رأي إسرائيلي: سقوط "ورقة التوت" الإيرانية مع وفاة الإمام محمد حسين فضل الله

تاريخ الإضافة الخميس 22 تموز 2010 - 1:35 م    عدد الزيارات 793    التعليقات 0

        

إيلي ابيدار

 

في الرابع من يوليو عام 2010 تناقلت الأنباء نعي الإمام محمد حسين فضل الله، المعروف بلقب "الزعيم الروحي لحزب الله". مع رحيل فضل الله سقطت "ورقة التوت" الإيرانية بنشاطاتها السياسية والعسكرية في لبنان وانتهى الواقع الزائف للتمويه بأنه يوجد لحزب الله زعيم روحي في لبنان.  وحكاية فضل الله تعكس في الأساس قصة فشل دولة إسرائيل وسياستها إزاء الطائفة الشيعية في لبنان، حيث ساعدت نشاطاتنا في تصوير واقع فسره الشيعة في لبنان بأن خوض حرب ضد اسرائيل هو هدف اسمى من رعاية مصلحة الطائفة الشيعية.  فمنذ قدومه إلي لبنان عام 1966 بلور سماحته وجهة نظر مختلفة تماما عن وجهة نظر الزعيم الديني ذات الأهمية للشيعة في لبنان الإمام موسى الصدر، وهو الذى قدم إلي لبنان عام 1959 وأًنعم الله عليه بجاذبية خارقة فأقتاد الطائفة الشيعية للتركيز علي المصالح الشيعية بل خرج ضد الفلسطينيين الذين استولوا علي جنوب لبنان واستخدموه قاعدة لإنطلاق  الصراع ضد إسرائيل. ولقد بقي فضل الله في ظل الصدر حتى الخامس والعشرين من فبراير عام 1978، أي حتى اختفاء الصدر أثناء زيارة رسمية له لليبيا، والظن الغالب هو أنه قتل ومرافقيه من قبل الزعيم معمر القذافى. 
نشر فضل الله عام 1975 كتابه "الإسلام ومنطق القوة" فسر فيه بأن القوة العسكرية لا تخدم بالضرورة جماعة أو طائفة، لكنها تخدم أهداف الإسلام في حربه ضد الكفار والاستعمار. جاء هذا التوجه لتبني أجندة ضد الاستعمار عموما وإسرائيل خصوصا. اعتبر الإمام موسي الصدر المسلحين الشيعة في حركة "أمل" كمدافعين عن الطائفة الشيعية في لبنان فحسب ، بينما كان فضل الله يرى في المسلحين الشيعة جنودا في جيش الإسلام ضد الكفار.  إن انقلاب الخميني في إيران في الأول من فبراير عام 1979 كان الحدث الأهم الذي ارتقبه فضل الله. أرسل الخمينى في بداية حكمه في إيران مبعوثين يعملون كموظفين رسميين وغير رسميين لتصدير الثورة الإسلامية  الى لبنان. وقد أقام فضل الله علاقات صداقة معهم وأصبح أحد حلفائهم. لم يكن هؤلاء المبعوثون من إيران ملمين باللغة العربية، وكانوا بعيدين عن نمط معيشة الجيل الصاعد من الشيعة في لبنان، على نقيض فضل الله ، الذي كان ملما في هذا المضمار، لانه قدم الكثير من الخدمات لشبيبة الطائفة الشيعية علي مدار السنين وعرف كيفية التعامل معهم وبلغتهم. ولقد كن الإيرانيون التقدير الكبير لفضل الله، نظرا لقدرته على توصيل المغزى الإيراني بلغته العربية السلسة وبذلك قام بتحييد الفروقات الثقافية بين الطائفة الشيعية في لبنان وبين مبعوثي آية الله االخميني من إيران.
وفي عام 1979 كانت حركة "أمل" هي كبرى الحركات واقربها الى الطائفة الشيعية.  