مصير تركيا على المحك

تاريخ الإضافة الأربعاء 4 أيار 2016 - 6:01 ص    عدد الزيارات 565    التعليقات 0

        

 

مصير تركيا على المحك
ليفينت غول تكين 
قُوضت الديموقراطية في تركيا، وصودرت حرية الإعلام والصحافة، ولم يعد ثمة إعلام حرّ أو وسطيّ محايد، كما لم يعد ثمة قاض محايد، أو محكمة عادلة. والعمل بالدستور معلق فعلياً، وسحقت مؤسسات المجتمع المدني فخسرت تأثيرها ونفوذها. ووضعت الحكومة يدها على كبرى الشركات الاقتصادية والمؤسسات الاقتصادية. وفي الحرب مع «الكردستاني» دُمّر عدد من المدن. وأقحم الدين في السياسة والاقتصاد والتعليم والتعاملات اليومية ومؤسسات المجتمع المدني، وصارت العلمانية حبراً على ورق. واليوم، عندما يُقترح حذف مادة العلمانية من الدستور تقوم قيامة المعارضة ولا تقعد، وكأنه يمكن أن تكون الدولة ديموقراطية وعلمانية من دون حرية رأي أو صحف أو عدالة قضائية أو مجتمع مدني قوي! ومن غير هذه العناصر المهمة والأساسية في الديموقراطية، لا أهمية للإبقاء على كلمة العلمانية أو حذفها.
ولم يفت الرئيس أردوغان أن الساحة صارت خالية من قوى المعارضة، فمهما قال أو فعل، تثور المعارضة يومين ثم تسكت وتنسى ما حدث ويمرّر هو ما يريد وينفذ ما يشاء. فانتظار المعارضة خروج أردوغان من السلطة وتعليقها كل الآمال على انتهاء ولايته وانتظارها معجزة تدخّل خارجيّ أصابها بالشلل. وليس ذكر مسألة العلمانية وليد مصادفة. ففريق أردوغان يعلن اليوم ما كان يضمر في السابق: «نريد دستوراً جديداً متديّناً يشير إلى الدين الإسلامي ويحذف مادة العلمانية!». وأوكل إلى رئيس البرلمان إعلان اقتراح إلغاء العلمانية، وهو (رئيس البرلمان) لا ينطق الا بالتنسيق مع الرئيس وفريقه. ثم في تنسيق أدوار خرجت قيادات الحزب لتنفي هذا المشروع وإعلان أن الحزب الحاكم لا يريد حذف المادة هذه. وعليه، حدّ الأردوغانيون موجة الغضب المتوقّع شعبياً وغضب المعارضة. وهم في نهاية الأمر سيدخلون في الدستور الجديد عدداً من مواد مرجعيتها دينية، بحيث يكون بقاء مادة العلمانية أو حذفها سيان. وهم يحتاجون إلى مزيد من الوقت لإرساء التغيير الديني الذي يريدونه في تركيا، لكنهم يقومون به بخطوات هادئة ومستمرة، من أجل تخفيف وطأة الردّ الرافض أو الغاضب. وسيكون شعار المرحلة المقبلة «العمل على كتابة دستور وطني متديّن ومحليّ غير مستورد» وهذا الشعار سيعزّز حملة الرئيس أردوغان من أجل نظامه الرئاسيّ المنشود، إذ يربط بين الأمرين: إذا كنتم تريدون دستوراً محلياً ووطنياً ومتديناً، فلا مناص من اختيار النظام الرئاسي لأن الرئيس أردوغان هو من سيضمن ذلك.
وهذا أسلوب جديد لدعم الطموح الرئاسي بعد تراجع شعبية المشروع هذا. ولن تكون الأولوية في الدستور لحقوق الإنسان أو حرية الرأي والتعبير أو الحريات عموماً، وسيدور النقاش حول الدستور المقبل على مسألة «كم هو متديّن وكم هو محليّ وكم هو وطنيّ، وما هو مدى العلمانية التي يسمح بها»؟ فتقفز المعارضة عن مسائل الحرية والعدالة والمساواة، لتبدأ معركة أخيرة حول علمانية الدستور التي لا طائل منها في ظلّ تبدّد معايير الديموقراطية والعلمانية، وعلى رأسها الحرية! لكن هل سينجح أردوغان وصحبه في تحويل تركيا اإلى دولة دينية؟ وما أثر هذا التحول في تركيا الدولة والمجتمع التركي؟ لا أعتقد بأن أردوغان ومستشاريه يعرفون جواباً عن هذه الأسئلة، ولا يخفى عنهم أنهم يغامرون ويتمسّكون بالمغامرة. لكن ما العمل حيال هذا السيناريو؟
ولا فائدة من تهديد رجل يحمل قنبلة ويهدّدك بتفجير نفسه (والبلد) بأن تقول له «إن كنت رجلاً فجّر القنبلة لنرى»! هذه المقاربة غير مفيدة أبداً. ولن يجدي نفعاً التهديد والتظاهرات والاعتصامات. فأردوغان سيقول للناس «أنا أريد لكم الخير ودستوراً جديداً وهؤلاء يريدون الاعتصام وشلّ الحياة اليومية والإضرار بالاقتصاد!» وهذه ذريعة سبق أن أجاد أردوغان استعمالها في السابق!
والمعارضة مدعوة إلى أن تشرح للناس بهدوء أهمية الحرية وأن حرية التدين والاعتقاد هي العلمانية، وأن تشرح لهم أخطار حذف العلمانية من الدستور وأن تأتي لهم بأمثلة من محيط تركيا في الشرق الأوسط. وعلينا أن نشرح ونقول إن فرض العسكر علمانية متطرّفة في عهد الوصاية العسكرية، لا يعني أن العلمانية هي المسؤولة عن هذا الانحراف في التطبيق. لا يمكن لـ 50 في المئة من الشعب أن يعلن الحرب على الشطر الآخر لأنه يؤيّد أردوغان أو يصدقه. ونحن أمام معركة حوار وإقناع، وأكبر فخ ينصب لنا هنا هو فخ التصعيد والتهديد. فيتحول موقفنا إلى سلاح بيد أردوغان لإقناع مؤيديه وغيرهم بوجهة نظره. وعلينا أن نوضح للجميع أن المسألة أكبر من حذف العلمانية من الدستور: فمصير تركيا الجمهورية والدولة سيكون على المحك من دون علمانية ومن دون حرية وعدالة، وهذا هو الأهم والأخطر.
* كاتب كردي إسلامي معارض، عن موقع «ديكان» التركي، 27/4/2016، إعداد يوسف الشريف
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,061,673

عدد الزوار: 6,750,746

المتواجدون الآن: 96