هندسة لمفاوضات جديدة بين إسرائيل وسوريا

تاريخ الإضافة الثلاثاء 12 تشرين الأول 2010 - 7:26 ص    عدد الزيارات 732    التعليقات 0

        

هندسة لمفاوضات جديدة بين إسرائيل وسوريا
بقلم إيتامار رابينوفيتش

كان المسار السوري لعملية السلام في التسعينات عبارة في شكل أساسي عن مفاوضات ثلاثية إسرائيلية-سورية-أميركية. غير أنّ المهمّة التي تواجهها واشنطن اليوم - الفاعل الوحيد الذي يستطيع أن يدير مجهود سلام شاملاً ويتابعه - أكثر تعقيداً ومشقّة بكثير ممّا كانت عليه في التسعينات. فالأدوار التي تؤدّيها في المنطقة كل من إيران وتركيا، والموقع الذي يحتلّه "حزب الله" في لبنان و"حماس" في غزّة، وتركيبة الحكومة الإسرائيلية، والمسائل المتعلّقة بشخصيّة بشار الأسد وقيادته، كل هذه العوامل تجتمع لتزيد من صعوبة التوصّل إلى اتّفاق.
إذا تغيّرت الظروف الحالية والمشهد الحالي واتُّخِذ قرار ببذل مجهود كبير من أجل التوصّل إلى تسوية إسرائيلية-سورية، يجب وضع سياسة شاملة لتنسيق ثلاثة جهود متوازية وتطبيقها: مفاوضات إسرائيلية-سورية، ومفاوضات ثنائية أميركية-سورية، وإعادة ترتيب للسياسات الإقليمية السورية كجزء من مجهود واسع النطاق لإحداث تحوّل في السياسة والجيوبوليتيك في الشرق الأوسط.

