جانبا السياج

تاريخ الإضافة الأحد 4 نيسان 2010 - 7:21 م    عدد الزيارات 777    التعليقات 0

        

دايفد و. ليتش، Foreign Policy، السبت 3 نيسان 2010

 
لا يختلف الرئيس السوري بشار الأسد عن والده. فقد كان حافظ الأسد عملياً، يأخذ مواقف غير معتادة في بعض المناسبات، استناداً الى ما يعتقد أنه يصب في مصلحة وطنه. وكان قادراً على قيادة السياسة الخارجية لسوريا بحيث تلعب على وتري الجانبين الإقليمي والدولي. علماً أنّ سوريا هي البلد الوحيد في العالم العربي القادر على إتقان هذه اللعبة. فهي من جهة تُعتبر مهد القومية العربية، ولكنّها مع ذلك دعمت إيران غير العربية ضد العراق في حرب الخليج بين إيران والعراق في الثمانينات. وهي كانت قائدة دول المواجهة العربية ضد إسرائيل، ولكنّها مع ذلك انخرطت في مفاوضات غير مباشرة مع الدولة العبرية منذ قرابة الثلاثة عقود، وكادت ان تعقد معها اتفاق سلام عام 2000. وهي كانت دولة تابعة للاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، ولكنّها مع ذلك أرسلت جيوشها للقتال الى جانب القوات الأميركية ضمن إئتلاف الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة، لإخراج العراق من الكويت في عام 1990-1991. هذه السياسة الخارجية المتقلّبة قد تكون محبطة بالنسبة للبلدان التي ترغب برؤية دمشق تتبع سياسة أكثر التزاماً وتناغماً، غير أنّ قدرة سوريا على ذلك هي بالضبط ما جعلتها قادرة على تخطّي الكثير من الأزمات في التاريخ الحديث، وكذلك تحويل هذه الدولة الضعيفة نسبياً الى دولة فعاّلة وذات جدوى.

إدارة جورج بوش الإبن طلبت من سوريا أن تختار جانباً واحداً من الجانبين. إلاّ أنّ بشار الأسد لم يقبل بذلك، لأنّه سوف يرتّب عليه قطع علاقته بإيران، وبجماعات أخرى مثل "حزب الله" و"حركة حماس". ولكنّ هذه الجماعات وتلك العلاقات ليست هي المهمّة بحد ذاتها بالنسبة للسياسة الخارجية لسوريا. بل الأهم من ذلك أنّها بالانحياز الى أحد الطرفين سوف تخسر دمشق سبب قوّتها في التعامل مع الولايات المتحدة، المتمثّل بأنّ تستمر بلعب دورها الإقليمي البارز، وبالتفاوض مع إسرائيل لاستعادة مرتفعات الجولان.

أما اليوم، وقد أمسكت إدارة الرئيس أوباما بالسلطة، وانخرطت في حوار دبلوماسي مع سوريا، يعتقد بشار الأسد بأنّه قادر مرة أخرى على اللعب على الحبلين [الدولي والإقليمي] كما فعل والده. وقد بدا ذلك واضحاً في عدة مناسبات؛ ففي شباط الماضي بعد إعلان إدارة أوباما أنّ روبرت فورد هو السفير الأميركي الجديد الى سوريا، وبعد زيارة مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية الى الرئيس السوري، حاملاً رسالة من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تشجّع فيها سوريا على الابتعاد عن إيران، بعد هذه الخطوة أولم بشار الأسد للرئيس الإيراني أحمدي نجاد وأمين عام "حزب الله" حسن نصرالله في دمشق.

هذا التصرّف أزعج المسؤولين في إدارة أوباما. فقد عانت الإدارة ما عانته حتى اليوم جرّاء إنفتاحها الدبلوماسي، وها هي بذلك تتلقّى صفعة أخرى. والأهم من ذلك، أنّ هذا التصرّف أعطى المعترضين بشدّة على سياسة تقديم التنازلات الى سوريا، فرصة كبيرة لإدانة محاولات أوباما التقرّب من دمشق. ولربما قلّل بشار من أهمية مشاعر الخصومة تجاه سوريا التي لا تزال موجودة بقوة في واشنطن، وهي من مخلّفات سنوات حكم بوش. وبذلك، قد لا يكون ذلك التصرّف ضربة موفقة لسوريا. ومن جهة أخرى، تُعتبر هذه طريقة سوريا في التعامل، وإن كانت طريقة تطبيقها فظّة وغير متقنة.

