من الناحية الإسرائيلية، فإن الحالة الخاصة لدولة إسرائيل تستحق بأن تقارب (بضم التاء) لما تقدمه من عناصر جديدة. فهذه الدولة، التي لا دستور لديها، حافظت على إرث القانون العثماني الذي تطور وطبّق حتى العام 1918، وكذلك على قانون الدولة البريطانية المنتدبة، مرفقاً بالعديد من القوانين الأوروبية في كل ما لا يتعارض مع إعلان الاستقلال ومع القوانين الأساسية. من بين الأخيرة "قانون العودة" (1950) الذي يسمح لكل يهودي بالمجيء والاستقرار في إسرائيل، و"قانون الجنسية" (1952) الذي يسمح لكل شخص هاجر إلى إسرائيل بموجب "قانون العودة" أن يحصل تلقائياً على الجنسية الإسرائيلية. غير أن عجز خمسين "حكيماً" جمعهم بن غوريون في العام 1950، عن تحديد ما هو "الكائن اليهودي" (l’être juif)، بالإضافة إلى قضية دانيال روفايسن Daniel Rufeisen اليهودي البولوني الذي اعتنق المسيحية ودخل دير الكرمل في العام 1962، ثم المجيء الكثيف للسوفيات الذين لم يتأكد إذا كان جلّهم من الديانة اليهودية أم لا، كلّ هذا حتّم على الحكومة الإسرائيلية أن تتبنى في العام 1992 قانوناً أساسياً جديداً حول "كرامة وحرية الشخص البشري"، والذي عُدّل في العام 1994. وينص هذا القانون على أن: "الحقوق الأساسية للفرد في إسرائيل ترتكز على الاعتراف بقيمة الشخص البشري، وبقداسة الحياة، وبالحرية. إن هذه الحقوق محترمة في روح مبادئ إعلان استقلال دولة إسرائيل". إن واضعي هذا القانون يقدمونه على أنه قانون غير مرتبط بـ"عرق"، أو بـ"دين"، ما حرّك معارضة شديدة في أوساط الحاخامات.

خاتمة
 
إن التحديات المعاصرة، خصوصاً تلك المتعلقة بالهويات، تزيد من غموض المصطلحات المرتبطة بإشكالية "حرية الضمير". فالمقاربة الفلسفية ترتكز على التمييز ما بين "الضمير" و"الاعتقاد" في كلتا اللغتين العربية والفرنسية، بالإضافة إلى اللغات الأخرى. هذه المقاربة تسمح بتحديد نوع العلاقة المنتظرة بين "الإنسان" و ما "يسمّى بالله" في التقاليد اليهودية، المسيحية والإسلامية.
بالنسبة إلى شريحة كبيرة من المؤمنين، وبفعل الميزة المافوق طبيعية (الميتافيزيقية) للإيمان المعتنق، فإن "الحقيقة الإلهية" تشمل "حرية الضمير" أو "حرية الفكر"، وذلك باسم المطابقة مع "حقوق الله" أو "قانون الطبيعة". إذاً، المسألة مطروحة على السلطات الدينية المخولة الفصل بشكل نهائي في هذا المجال. لكن يبدو أن هذا الأمر عسير بدليل أن المشاركين في المجمع الكاثوليكي – الإسلامي المنعقد في تشرين الثاني 2008 بقوا على حذرهم من مقاربة هذا الموضوع بشكل مباشر.
منذ القرن الخامس وحتى القرن العشرين، كان الرعايا المنتمون إلى العقائد المختلفة يعترفون أن لرجال الدين الكفاءة والحق في تثبيت التقليد ورفض ما يمكن اعتباره خارجاً عنه. فالتوجه العميق المشترك للديانات التوحيدية الثلاث، والمتمثّل بالأمانة الجوهرية لعقيدة تعتبر (بضم التاء) جامدة وغير قابلة للتعديل والتي تتوسع حدودها بدون توقف؛ هذا المظهر تمّت دحرجته عند حافة "العصور الحديثة". ففي أوروبا، أكثر من أي مكان آخر، قامت الطوائف مقام "السلطة-المضادة" للدول الناشئة آنذاك على فكرة وشعور "الأمة". وقد اتسمت معارضة هذه الطوائف بالصلابة، واضعة حاجزاً ضدّ كل محاولة للتدخّل من قبل المؤسسات التابعة للدولة في نطاق "الإيمان"، مهما كان مصدر هذه المؤسسة ليبرالياً أو تسلطياً أو توتاليتارياً.
عشية الحرب العالمية الثانية، كان لوضع المجتمعات التعددية، في أوروبا وأميركا الشمالية (ما عدا بعض الاستثناءات)، بالإضافة إلى حركة المواطنين (مؤمنين وغير مؤمنين) في اتجاه الانتماء الحر إلى كل حقيقة، دور كبير في الاعتراف بالتمييز، وصولاً حتى إلى حدّ الفصل، ما بين الدولة والعبادات. غير أن الحالة تختلف تماماً في البلدان المستقلة حديثاً، خصوصاً تلك المصنفة "مسلمة"، وذلك بسبب إضعاف ثقل الأقليات فيها. وبالتالي إن مسألة "حرية الضمير" لم تطرح (بضم التاء) بشكل علني زهاء نصف قرن. إلا أن هذه المسألة بدأت تعود إلى العلن، وبشكل يومي، منذ حوالى العقد تقريباً، حيث جرت عدة وقائع مرتبطة بـ"تغيير الدين"، والتي عمد البعض إما إلى تضخيمها وإما للتقليل من حجمها. ولعلّ المقابلة التي أجراها الأستاذ جهاد الزين مع شيخ الأزهر في 15 تشرين الأول الماضي، والتي أعرب فيها الأخير عن التقاطه إيجابياً لمضمون ورقة العمل البابوية (المشار إليها أعلاه)، وعن اعتقاده بأن الإسلام يقرّ "حرية الضمير" لهي دلالة ساطعة على عودة هذه المسألة واحتلالها أهمية كبرى لدى الرأي العام.

ترجمة أ. أ
 


(1) Dominique AVON, «Liberté religieuse, liberté de conscience. Un angle de saisie de la problématique de la conversion au XXe siècle», Université du Maine, Le Mans-France, 2010, 12 p.
(2) La liberté de conscience est absolue. En rendant hommage au Très-Haut, l’Etat reconnaît toutes les confessions et en garantit et protège le libre exercice à condition qu’il ne soit pas porté atteinte à l’ordre public.


( دومينيك آفون هو أستاذ التاريخ في جامعة لومان)  

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,684,413

عدد الزوار: 6,908,412

المتواجدون الآن: 107