سؤال أساسي في مقابلة "الفايننشال تايمز" مع أمير قطر: هل يتجاوز دور الإمارة وزنها ؟

تاريخ الإضافة الثلاثاء 9 تشرين الثاني 2010 - 5:07 ص    عدد الزيارات 743    التعليقات 0

        

سؤال أساسي في مقابلة "الفايننشال تايمز" مع أمير قطر: هل يتجاوز دور الإمارة وزنها ؟
بقلم رلى خلف ومارتن ديكسون

وسط مطوِّري العقارات في لندن، وكبرى دور المزادات في الغرب والعاملين في قطاع المصارف الاستثمارية، إحدى أكثر الكلمات حلاوة الآن هي قطر.
فعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، الإمارة الخليجية الصغيرة هي صانعة صفقات ناشطة جداً، سواء تعلّق الأمر بشراء متاجر "هارودز" في لندن أو الاستثمار في الفرع البرازيلي من مجموعة "سانتاندير" المصرفية أو الاستحواذ على كنوز في المزادات العلنية لمتحفها الجديد للفن الإسلامي.
لقد تحوّلت قطر التي يقودها أمير جريء وإصلاحي، من بلد منعزل وناعس إلى أكبر مصدِّر للغاز الطبيعي المسيَّل في العالم. ويُستثمَر جزء من تلك الأرباح في الخارج، ولا سيما من خلال صندوق للثروات السيادية قيمته 85 مليار دولار أميركي أنشئ قبل سبع سنوات فقط من أجل الادّخار لأجيال المستقبل.
لكن كما في الإمارات الخليجية الأخرى حيث الأسرة الحاكمة مطلقة النفوذ، يتوقّف مصير قطر الاقتصادي والاستثماري والسياسي في شكل أساسي وحاسم على طموحات قائدها، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وقدراته.
فالأمير البالغ من العمر 58 عاماً – الذي تسلّم زمام السلطة قبل 15 عاماً بعد تنحية والده وإنهاء ما اعتبره مرحلة من الانحراف السياسي والمالي – يشتهر بفطنته وتقدّميته الحذرة في حكمه. ويُعرَف عنه رغبته الشديدة في حمل قطر على ممارسة ثقل أكبر من وزنها الحقيقي، سواء في السياسة الإقليمية (من خلال الوساطة الرفيعة المستوى) أو على الساحة العالمية (تسعى قطر إلى استضافة كأس العالم في كرة القدم سنة 2022) أو في الاستثمارات الخارجية.
يقول في مقابلة نادرة أجريت في بلاطه الملكي الذي ينفح الهواء في أرجائه في العاصمة القطرية، الدوحة، قبيل زيارة رسمية يقوم بها إلى بريطانيا هذا الأسبوع [الأسبوع الماضي] "نحن نستثمر في كل مكان. حتى متاجر هارودز عندكم قمنا بشرائها".
الأمير المكتنز الجسم ذو الشاربين الذي يهوى الصيد مع الصقور والغطس، هو متحدِّث صريح في منطقة يندر فيها المتحدِّثون الصريحون، ويتمتّع بحس دعابة، فهو يطلق النكات عن النساء اللواتي يقدن السيارات وعن مراقبة زوجته له، الشيخة موزة بن ناصر المسند – التي تتمتع بنفوذها الخاص في السياسات.
وهو يثير استياء جيرانه إلى حد كبير باستمتاعه في اتّباع سياسة خارجية مستقلّة غالباً ما تسير عكس المواقف السائدة للدول العربية لكنّها تجلب له الاستحسان في أوساط الفاعلين غير الدولتيين الأكثر راديكالية.
يبدو أن أكثر ما يحرّك طموحات الشيخ حمد هو إخفاق قطر في الماضي في الإفادة من مواردها الطبيعية. فالأمير يعرف حق المعرفة أنّ الثروات الكبرى والمفاجئة يمكن أن تدمّر المجتمع. يقول "كانت قطر تشتهر بنشاطات البحث عن اللؤلؤ، لكن عندما اخترع اليابانيون اللؤلؤ الاصطناعي، إذا صح التعبير... تسبّب ذلك بالكثير من الفقر والحرمان في قطر. لكن عندما اكتشفنا النفط، لم نتعلّم مما حصل في مرحلة اللؤلؤ، أي إننا أوشكنا على أن نصبح فقراء".
ويضيف أنه مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط في السبعينات "وجدنا أنفسنا فجأة في الجنّة هنا، المال في كل مكان. لم نحاول وضع... خطة جيدة للاحتفاظ بجزء من هذا المال للمستقبل". في الواقع، بحلول أواخر التسعينات، عندما هبطت أسعار النفط، وجدت قطر نفسها على شفا الإفلاس.
