سلام الشرق الأوسط: الفرض الخارجي بات واقعياً

تاريخ الإضافة الإثنين 15 شباط 2010 - 5:07 ص    عدد الزيارات 756    التعليقات 0

        

سلام الشرق الأوسط: الفرض الخارجي بات واقعياً
بقلم هنري سيغمان

يبدو أن سعي إسرائيل بلا هوادة إلى فرض "وقائع على الأرض" في الضفة الغربية المحتلة، وهو سعي يستمر في انتهاك حتى لتجميد الاستيطان المحدود الذي التزم به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، نجح في نهاية المطاف في تثبيت نهائية مشروعها الاستعماري واستحالة العودة عنه. نتيجة لذلك "الإنجاز" الذي لطالما سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى تحقيقه من أجل استبعاد حل الدولتين، عبرت إسرائيل العتبة التي تحوّلها من "الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" إلى نظام الأبارتهايد [التمييز العنصري] الوحيد في العالم الغربي.
وليس منتقدو إسرائيل من يتحدّثون عن حتمية هذا التحوّل، بل قادة البلاد أنفسهم. فقد أشار رئيس الوزراء أرييل شارون إلى ذلك الخطر، تماماً كما فعل رئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي حذّر من أن إسرائيل ستتحوّل حكماً دولة نظام أبارتهايد إذا لم تتخلَّ عن "كل الأراضي تقريباً، لا بل عن كل الأراضي" بما في ذلك الأجزاء العربية من القدس الشرقية.
وقد انتقد أولمرت خبراء الاستراتيجيا الدفاعية الإسرائيليين الذين لم يتعلموا شيئاً، بحسب قوله، من التجارب السابقة ولا يزالون متمسّكين بذهنية حرب الاستقلال عام 1948. وقال "بالنسبة إليهم، كل شيء يتعلق بالدبابات والأراضي والسيطرة على الأراضي والأراضي المسيطَر عليها، وهذه التلة وتلك. كل هذه الأشياء لا قيمة لها. من يعتقد حقاً أننا إذا أقمنا على تلة أخرى، في مساحة مئة متر إضافية، سوف يُحدث هذا فرقاً في الأمن الأساسي لدولة إسرائيل؟"
لقد باتت معظم الدوائر الإسرائيلية تدرك – على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تنكر ذلك – أن المستوطنات أصبحت منتشرة جداً ومتجذّرة بقوة في الضفة الغربية إلى درجة استبعاد إمكان أن تقوم الحكومة الحالية أو أي حكومة إسرائيلية في المستقبل بتفكيكها (ما عدا عدد قليل من المستوطنات المعزولة التي تضم عدداً ضئيلاً من السكان)، إلا إذا أرغمها التدخّل الدولي على القيام بذلك، وهو احتمال يُعتبَر حتى الآن غير وارد على الإطلاق.
ليس انتشار المستوطنات وحجمها العاملَين الوحيدين اللذين يجعلان تفكيكها مستحيلاً. فالعوامل الحاسمة بالدرجة نفسها هي تأثير المجمّع الاستيطاني-الأمني-الصناعي الإسرائيلي الذي وضع هذه السياسة وطبّقها؛ واختفاء الأحزاب القابلة للحياة والموالية للسلام في إسرائيل في الآونة الأخيرة؛ وتسلّل المستوطنين وداعميهم في المعسكر الديني-الوطني إلى مناصب قيادية أساسية في المؤسستَين الأمنية والعسكرية في إسرائيل.
لقد أخطأ أولمرت في أمر، إذ قال إن إسرائيل ستتحوّل دولة أبرتهايد عندما يفوق عدد السكان العرب في إسرائيل الكبرى عدد السكان اليهود. لكن الحجم النسبي للسكان ليس عامل الحسم في تحوّل من هذا النوع. بل إن نقطة التحوّل هي عندما تنكر دولة ما الحق في تقرير المصير على جزء من سكانها – حتى لو كانوا أقلية – بعدما حرمتهم أيضاً حق المواطنية.
عندما تنكر الدولة بصورة مستمرة الحقوق الفردية والوطنية لشريحة واسعة من سكانها، لا تعود ديموقراطية. وعندما يكون السبب وراء هذا الحرمان المزدوج من الحقوق الهوية الإتنية والدينية لأولئك السكان، تمارس الدولة شكلاً من أشكال الأبارتهايد أو العنصرية لا يختلف كثيراً عن ذاك الذي شهدته جنوب أفريقيا من 1948 حتى 1994. لا يمكن أن تخفي الممارسة الديموقراطية التي توفّرها إسرائيل لمواطنيها اليهود في معظمهم، طابعها المختلف. فبحكم التعريف، الديموقراطية التي تقتصر على مواطنين محظيين – في حين أن الآخرين محتجزون خلف حواجز التفتيش والأسلاك الشائكة وجدران الفصل التي يديرها الجيش الإسرائيلي – ليست ديموقراطية بل العكس تماماً.
ليست المستوطنات اليهودية والبنى التحتية الداعمة لها التي تمتد في مختلف أنحاء الضفة الغربية من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، نمواً برياً مثل أعشاب في حديقة. لقد خطّطت لها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والجيش الإسرائيلي بعناية وتولّت تمويلها وحمايتها. وكان الهدف منها حرمان الشعب الفلسطيني من الاستقلال ومن إقامة دولة – أو بتعبير أدق، الإبقاء على السيطرة الإسرائيلية على فلسطين "من النهر إلى البحر"، وهو هدف يحول دون قيام دولة فلسطينية سيّدة وقابلة للحياة شرق الحدود الإسرائيلية قبل 1967.