وعمل فضل الله بجدية وفقا للرياح التي تهب من ايران ولكن مساعيه في هذا السياق لم تتكلل بالنجاح. وبعد محاولاتهم الفاشلة لتغيير "أمل" اضطر المبعوثون من ايران أخيرا  فضل الله بإعطاء موافقته ودعمه لإقامة تنظيم شيعي جديد – حزب الله. قرر فضل الله أن يظل بشكل رسمي خارج حزب الله لكي يمنع الانقسام داخل الطائفة الشيعية، إلا أنه ظل معروفا من قبل العديد من الشيعة الزعيم الروحي لحزب الله. كان تأثير فضل الله علي منظمة حزب الله محدودا في بداية المسار حين كانت التوقعات هي توثيق التعاون المشترك بينه وبين المبعوثين الإيرانيين، إلا أنه مع مرور الزمن، تطورت معادلة عكسية، إذ كلما اشتد ساعد حزب الله،  كلما قل التزام المبعوثين من إيران لفضل الله. غير ان الاصطدام الفكري الأساسي بين فضل الله والمبعوثين من إيران تمحور حول العلاقة بمؤسسات السلطة في لبنان. في حين ايد المبعوثون من إيران الترتيب لانقلاب في لبنان يسعى لهيمنة الشيعة على السلطة ومن وراءها إيران،  فيما عارض ذلك فضل الله، مؤكدا أن هناك بونا شاسعا بين إيران وهي بلد إسلامي وبين لبنان وهو بلد متعدد الطوائف والاديان. انتهج فضل الله توجها يقوم على الاعتقاد بأن الصراع ضد إسرائيل هو فوق مصالح الطائفة الشيعية. وفي خطاب ألقاه في بنت جبيل عام 1972، هاجم فيه الذين رأوا أن خروج الفلسطينيين من جنوب لبنان يؤدى إلي حل مشكلة الطائفة الشيعية وادعي بأن إسرائيل لا تقوم بالهجوم علي جنوب لبنان بسبب الهجمات  الفلسطينية بل بسبب رغبتها في احتلال جنوب لبنان كما فعلت في الحروب الثلاثة منذ قيامها. انتهز فضل الله فرصة عملية الليطاني، وحرب لبنان الأولي ووصول إسرائيل إلى مدينة بيروت حتى يوثق التضامن بين الشيعة والفلسطينيين. وكرس بقاء إسرائيل في لبنان لترسيخ ادعاءاته بأن إسرائيل تهدف الى احتلال أرض لبنان وليس لوضع حد للهجمات الفلسطينية من جنوب لبنان فحسب. ومع اختفاء موسى الصدر ونجاح الثورة الإيرانية، طرأ تغيير جذري علي قوة فضل الله ومركزه في لبنان. وانتهى بذلك التنافس علي قلوب وعقول أبناء الطائفة في لبنان حيث انفردت ايران  بارسال المساعدات المادية والفكرية  من دعاة ومنظرين لتعزيز مكانتها في لبنان.
إن قصة فضل الله هي أيضا قصة فشل إسرائيل في لبنان وضياع الفرصة لتحويل الشيعة إلي حلفاء.  فعدم ايلاء دولة إسرائيل الاهتمام الكافي للطائفة الشيعية انصب في مصلحة كل من فضل الله  وحزب الله وإيران. دولة إسرائيل التي حررت جنوب لبنان الشيعي من الحكم الطاغي للمنظمات الفلسطينية واصلت معاملة الطائفة الشيعية بنفس الصورة التي عاملت بها المسيحيين من قبل، واكبر خطأ وقعت فيه هو أنها لم تعط أي إشارة للطائفة الشيعية بأنها علي استعداد لإعطائها الفرصة لتسيطر علي مناطقها في جنوب لبنان. لقد أخطأت دولة إسرائيل على مدى سنوات من نشاطها في لبنان لعدم إقامة علاقات ثقة بينها وبين الطائفة الشيعية وعانى الشيعة من الإهانة وعدم التقدير من الطائفة السنية ومن الطائفة المسيحية والفلسطينيين على حد سواء. لم تحظ الطائفة الشيعية التي عاش إلي جانبها يهود لبنان، في حي "وادي جميل" غرب بيروت، بمعاملة لائقة من جانب اسرائيل  التي تبنت وجهة نظر باقي الطوائف تجاهها.
إن وفاة فضل الله اسقط  ورقة التوت الإيرانية الأخيرة في لبنان، ومن الآن فصاعدا سيبقي حزب الله دون رعاية أي زعيم ديني شيعي بضاهي مقام الزعيم الروحي. ومن غرائب الأمور أن يجد الشيعة في لبنان أنفسهم بصورة عملية وعلنية تحت قيادة آية الله خامينئي الزعيم الروحي لإيران الذي بات المرجع التشريعي الأكبر للشيعة في لبنان.  

إيلي ابيدار رئيس منتدى شرق اوسط حكيم ودبلوماسي سابقا

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,165,952

عدد الزوار: 6,758,383

المتواجدون الآن: 122