إسرائيل وسوريا
 

قد تصرّ سوريا على رغبتها في أن تؤدّي تركيا دوراً مهمّاً في أيّ محادثات جديدة مع إسرائيل. على الرغم من التوتّر الحالي بين إسرائيل وتركيا، أو ربما بسببه، قد توافق إسرائيل على منح أنقرة دوراً (لا سيّما إذا كان يساهم في تغيير السياسات الإقليمية التركية ويقود إلى علاقات ثنائية أفضل مع إسرائيل). لكن في حين أنّ مشاركة تركيا قد لا تكون فكرة سيّئة، يجب ألا تكون تركيا الوسيط. يقع على عاتق واشنطن أن تؤدّي الدور الأساسي في إعادة إحياء المسار الإسرائيلي-السوري.
يجب أن تبدأ أيّ مبادرة أميركية بمحادثات استكشافية مع إسرائيل وسوريا للتأكّد ممّا إذا كان الطرفان جاهزَين لقطع المسافة. وفي شكل خاص، يجب أن تبدأ نقاشات واشنطن مع إسرائيل على مستوى فرق العمل (أي اجتماع السناتور جورج ميتشل وفريقه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك وفريقَيهما) وتتواصل في اجتماع بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي. سوف يرغب الرئيس في أن يسمع من رئيس الوزراء ما هي المسافة التي يبدي استعداداً والتزاماً لقطعها، وسوف يحتاج رئيس الوزراء إلى أن يسمع ما هي الالتزامات التي من شأن الولايات المتحدة أن تطلبها من سوريا، وما الذي تبدي الولايات المتحدة استعداداً للقيام به من أجل التعويض عن التكاليف الأمنية والاقتصادية التي تترتّب على إسرائيل جرّاء توقيع اتّفاق سلام مع سوريا.
لكن في الوقت الحالي، لا تظهر هذه المبادرة على رادار أحد، ولا حتى على رادار الولايات المتحدة. لقد أعطى الرئيس أوباما وفريقه الأولويّة للمسألة الفلسطينية. كما أنّهم يواجهون صعوبة في صوغ سياسة مشتركة مع رئيس الوزراء نتنياهو وحكومته في ما يتعلّق بتلك المسألة، ويدركون أنّه من غير العملي إطلاق مبادرة كبرى موازية على المسار السوري.
لكن إذا اتُّخِذت خطوة لتحقيق السلام مع سوريا، من المهمّ أن تفهم الإدارة الأميركية ما هو موقف حكومة نتنياهو. خلال الحملة الانتخابية، تحدّث نتنياهو بوضوح ضدّ مفهوم الانسحاب الكامل من مرتفعات الجولان، ويحافظ على موقفه هذا منذ انتخابه.
لقد صرّح رئيس الوزراء والناطقون باسمه علناً أنّ إسرائيل ترغب في التوصّل إلى اتّفاق سلام مع سوريا مستند إلى بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان - وهو أمر يعرف نتنياهو تماماً أنّ سوريا لن تقبله. لكن على الرغم من موقف رئيس الوزراء، قد لا يكون موقف حكومته صلباً بقدر ما يوحي به.
عام 1998، استعمل نتنياهو خلال ولايته الأولى، رجل أعمال أميركياً يدعى رونالد لودر مبعوثا له لدى حافظ الأسد. نقل لودر نسخة نتنياهو عن "الوديعة"، مشيراً إلى استعداد إسرائيل المبدئي للانسحاب إلى خط 4 حزيران 1967 في مقابل رزمة مقبولة من السلام والأمن تقدّمها سوريا. في حين يُنكر نتنياهو هذه الرواية عن واقعة لودر، من المهمّ الإشارة إلى أنّ حكومته لا تعارض بكاملها حواراً جدّياً مع سوريا.
يعتبر وزير الدفاع إيهود باراك، وأكثر من ذلك مؤسّسة الدفاع، أنّه من المهم جداً التوصّل إلى اتفاق مع سوريا. فهم يعطون الأولويّة القصوى لمعالجة التحدّي الأمني الإيراني، ويعتبرون أن التوصل إلى اتّفاق إسرائيلي-سوري سيكون خطوة مهمّة نحو إعادة الاصطفاف الإقليمية وتعطيل التهديد الإيراني. بالفعل، في مطلع هذا الشهر، بدأ الإعلام الإسرائيلي يتحدّث بعبارات دراماتيكية نوعاً ما عن انقسام بين المؤسّسة الأمنية الوطنية ورئيس الوزراء وأوساطه المباشرة في ما يتعلّق بالمسار السوري. (قد تشعر واشنطن بالإغراء لمحاولة استغلال هذا التصدّع، لكن يجب أن تضع نصب عينَيها أنّ الجهود السابقة للتدخّل في السياسة الإسرائيلية ارتدّت عليها في معظم الأحيان بنتائج عكسيّة).
يدرك صانعو السياسات الإسرائيليون أنّه سيكون من الصعب الانتقال من المسار الفلسطيني إلى المسار السوري. وهم يعون تماماً أنّ النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني حقيقي ويجب معالجته. كما يعون أنّ إدارة أوباما مقتنعة بأنّ تحقيق تقدّم في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، لا بل إيجاد تسوية له، مهمّ للمصالح الأميركية في العالمَين العربي والإسلامي.
كي يتغيّر المشهد الحالي، يجب أن يحدث واحد أو أكثر من التطوّرات الآتية:
• تدفع حدّة التحدّي الإيراني الولايات المتحدة وإسرائيل على السواء إلى الاستنتاج بأنّ إبعاد سوريا عن إيران هو ضرورة ملحّة.
• تبدأ المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، لكنّها تتوقّف في شكل دائم.
• تطرح المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية إمكان التوصّل إلى اتفاق جزئي أو محدود (مثل اتفاق حول دولة فلسطينية موقّتة) من شأنه أن يتيح للحكومة الإسرائيلية التقدّم على المسارَين.
إذا حصل أيّ مما تقّدم، وأصبحت المفاوضات مع سوريا أولويّة للأطراف، يجب أن تبدأ محادثات واشنطن مع سوريا على مستوى فرق العمل. فانعقاد قمّة بين باراك أوباما وبشار الأسد على طريقة اجتماعات بيل كلينتون مع حافظ الأسد أمر مستبعد حالياً، كما أنّه لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة. يمكن أن تصبح القمة أداة مفيدة في السياسات في مرحلة لاحقة، عند إحراز تقدّم مهم.