أطلق الأمير، من خلال الاقتراض والاستثمارات الموجَّهة نحو الداخل، خطة كبرى لاستغلال موقع قطر التي تملك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم، واستثمر في منشآت تصدير الغاز (ليست الإمارة منتجة كبيرة للنفط). بدأ إنتاج الغاز الطبيغي المسيّل بالارتفاع، مع التصدير إلى أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وكانت العائدات تُستثمَر في الداخل في بعض القطاعات المفضَّلة بالنسبة إلى الأمير مثل التعليم والرياضة والرعاية الصحية والثقافة، ويوضَع جزء منها جانباً لاستثماره في الخارج. يقول الشيخ حمد "همّي الآن هو الاستثمار في الداخل والخارج بما يفيد أجيالنا المقبلة".
فيما تُراكم قطر الثروات – مع عدد سكانها الضئيل البالغ 1.7 مليون نسمة 300000 منهم فقط هم من أبناء البلد – تواجه ثلاثة أسئلة أساسية. هل تستخدم ثرواتها بأفضل ما يكون؟ ما هو السبيل الأفضل لتحمي نفسها من مخاطر نزاع شرق أوسطي، ولا سيما نزاع تشارك فيه إيران؟ وهل يستطيع الأمير والشيخة موزة أن يحملا القطريين معهما فيما يدفعان في اتجاه تحديث واسع النطاق في مجتمع لا يزال تقليدياً جداً؟
بالنسبة إلى الشيخ حمد، يكمن الجزء الأكبر من الجواب حول مستقبل قطر في التعليم. أحد المشاريع الطموحة التي تديرها "مؤسسة قطر" برئاسة الشيخة موزة هو إنشاء جامعات أميركية في الدوحة، والاستثمار في الأبحاث في مجالات مثل الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات.
يقول "أظنّ أن التحصيل العلمي الجيد هو الذي سيؤمِّن وظائف للقطريين. لهذا نعمل على إنشاء جامعات أميركية تمنح الشهادات نفسها كما في الولايات المتحدة".
لكن هناك من ينتقدون في الداخل السياسة التربوية. ففي مجتمع محافظ يواجه انقضاضاً من العمّال الأجانب والمعايير الأجنبية، تتردّد بعض العائلات في إرسال أولادها إلى جامعات تختلط فيها الشابات بالشبان. كما أن عدداً كبيراً من الطلاب يبلغون المرحلة الجامعية من دون أن يكونوا مجهَّزين كما يجب لمقتضيات التعليم الأميركي. ويثير الإلغاء التدريجي المزمع للتدريس باللغة العربية في المدارس والجامعات المحلية، التململ أيضاً.
يحافظ الأمير على رباطة جأشه. فهو يقول "نحن فخورون بلغتنا وثقافتنا – لكن أحياناً، ولا سيما في المدارس الثانوية، يجب أن يتعلّم الطلاب الذين يريدون الانضمام إلى هذه الجامعات، اللغة الإنكليزية".
ويعتبر أن تطوّر قطر يقدّم للعائلات خياراً ولا يفرض عليها مطالب. يقول "يذكّرني هذا بقرار السماح للسيدات بقيادة السيارات. لم يتقبّل الناس الأمر لكن... نجدهنّ الآن يقدن في كل مكان، مع أنهن يتسبّبن ببعض المشكلات في الشوارع".
لا شك في أن الشيخ حمد ليس من نوع القادة الذي يُردَع بسهولة أمام المقاومة لخططه. فمنذ إطلاقه قناة "الجزيرة" قبل أكثر من عقد – هذه الشبكة التلفزيونية التي أدخلت النقاش إلى العالم العربي لكنّها أثارت أيضاً سخط الولايات المتحدة بمنحها منبراً لقادة تنظيم "القاعدة" – يبدو وكأنّه يستمدّ قوّته من إثارة غضب جيرانه العرب.
يقول "أعرف أن الجزيرة تسبّب لي الكثير من المشكلات... في الماضي، كان قادة عرب كثر... يرفضون التكلّم معي. لكن من الجيّد أنهم فهموا أنني لن أغيّر رأيي".
كما أنّ الجهود التي تبذلها قطر لترسيخ أمنها عبر الحفاظ على مجموعة متعارضة من الصداقات تثير شكوك جيرانها. فهي تستضيف على أراضيها قاعدة عسكرية أميركية للقيادة والسيطرة (كانت هذه القاعدة موجودة في السعودية)، وتقيم في الوقت نفسه علاقات جيّدة مع إيران. قبل الهجوم الإسرائيلي في غزة قبل عامَين، كانت أكثر صداقة مع الدولة اليهودية من معظم البلدان العربية الأخرى، ومع ذلك نجحت في أن تكون من القلّة التي يثق بها عدوّا إسرائيل اللدودان، حركة "حماس" الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني.