ما زلت أتذكّر جيداً الرحلة التي اصطحبني فيها أرييل شارون على متن مروحية فوق الضفة الغربية عندما كنت رئيساً للكونغرس الأميركي اليهودي. فقد دلّني، وهو يحمل خرائط كبيرة وفي حالة سيّئة، إلى مواقع استراتيجية للمستوطنات الحالية والمستقبلية في المحورَين الشرقي-الغربي والشمالي-الجنوبي وأكّد لي أنها ستقضي على أي احتمال بقيام دولة فلسطينية في المستقبل.
بعد عام واحد فقط على حرب 1967، وصف موشيه دايان الذي كان آنذاك وزيراً للدفاع، خطة إسرائيل بشأن مستقبل الأراضي بأنها "الواقع الراهن". فقد قال "الخطة هي قيد التطبيق فعلياً. ما هو موجود اليوم يجب أن يبقى تدبيراً دائماً في الضفة الغربية". بعد عشرة أعوام، في مؤتمر في تل أبيب كان موضوعه إيجاد حل للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، قال دايان "ليس السؤال المطروح، ما هو الحل؟ بل كيف نعيش من دون حل؟".
من شأن الشروط التي يضعها رئيس الوزراء نتنياهو لإقامة دولة فلسطينية أن تسفر عن بقاء الحدود والأجواء الدولية في فلسطين، إلى جانب نهر الأردن بكامله، تحت السيطرة الإسرائيلية؛ وأن تؤدّي إلى مكوث معظم المستوطنين في أماكنهم؛ وإلى خسارة الأراضي المتبقّية لعنصر التجاور الضروري لإقامة مثل هذه الدولة. ومن شأن شروطه أن تحرم الفلسطينيين أيضاً من أجزاء القدس الشرقية التي ضمّتها إسرائيل أحادياً إلى المدينة مباشرة بعد حرب 1967 – وهي أراضٍ لم تكن قط جزءاً من القدس قبل الحرب. بعبارة أخرى، تلتقي شروط نتنياهو لإقامة دولة فلسطينية مع هدف دايان المتمثّل بالإبقاء على الاحتلال بحكم الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل.
من وصفة دايان للإبقاء على الاستاتيكو وصولاً إلى وصفة نتنياهو لحل الدولتين، عاشت إسرائيل "من دون حل"، ليس بسبب الالتباس أو الإهمال إنما انطلاقاً من سياسة متعمّدة تقوم على دفع توسيع المستوطنات خلسةً إلى نقطة اللاعودة مع التظاهر في الوقت نفسه بالبحث عن "شريك فلسطيني للسلام".
عاجلاً أم آجلاً، سيكون على البيت الأبيض والكونغرس والرأي العام الأميركي – ناهيك عن الإستابلشمنت اليهودي البعيد إلى حد كبير عن الآراء المتغيّرة للجيل اليهودي الشاب بشأن سلوك إسرائيل – أن يواجهوا واقع أن "العلاقة المميزة" بين أميركا وإسرائيل تمدّ مشروعاً استعمارياً بالزخم.
لقد اعتُبِر على نطاق واسع بأن استسلام الرئيس باراك أوباما لنتنياهو في موضوع تجميد الاستيطان هو انهيار الأمل الأخير بالتوصل إلى اتفاق الدولتين. وقضى ذلك إلى حد كبير على صدقية المفهوم الذي يعتبر أن الاعتدال الفلسطيني هو السبيل لقيام الدولة، كما جرّد من الصدقية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، المدافع الفلسطيني الأبرز عن الاعتدال الذي أعلن نيته عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وصفت إدارة أوباما تجميد المستوطنات "المحدود" الذي أعلنه نتنياهو بأنه "غير مسبوق"، على الرغم من أن استثناءاته – 3000 وحدة سكنية يُزعَم أن أسسها قد أُنشِئت، ومباني عامة وبناء غير محدود في القدس الشرقية – رفعت مجموع البناء إلى ما كان ليصل إليه من دون تجميد. بالفعل، لقد أكّد نتنياهو لقادة المستوطنين ولحكومته أن البناء سيُستأنَف بعد تجميده لمدة عشرة أشهر – وبوتيرة "أسرع من قبل"، بحسب الوزير بيني بيغن – حتى لو وافق عباس على العودة إلى المحادثات. في الواقع، أوردت الصحافة الإسرائيلية أنه على الرغم من التجميد، فإن البناء الجديد في المستوطنات "يشهد طفرة". لم يدفع أي من هذا بإدارة أوباما إلى توبيخ إسرائيل علناً، فما بالكم بأنواع العقوبات التي تُفرَض على الفلسطينيين عندما ينتهكون الاتفاقات.
 

"ذي نايشن"
ترجمة نسرين ناضر عن الانكليزية
حلقة أخيرة غداً
 


 


(مدير مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط في نيويورك، وأستاذ أبحاث زائر في برنامج السير جوزف هوتونغ للشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن. مدير عام سابق للكونغرس الأميركي اليهودي ومجلس الكُنس في أميركا.)      

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,116,142

عدد الزوار: 6,753,952

المتواجدون الآن: 112