قال بشار الأسد علناً إنه مستعدّ لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل في مقابل انسحاب الأخيرة حتى خط 4 حزيران 1967 (مع تعزيز خيار شنّ أعمال حربية في غياب عملية ديبلوماسية)، لكنّه أضفى تشدّداً على بعض المواقف السورية مقارنةً بتلك التي اتّخذها والده في التسعينات (تحدّث بشار علناً ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأصرّ على الربط بالمسار الفلسطيني). قد يتطلّب حمله على العودة إلى الموقف السوري في التسعينات بعض الجهود، لكنّه لن يشكّل عائقاً كبيراً. فعلى الأرجح أن صعوبات أكبر بكثير ستنجم عن مسائل أخرى:
• في موضوع الانسحاب الإسرائيلي، صرّح بشار الأسد علناً أنّه مستعدّ لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل إذا انسحبت الأخيرة حتى خط 4 حزيران 1967. تكمن الصعوبة في الإصرار السوري المعروف على الحصول على التزام إسرائيلي واضح بالانسحاب حتى خط 4 حزيران 1967، كشرط مسبق لدخول المفاوضات، والرفض الإسرائيلي المعروف لتقديم مثل هذا الالتزام في البداية. من أجل إطلاق المفاوضات، سيكون على إدارة أوباما إيجاد صيغة تسمح بتجاوز هذه العقبة.
• المسألة العالقة الأخرى من التسعينات هي إصرار إسرائيل على اعتراف سوريا بالسيادة الإسرائيلية على بحيرة طبريا (بحر الجليل). وفي الوقت نفسه، تصرّ سوريا على أنّه يحقّ لها استخدام البحيرة، بحسب الحدود التي يرسمها خط 4 حزيران 1967.
• حتى لو تحقّق اختراق أوّلي، سوف يتوجّب إيجاد حلّ لمجموعة كبيرة من المسائل، بما في ذلك إنشاء نظام أمني، ووضع جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان، وتطبيق إجراءات "تطبيع" سورية تتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي. في المسألة الأخيرة، تطالب إسرائيل بتقسيم أيّ انسحاب إلى مراحل، وبأن تقدّم سوريا في المراحل الأولى المتواضعة جرعات سخيّة من التطبيع من أجل المساعدة على حشد الدعم للتنازلات في إسرائيل. يعتبر عدد كبير من صانعي السياسات الإسرائيليين أنّ هذا أساسي جداً، لأنّ القانون الإسرائيلي الحالي ينص على وجوب توافر غالبية (واحد وستّين صوتاً) في الكنيست من أجل التنازل عن أراضٍ في مرتفعات الجولان، وقد يقرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي أنّه يجب إجراء استفتاء للموافقة على انسحاب كبير وشرعنته.
• ترتبط النقطة السابقة بمسألة الديبلوماسية العامة الأوسع نطاقاً. كان أحد العوائق الأساسية أمام التوصّل إلى تسوية في التسعينات رفض حافظ الأسد الانخراط في الديبلوماسية العامة أو مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي. في عدد من المناسبات، وتحت تأثير الضغوط الأميركية، وافق الأسد على اتّخاذ بعض الخطوات في مجال الديبلوماسية العامة، لكن نظراً إلى أنّه تصرّف ومبعوثوه بتردّد واضح جداً، كانت النتائج عكس المتوخّاة. على الرغم من أنّه يبدو أنّ بشار (وزوجته التي تمارس تأثيراً في سوريا) الذي يفهم أهمّية الإعلام والرأي العام في الديموقراطيات البرلمانية أكثر مما كان والده يفعل، قد يُظهر تردّداً في تقديم ما قد يبدو بالنسبة إليه، تنازلاً سورياً آخر.
لكن على الأرجح أن العائق الأكبر سيظهر عندما تطالب الولايات المتحدة بإعادة اصطفاف سورية - وفي شكل خاص أن تبتعد دمشق عن طهران و"حزب الله" و"حماس"، كشرط لتقارب أميركي-سوري واتّفاق إسرائيلي-سوري. هذا المفهوم - أي إنّ إجراء إعادة توجيه أساسية في السياسة الخارجية السورية هو مطلب أميركي وإسرائيلي أساسي - معروف منذ بعض الوقت، وقد ردّ عليه العديد من المتحدّثين باسم سوريا. فسوريا تزعم أنّ أيّ مطالبة بأن يغيّر بلد ما سياسته الخارجية أو يقطع علاقته بطرف ثالث غير مشروعة. وتعتبر أيضاً، وعلى وجه الخصوص، أنّه ليست من مصلحة الولايات المتحدة عزل إيران، لأنّ ذلك لن يقودها سوى إلى التشدّد. بدلاً من ذلك، تصرّ سوريا على أنّه يتعيّن على أحدهم أن يتكلّم مع القيادة الإيرانية، وأنّها البلد الأفضل تأهّلاً للاضطلاع بذلك الدور. باختصار، ردّ دمشق على المطالبة بأن تعيد توجيه موقعها الإقليمي كي تكسب علاقة محسَّنة مع واشنطن هو أنّه يجب أن تتمكّن من الإبقاء على قنواتها مع طهران مفتوحة وبناء قنوات مع واشنطن، ثم تؤدّي دور الوسيط الفاعل بين الجانبَين. بعبارة أخرى، تودّ سوريا أن تستمرّ في سياستها التقليدية القائمة على الوقوف في الوسط.
كشف الأسد في خطاب ألقاه منذ فترة قصيرة في دمشق أنّه رفض عرضاً نقله إليه الرئيس شمعون بيريس لإجراء مفاوضات إسرائيلية-سورية مباشرة، شرط أن تقطع سوريا علاقاتها مع إيران و"حزب الله" و"حماس". فقد أعلن الأسد أنّ سوريا لا تنوي قطع صلتها بإيران، وشجب أولئك الذين "قرّروا إلغاء خيار الممانعة المسلَّحة وأصبحوا أسرى خيار السلام في حين أنّه يجب أن يكونوا جاهزين للخيارَين [في الوقت نفسه]".