لقد كرّر بشار الأسد أمامي في العديد من المناسبات كيف أنّه يرغب بأن يجعل بلده في موقع البلد المسهّل والمساعد على المستوى الإقليمي، مستفيداً من قدرته الفريدة على اللعب على الحبلين. وقد برهنت سوريا عن قدرتها على لعب هذا الدور من خلال المساعدة على إرساء الاستقرار في لبنان، ومحاولة مصالحة حركة حماس والسلطة الفلسطينية، والتوسّط مع طهران في بعض الأحيان. وبعض المسؤولين في واشنطن كانوا قد بدأوا إدراك هذه الحقيقة وتقديرها. ومن ثمّ قام بشار الأسد بمعانقة أحمدي نجاد والإعلان عن دعمه لإيران. وهذا ما يجعلني أقول إنّ في واشنطن اليوم جواً من العداء تجاه سوريا ومن الشعور بالإحباط من تصرفاتها. فواشنطن تكن الكثير من الضغينة لسوريا في هذا الوقت. ولا يزال هناك الكثير من أولئك الذين لا يزالون غاضبين جداً من سوريا، بسبب دورها في تسهيل عبور المتمردين لحدودها. وهكذا فإنّ الشيء المحرج قوله هو أنّ الخطوة التي قامت بها إدارة أوباما في هذا الوقت المحدّد لم تكن خطوة حكيمة. ومن جهة أخرى، لا تستطيع سوريا لعب دور المسهّل الإقليمي ما لم تقم بتنمية كافة علاقاتها. وبالتالي يمكن القول إن اعتماد هذه السياسة منطقي ومفهوم، أما التوقيت فكارثي.

قد يكون حان الوقت بالنسبة لسوريا لتنتقل الى الجانب الآخر من السياج، لكي تتمكّن من المحافظة على خيارتها في السياسة الخارجية والبناء عليها. ويمكن النظر الى اتصال بشار الأسد، كما نقلت الصحافة، بالرئيس المصري المتوعّك حسني مبارك، في هذا الإطار. فإذا كانت سوريا تريد لعب دور في المساعدة على مصالحة حماس مع السلطة الفلسطينية، عليها أن تجعل علاقتها مع مصر علاقة طيّبة. ويمكن للتقارب السوري مع السعودية على مدى الأشهر الستة الماضية أن يصب في مصلحة الولايات المتحدة، بالنسبة الى الأمور الخطيرة التي تجري في اليمن، ولبنان، والعراق. ولكن من جهة أخرى، وفي اجتماع القمة العربية الذي حصل في ليبيا، قام بشار الأسد ومعه القائد الليبي معمر القذافي من بين جميع الرؤساء، بتشجيع الفلسطينيين على الانسحاب من المفاوضات مع إسرائيل. وعلى الرغم من أنه لم يؤخذ بهذه النصيحة، إلاّ أنّها كانت طريقة غير مكلفة لتعزيز أوراق اعتماده على الجانب الآخر من السياج.

ثمة من يقولون إنّ الولايات المتحدة غالت في انفتاحها على سوريا في وقتٍ مبكر. وعلى سوريا كذلك أن لا تتمادى في تصرّفاتها. ربما بشار الأسد يشعر بأنّ إدارة أوباما ضعيفة ومضطربة في الوقت الحالي، بحيث لا يكترث بترك انطباعات جيّدة لديها، ولكن قد لا تكون هذه هي الحال على الدوام، خصوصاً إذا نجح الرئيس في إحراز المزيد من النجاحات بعد نجاحه في تمرير القانون الخاص في العناية الصحية.

لقد عمل بشار الأسد جاهداً لكي تأخذه واشنطن والدول في المنطقة على محمل الجد، غير أن نهج تأييد الطرفين المتنازعين في الوقت نفسه قد يكون خطيراً أيضاً، إذا لم تعرف متى، أو لم تستطع تغيير موقفك في الوقت المناسب.

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,108,234

عدد الزوار: 6,935,089

المتواجدون الآن: 99