يعتبر الشيخ حمد أنّ مجموعة الصداقات الغريبة هي نقطة قوّة تمنحه حضوراً ديبلوماسياً فاعلاً فيما يسعى إلى التوسّط في النزاعات الكبرى. قبل عامَين، أحضر الأفرقاء السياسيين المتناحرين في لبنان إلى الدوحة، وعمل مع الولايات المتحدة وإيران والسعودية وسوريا من أجل التوصّل إلى اتفاق وضع حداً لمأزق سياسي مستمر منذ عامَين، وجنّب بيروت حرباً أهلية. يقول الأمير "سياستنا هي أن نكون أصدقاء مع الجميع... نبحث عن السلام. لا يعني هذا أنّه إذا انقلب فريق على الآخر، يجب أن نؤيّد أحد الفريقَين، لا؛ نودّ الوقوف إلى جانب الفريقَين".
لكنّ التوفيق بين تحالفات متنافسة له ثمنه أيضاً: فعلى الرغم من استمرار التعاون العسكري والاقتصادي مع الولايات المتحدة، ساءت العلاقات السياسية بين البلدَين. ينتقد الأمير السياسة الأميركية حيال إيران معتبراً أنّ العقوبات لن تحقّق هدفها. ويصرّ على أنّه لن يُسمَح للطائرات الأميركية بالانطلاق من القاعدة الأميركية في قطر لقصف أهداف في إيران على الرغم من أنّ الدوحة استضافت مقرّ التحالف على أراضيها خلال اجتياح العراق الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
يقول "إيران بلد كبير وعظيم تحيط به بلدان عدّة. حسناً، سوف تؤثّر فيها العقوبات بطريقة ما لكن السؤال المطروح هو، هل نريد أن تتعاون إيران مع العالم... أم نريد حشرها في الزاوية؟"
وعلى الصعيد الداخلي أيضاً، تتقدّم قطر على مسارَين يجب التوفيق بينهما. فهي تبرز في الخليج من خلال ترويجها للنقاش من طريق البرامج المتلفزة التي تحطّم المحرّمات السياسية. لكنّها بطيئة في تبنّي الديموقراطية التي تبشّر بها. يحمي دستور جديد تمّت الموافقة عليه في استفتاء أجري عام 2003، حرية التعبير والمعتقد الديني، وينص على انتخاب ثلثَي مجلس النواب، إلا أنّ استطلاع الآراء الذي من شأنه أن
يجعل الهيئة التشريعية تبصر النور، مؤجَّل.
وفي هذه الأثناء، تسيطر الأسرة الحاكمة على السياسة والأعمال على السواء، ويتولّى عضو مرموق فيها هو الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني المحنّك والمفرط النشاط رئاسة الوزراء، ويتمتّع بسلطة قيادة أجندة ديبلوماسية وكذلك الإشراف على الاستثمارات الخارجية لقطر.
على الأرجح أن أي منافسة سياسية في المستقبل القريب ستكون من داخل العائلة الحاكمة، مع ارتقاء جيل جديد من أفرادها عبر الهرمية القيادية. ومن هؤلاء ولي العهد الأمير تميم الذي يعزّز نفوذه على الرغم من أنّه ما زال يعمل في الظل. يقول الأمير إن ولي العهد يدير الآن "85 في المئة من البلاد"، ويضيف ممازحاً أنّه يشعر أحياناً أن الجيل الشاب "ليس سعيداً بأن نعمل معه".
يعد الشيخ حمد بأنّ الانتخابات لن تكون بعيدة جداً، لكنّه لا يحدّد موعداً لها. يقول إن الديموقراطية "يجب أن تتمّ خطوة خطوة – يجب أن يهضمها البلد ككل".
في الوقت الراهن، لا يواجه ضغوطاً كبيرة للتحرّر السياسي، فيما ينهمك القطريون بالتمكين الاقتصادي. بيد أنّ نجاح الخطط التي يضعها الأمير لبناء مجتمع أفضل تعليماً وأكثر أماناً على الصعيد المالي قد يصبح القوّة المحرِّكة وراء المطالبات بالتغيير السياسي في المستقبل.


( ترجمة نسرين ناضر)    

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,704,627

عدد الزوار: 6,909,465

المتواجدون الآن: 92