العلاقة الثنائية
الأميركية -السورية
 

تكمن المصالح القصوى لسوريا في تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة، وشطبها عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب التي تضعها وزارة الخارجية الأميركية، وإلغاء كل العقوبات المفروضة عليها، وتمكّنها من الإفادة من المساعدات الأميركية، وتحوّلها محاوراً، لا بل شريكاً، في ما يتعلّق بالسياسات الأميركية في الشرق الأوسط. من وجهة نظر دمشق، يمكن أن تساعد مفاوضات ثلاثية إسرائيلية-سورية-أميركية سوريا على تحقيق هذه الأهداف.
من شأن تحرّك ديبلوماسي ناجح يؤدّي إلى قطع علاقات سوريا بإيران، وإبعادها عن "حماس" و"حزب الله"، ويقود إلى سلام إسرائيلي-سوري وعلاقات أميركية-سورية جديدة أن يُشكِّل إنجازاً كبيراً، أي النظير المعاصر لما استطاع هنري كيسينجر وخلفاؤه تحقيقه مع مصر في السبعينات. لكن الأسد ليس السادات. قرّر السادات إعادة توجيه السياسات المصرية، وقفز من القطار السوفياتي قبل أن يُعطى مقعداً في القطار الأميركي. ليس أكيداً على الإطلاق أن الأسد اتّخذ قراراً مشابهاً، لكن حتى لو فعل، فسوف يصرّ على رؤية مقعده الجديد والتحقّق منه ثم يقود مقايضة صعبة حول الشروط.
في الأشهر القليلة الماضية، ظهرت الصعوبات التي تواجه أيّ محاولة لإبعاد سوريا عن إيران في مجموعتَين من الأحداث. في الحالة الأولى، سعت إيران إلى استعراض بعض عضلاتها الديبلوماسية في سوريا عقب زيارة وكيل وزيرة الخارجية الأميركية وليم بيرنز إلى دمشق في شباط الماضي. كانت زيارة بيرنز خطوة أخرى في المجهود الذي تبذله إدارة أوباما للشروع في حوار ثنائي مع سوريا. ولا بدّ من أنها أثارت قلق إيران لأن طهران ردّت بتنظيم قمّة "ممانعة" في دمشق حضرها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وأمين عام "حزب الله"، حسن نصرالله. خلال الجزء العلني من الاجتماع، اختار بشار الأسد أن يهزأ بالدعوة التي وجّهتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى دمشق للابتعاد عن طهران.
في الحالة الثانية، كشفت مصادر أميركية وإسرائيلية، في نيسان الماضي، (وأعقبت ذلك تصريحات رسمية)، أن سوريا زوّدت "حزب الله" مجموعة جديدة من صواريخ "سكود" المطوَّرة. وقد أُعطيَت تفسيرات كثيرة لهذا النقل للأسلحة، بما في ذلك أنّه يهدف إلى تسهيل عودة سوريا إلى الوجود العسكري المباشر في لبنان، وأنّها طريقة أخرى لتوجيه رسالة إلى واشنطن بأنّه يجب عدم تجاهل سوريا. لكن تفسيراً معقولاً إضافياً هو أنّه مؤشّر عن خضوع سوريا للحسابات الإيرانية. وقد دفع الكشف عن هذه المسألة إلى ممارسة ضغوط في الكونغرس على الإدارة لإرجاء إرسال روبرت فورد إلى سوريا لتولّي منصب السفير الأميركي الجديد هناك.
في 21 نيسان، عقب قيام سوريا بنقل أسلحة إلى "حزب الله"، مَثُل مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيف فيلتمان أمام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا في مجلس النواب كي يشرح قرار إرسال السفير فورد إلى دمشق ويدافع عنه. اعتبر فيلتمان أنّ الولايات المتحدة تواجه بالفعل صعوبات جمّة في علاقتها مع سوريا، وانتقد جوانب عدّة في سياسة الأخيرة وسياساتها. لكنّه اعتبر أنّه في حين أنّ سوريا هي حليفة مقرَّبة لإيران، هناك اختلافات مهمّة بين الاثنين. وأضاف أنّ الانخراط مع دمشق حقّق بعض التقدّم، وأنّ تعيين سفير هو وسيلة جيّدة لتحسين الحوار واحتمال التوصّل إلى نتائج إيجابية. كانت شهادة فيلتمان عرضاً نادراً لنظرة الإدارة الأميركية إلى سوريا وسياستها حيال دمشق، ومن المفيد التوقّف عند هذه الشهادة بالتفصيل.
فبعد تحديد مشاغل واشنطن الأساسية في الشرق الأوسط، ردّد فيلتمان اللازمة المألوفة عن سوء السلوك السوري - دعم الإرهاب، وتقويض الاستقرار والديموقراطية في لبنان، وتقويض الجهود الأميركية في العراق، ودعم "حماس"، والسعي إلى امتلاك قدرات نووية - لكنّه لفت أيضاً إلى أنّه يمكن أن تكون سوريا مفيدة للمصالح الأميركية: "تحتلّ سوريا موقعاً بارزاً في كل من هذه المسائل - فهي غالباً جزء من المشكلة، وعلى الأرجح جزء من الحل". ثم عرض فيلتمان ثلاثة أسباب رئيسة تقف وراء دعم الإدارة الأميركية للحوار مع سوريا. أولاً، أسفر الحوار السابق مع دمشق عن بعض النتائج، ولا سيما في ما يتعلق بالعراق. ثانياً، قوّض حلفاء الولايات المتحدة، ولا سيما فرنسا والسعودية وإسرائيل (في عهد أولمرت) الذين انخرطوا في حوار مع الأسد، جهود عزل سوريا. ثالثاً وأخيراً، بحسب فيلتمان، هناك إمكانية لإبعاد سوريا عن إيران: "يبدو أن علاقة سوريا بإيران ترتكز في شكل أساسي على المصالح السياسية المتصوَّرة، وليس على الروابط الثقافية أو الاقتصادات المكمِّلة. لكن كما هو الحال في معظم الشراكات، هناك اختلافات واضحة في السياسات. في ما يتعلّق بإسرائيل، لدى السوريين مصلحة واضحة في التفاوض على اتّفاق سلام لاستعادة مرتفعات الجولان، في حين تعارض إيران أيّ شكل من أشكال السلام مع إسرائيل. تملك سوريا حكومة علمانية، في حين أنّ الحكومة في إيران ثيوقراطية". لم يتحدّث فيلتمان قط صراحةً عن إبعاد سوريا عن إيران، لكنّه قال إنه يجب وضع دمشق أمام خيار واضح: "مسار يقود إلى المشاركة في شرق أوسط يتمتّع بانفتاح وسلام وازدهار أكبر، ومسار آخر يقود إلى ركود وعدم استقرار مستمرَّين".
لكنّ الإدارة الأميركية اعتمدت أيضاً مقاربة صارمة. في 4 أيار الماضي، بعيد إدلاء فيلتمان بشهادته، جدّد الرئيس أوباما العقوبات الأميركية على سوريا. وقد استخدم الرئيس لغة حازمة في رسالته إلى الكونغرس، إذ كتب أنّ الأفعال والسياسات السورية "تشكّل تهديداً استثنائياً وغير عادي مستمرّاً لأمن الولايات المتحدة القومي وسياستها الخارجية واقتصادها".
مصلحة واشنطن الأساسية المعلَنة في التفاوض مع سوريا هي إمكان إبعاد دمشق عن طهران، وربط إعادة التوجيه هذه باتفاق سلام مع إسرائيل. في الواقع، من شأن بعض المسائل العالقة الأخرى، مثل الدعم السوري للمنظّمات الإرهابية والسعي إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، أن تُسوَّى من خلال إعادة اصطفاف في السياسة الخارجية السورية، في حال تحقّقها. لكن يجب معالجة مسألتَين أخريين على حدة:
العراق:
في الأعوام السبعة الأخيرة، تسمّمت العلاقات الأميركية-السورية بفعل الدعم السوري المباشر وغير المباشر للمتمرّدين والإرهابيين المناهضين للولايات المتحدة في العراق. يعي السوريون تماماً التكاليف السياسية والديبلوماسية لهذه السياسة، لكن في نظرهم، تتفوّق رغبتهم في رؤية العراق محرّراً من وجود الولايات المتحدة وتأثيرها المسيطِر على العقوبات التي تفرضها عليهم واشنطن.
نظراً إلى التزام إدارة أوباما سحب القوات الأميركية من العراق وبما أنّه من مصلحتها أن تترك وراءها دولة عراقية تعمل كما يجب ومستقرّة إلى حد ما، من الممكن التوصّل إلى تفاهم أميركي-سوري حول العراق. لا تريد سوريا عراقاً تسيطر عليه الولايات المتحدة، ولا تجزّؤ الدولة العراقية، كما أنّها لا تريد نظاماً عدائياً وقوياً على غرار نظام صدام حسين نحو الشرق. ودمشق ليست مهتمّة أيضاً برؤية العراق يتحوّل دولة زبائنية لدى إيران؛ فقد لا تتحمّل أن تكون إيران حليفة وجارة في الوقت نفسه. في الأعوام القليلة المقبلة، فيما تحاول القوى المحلّية والفاعلون الخارجيون صوغ مسار الأحداث بما يرضيهم، يمكن تصوّر قدر معيّن من التعاون الأميركي-السوري. لكن على الرغم من بعض المصالح المشتركة مع واشنطن، هناك تحدّيات. سوف يكون من الصعب على دمشق أن تتغلّب على إغراء استعمال أداة أخرى - في هذه الحالة، العراق - لتُبرهِن لواشنطن قدرتها على الإزعاج عند تجاهلها.
لبنان:
التزمت الولايات المتحدة حماية سيادة لبنان وديموقراطيته في عهد جورج دبليو بوش. خلال تلك المرحلة، ساهمت الولايات المتحدة في إرغام الجيش السوري على الانسحاب من لبنان، واعتبرت حكومة فؤاد السنيورة المثال الناجح عن سياستها لتعزيز الديموقراطية في الشرق الأوسط. وقد تغيّر الكثير منذ ذلك الوقت.
صبّت حرب 2006 في لبنان في مصلحة ائتلاف إيران-"حزب الله"-سوريا. فغياب النصر الإسرائيلي الواضح يُفسَّر على نطاق واسع في لبنان والمنطقة بأنّه إنجاز لـ"حزب الله" وسيّدَيه، إيران وسوريا. وهكذا، في حين فاز سعد الحريري في انتخابات 2009 وأصبح رئيساً للوزراء، وأحجمت سوريا عن استعمال العنف قبل الانتخابات وخلالها، نجحت دمشق في التعويض عن نتائج الانتخابات خلال تشكيل الحكومة الائتلافية وقضمت حصّة تحالف 14 آذار المعتدل الموالي للغرب. وكان حجّ الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى دمشق دليلاً قوياً على عودة النفوذ السياسي السوري من دون وجود عسكري واسع النطاق.
لكن يمكن أن تكون المظاهر خادعة. ربما نجحت سوريا في هذه المعارك السياسية الأخيرة، لكنّ تأثيرها يتراجع أمام إيران و"حزب الله". في شتاء 2009-2010، نقلت سوريا، كما ذكرنا آنفاً، صواريخ متطوّرة إلى "حزب الله"، معزِّزةً بذلك ترسانة التنظيم الكبيرة من الصواريخ والقذائف الصاروخية. أرسلت سوريا الأسلحة لأنّها تعتبر علاقتها مع "حزب الله" امتداداً لوضعيّتها العسكرية حيال إسرائيل. بعبارة أخرى، يهدف تعزيز سوريا لترسانة "حزب الله" من الصواريخ والقذائف الصاروخية إلى التعويض عن الردع الذي خسرته عندما دُمِّر مفاعلها النووي في أيلول 2007. لكن بما أنّه يمكن القول بأن سوريا أرسلت السلاح أيضاً نزولاً عند طلب إيران، يمكن الاستنتاج بأن ترسانة "حزب الله" لا تهدف فقط إلى ردع إسرائيل لمنعها من شنّ عمليات عسكرية جديدة في لبنان، إنما أيضاً ردع إسرائيل أو الولايات المتحدة لمنعها من مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. فضلاً عن ذلك، لا يمكن إقصاء فكرة أن ترسانة "حزب الله" قد تُستعمَل في محاولة لاستفزاز إسرائيل في حال فُرِضت عقوبات شديدة على إيران.
تدفعنا التصرّفات السورية إلى طرح السؤال الآتي: هل فكّرت القيادة السورية ملياً في التداعيات التي قد تترتّب عليها جرّاء نزاع يضع "حزب الله" في مواجهة إسرائيل أو الولايات المتحدة؟ عام 1976، نفّذ حافظ الأسد تدخّله الأول في لبنان لأنّه تخوّف من أن يجرّ انتصار "منظّمة التحرير الفلسطينية" وحلفاؤها في الحرب الأهلية اللبنانية، سوريا إلى حرب غير مرغوب فيها مع إسرائيل. لكن المهم هو أنه فعل ذلك بموافقة أميركية وإسرائيلية ضمنية. بشار أكثر تهوّراً من والده، على الرغم من أنه قد يدرك في مرحلة ما أنّه يمكن أن تشكّل إيران و"حزب الله" تهديدات خطيرة للأمن القومي السوري، وكذلك تهديدات طويلة الأمد لموقع سوريا في لبنان.
يمكن أن تصبح مسألة مصالح الأمن القومي السوري في لبنان عنصراً مهماً لحوار أميركي-سوري مثمر، لكنّ احتمال التوصّل إلى أجندة أميركية-سورية مشتركة في موضوع لبنان ضئيل. سوف تطالب سوريا بأن تعترف الولايات المتحدة بموقعها الخاص في لبنان وتقدّم في المقابل التزاماً مبهماً بسيادة لبنان وديموقراطيته، وكذلك تأكيداً مموّهاً جداً، لا بل غير مدرَك إلى حد ما، بأنّها ستبتعد عن إيران و"حزب الله". على سبيل المثال، قد تعرض سوريا التزاماً أكثر رسوخاً بوقف شحنات الأسلحة إلى "حزب الله"، لكن نظراً إلى ترسانة التنظيم الحالية سوف يكون هذا الالتزام، حتى لو وفت به، محدود القيمة. قد ترغب واشنطن والقدس في الحصول على التزام من سوريا بالمساعدة على تفكيك "حزب الله"، وتحويله حزباً مدنياً عادياً، لكن من المستبعد إلى حد كبير أن توافق دمشق على ذلك.

 

السياق الأوسع
 

سوف يقتضي حلّ النزاع الإسرائيلي-السوري، كما أشرنا، أكثر من محادثات ثنائية بين الطرفَين. فهو يتطلّب تدخّلاً أميركياً جدّياً لمعالجة مشاغل كل الجهات. لكن من شأن هذا المجهود الأميركي لإيجاد حل للنزاع الإسرائيلي-السوري وتسوية العلاقات الثنائية الأميركية مع دمشق أن يتم في سياق إقليمي ودولي أوسع يجب أن تؤخَذ فيه مصالح عدّة في الاعتبار:
إيران:
خلال الأيام الأولى لإدارة أوباما، عندما عقدت العزم على "الانخراط" مع طهران ودمشق على السواء، كان عليها أن تعير اهتماماً للتجاذب المحتمل بين جهودها لإقامة روابط أكثر دفئاً مع طهران وجهودها لاستقطاب سوريا، الحليفة الأساسية لإيران في المنطقة، وإبعادها عن طهران. يبدو أنّ هذا لم يعد يطرح مشكلة، لكن إيران ستحاول في مختلف الأحوال تعطيل أي محاولة أميركية لإخراج سوريا من مدارها. أظهرت زيارة أحمدي نجاد إلى دمشق في شباط الماضي عزم إيران على الردّ بجدّية على أي انفتاح أميركي على سوريا. إذا بدأ حوار أميركي-سوري حقيقي ينكشف فصولاً، يُتوقَّع أن تبذل إيران جهوداً لعرقلته. على الأرجح أن إيران ستمارس ضغوطاً مباشرة على سوريا، وقد تستعمل أيضاً وكلاءها اللبنانيين والفلسطينيين لافتعال أزمة، لا سيما إذا تزامن الانفتاح الأميركي على سوريا مع تشديد العقوبات على إيران.
تركيا:
على الأرجح أن حكومة أردوغان سوف تمتعض من تغيير سوريا توجّهها الإقليمي الحالي واتّخاذها موقفاً جديداً بالاستناد إلى علاقة أوثق مع الولايات المتحدة وسلام مع إسرائيل. وسوف تغتمّ أكثر فأكثر إذا أقصيت من الجولات الجديدة للمفاوضات الإسرائيلية-السورية فهي تعتبر أنّ هذه العملية هي جزء من حقيبتها الديبلوماسية الجديدة. سوف يقع على عاتق واشنطن تهدئة أنقرة وإيجاد دور لتركيا في جولة جديدة من المفاوضات الإسرائيلية-السورية من دون أن تتخلّى عن دورها القيادي.
المسار الفلسطيني:
كما أشرنا آنفاً، استئناف إسرائيل للمفاوضات مع سوريا رهن بالتوصّل إلى اتفاق جزئي أو موقّت بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أو بحصول انهيار كامل في عملية السلام الإسرائيلية -الفلسطينية. من شأن التوصّل إلى اتفاق جزئي أو محدود مع السلطة الفلسطينية أن يتيح للحكومة الإسرائيلية مساحة سياسية كافية لتجديد المفاوضات السورية ويحدّ من الانتقاد الفلسطيني والعربي لـ"اتفاق منفصل" بين القدس ودمشق. أما إحراز تقدّم في المسار الإسرائيلي-السوري على خلفية مأزق إسرائيلي-فلسطيني فيقتضي جهداً ديبلوماسياً كبيراً تديره واشنطن لمنع حدوث رد فعل سياسي قوي أو انفجار للعنف.
روسيا وأوروبا الغربية:
تملك روسيا وبلدان عدّة في أوروبا الغربية، لا سيما فرنسا، مصلحة في الساحتَين السورية واللبنانية. هي ليست في موقع يخوّلها إطلاق مفاوضات إسرائيلية-سورية أو رعايتها، لكن عند بدء هذه المفاوضات، من شأنها أن تسعى إلى تأدية دور والتأثير في مسارها. سوف يقع على عاتق الولايات المتحدة أن توجّه مصالح هذه البلدان نحو قنوات بنّاءة.

 

خلاصة
 

من الواضح أن رسم الخطوط العريضة والديناميات لمفاوضات سلام إسرائيلية-سورية جديدة تديرها الولايات المتحدة كجزء من مجهود أوسع لإعادة صوغ الجيوبوليتيك في الشرق الأوسط، هو ممارسة افتراضية. ففي حين أن هناك مؤشّرات بأن أجزاء من الحكومة الإسرائيلية مهتمّة بإحياء المسار السوري، وفي حين أنّ موقف سوريا المعلن هو أنها تريد إحياء هذه المفاوضات، يتصرّف الحاكم السوري مع شعور واضح بالثقة بالنفس، وهو مرتاح بكل وضوح لمكانة بلاده الإقليمية. فضلاً عن ذلك، تنتهج الولايات المتحدة الآن سياسة شرق أوسطية ذات أولويات مختلفة، وليست هناك مؤشّرات بأن واشنطن تفكّر في إجراء تغيير جذري في المسار. لكن إذا غيّرت الإدارة الأميركية رأيها أو إذا قرّرت الحكومة الإسرائيلية أن تفعل ما فعله أسلافها في الماضي وتبدِّل المسارات في عملية السلام، يمكن التوصّل إلى اتفاق ثلاثي إسرائيلي-سوري-أميركي، لكن التفاوض عليه سيكون شاقاً، إذ يقتضي تخصيص قدر هائل من الوقت والموارد السياسية، ومهارات ديبلوماسية استثنائية. إذا نجحت هذه الخطوة، فمن شأنها أن تؤدّي إلى اتفاق سلام إسرائيلي-سوري، وعلاقات ثنائية جديدة بين الولايات المتحدة وسوريا، وانفصال سوري عن التحالف مع إيران و"معسكر الممانعة"، ومشهد جديد في لبنان.
لكن كي يتحوّل هذا السيناريو التفاؤلي واقعاً، يجب تلبية العديد من الشروط الأساسية: يجب أن تبدي القيادة الإسرائيلية استعداداً وقدرة لدفع الثمن الذي يترتّب على السلام مع سوريا في مجال الأراضي؛ ويجب أن تبدي القيادة السورية استعداداً وقدرة للانفصال عن إيران، وإحداث تحوّل في السياسة الإقليمية السورية، وكذلك في السياسة الداخلية السورية إلى حد ما على الأقل؛ ويجب أن تكون هناك ديبلوماسية أميركية فاعلة وماهرة تدمج رعاية واشنطن للمفاوضات الإسرائيلية-السورية، والمفاوضات الثنائية بين الولايات المتحدة وسوريا، ومصالح الفاعلين الإقليميين والدوليين الآخرين في استراتيجيا شاملة.
في الوقت الراهن، يبدو غير مرجَّح اتّخاذ مبادرة جديدة بهذا الحجم وهذه الجرأة، وفي غياب مفاوضات إسرائيلية-سورية جديدة، من شأن المجهود الأميركي الحالي لإقامة حوار ثنائي مع سوريا أن يستمرّ في مواجهة الصعوبات نفسها التي كشفتها شهادة فيلتمان.
فضلاً عن ذلك، يبدو أنّه في ما يتعلّق بسوريا، سوف تستمرّ الولايات المتحدة وإسرائيل في الدوران من دون تحقيق تقدّم. تركّز الحكومة الإسرائيلية على المسألة الفلسطينية، وليست لديها في الممارسة أيّ سياسة تُذكَر حيال سوريا (على الرغم من أنّ مخطّطي سياساتها يخصّصون على الأرجح جزءاً من تفكيرهم لإيران وسوريا و"حزب الله"). ومن وجهة نظر واشنطن، فإن المجهود الآيل إلى إرضاء سوريا من خلال إجراء حوار ثنائي لا ينجح في غياب تجدّد المفاوضات الإسرائيلية - السورية.
لكن إذا قرّرت الولايات المتحدة تجديد المفاوضات الإسرائيلية-السورية، يجب أن تضع نصب عينَيها دروس الجهود الفاشلة في التسعينات: يجب أن يقترن الالتزام والبراعة بالحزم؛ ويجب أن يُضاف إلى المعادلة إحساس بالإلحاح وبوجود رهانات أكبر على المحك. بالنظر إلى الوراء، يبدو أن أكثر ما افتقرت إليه ديبلوماسية واشنطن في ما يتعلق بالمسار الإسرائيلي-السوري في التسعينات كان النفوذ. حالياً، يمكن إيجاد مثل هذا النفوذ من خلال صياغة مختلفة للرابط بين المسار السوري والمسألة الإيرانية. يبدو أنه من الصعب تطبيق مفهوم السعي إلى إضعاف الموقف الإقليمي لإيران عبر إخراج سوريا من مدارها. بدلاً من ذلك، تستطيع واشنطن أن تعزّز نفوذها إلى حد كبير عبر اعتماد مقاربة مختلفة والتعامل بفاعلية أكبر مع إيران نفسها. حتى الآن، لم يسفر الانخراط مع إيران عن أي نتيجة، وقد جرى تغيير مدّة العقوبات مرّتين. المطلوب هو عمل ملموس واحد على الأقل تقوم به إدارة أوباما أو توحي به، مثل فرض عقوبات أميركية وأوروبية في غياب الإجماع في مجلس الأمن. من شأن ذلك أن يؤثّر في موقف سوريا ويمنح واشنطن أيضاً نفوذاً كافياً على رئيس وزراء إسرائيلي جعل من التعامل مع التهديد الإيراني الغاية الرئيسة والموضوع الأساسي في ولايته.

 

(•) مذكرة الشرق الأوسط رقم 18 الصادرة عن "مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز"
 


 


( سفير إسرائيل في الولايات المتحدة من 1993 حتى 1996، وكبير المفاوضين الإسرائيليين السابق مع سوريا. أستاذ زائر في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفرد - النص ترجمة نسرين ناضر.)      

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,147,043

عدد الزوار: 6,757,045

المتواجدون الآن: 122