الاتفاق النووي الإيراني... حل وسيط

تاريخ الإضافة الخميس 27 آب 2015 - 7:23 ص    عدد الزيارات 544    التعليقات 0

        

 

الاتفاق النووي الإيراني... حل وسيط
علي أكبر صالحي 
أول مرة التقيتُ إرنيست مونيز، وزير الطاقة الأميركي، وجهاً لوجه شعرت بأن معرفة قديمة تربطني به. وفي آخر أيام لقاءات فيينا سألته هل يعرف أخبار الأستاذ مجيد كاظمي، وهو أستاذ في الهندسة النووية في «إم آي تي»، أجاب بالإيجاب، ودار كلامه على صحة كاظمي الجيدة ومحاضراته العلمية في الصين. وفي اليوم التالي، قال أنه يحمل خبراً سيئاً، وأن كاظمي رحل إثر إصابته فجأة بسكتة قلبية قوية. فسألته أن يزودني رقم هاتف عائلته، واتصلت لتقديم العزاء. وبيني وبين مونيز صداقات كثيرة مشتركة. وأنا أعرفه من طريقها. ولم يحل سعيه إلى مصالح بلاده دون التزام كل منا المنطق. وساد الفهم بيننا، وأدركت القيود التي تقيده، وأدرك ما يقيدني.
وقبل نحو عام ونصف، راوحت المفاوضات مكانها. وفي شباط (فبراير) استدعاني الأعلى مرتبة مني. وقال أحد المسؤولين: «علي، يجب أن تنضم إلى المفاوضات». فسألته ما إذا كان يمزح وعما يمكنني فعله، في وقت أن محمد جواد ظريف (وزير الخارجية) بذل أفضل ما في وسعه. ألح المسؤولون ورفضوا موقفي. فرضيتُ المشاركة شرط مشاركة نظيري الأميركي في المفاوضات. فسألوني عمن يكون. أجبتُ أنه وزير الطاقة الأميركي. وكانت المرة الأولى التي يسمعون فيها به. فاتصلوا بويندي شيرمن، كبيرة المفاوضين الأميركيين، وأبلغوها بأنهم سيصطحبونني معهم شرط أن يرافق الوفد الأميركي وزير الطاقة. فرحبتْ بالأمر. وشعرتُ بأنني أشارك في مهمة مستحيلة. ويسرني أن الأمور انتهت إلى خير ما يرام وأسعدت الجميع. ويرمي الأميركيون إلى الحؤول دون انحرافنا (عن المشروع النووي المدني) إلى أنشطة غير سلمية. ولكننا في إيران لم نفكر يوماً في مثل هذه الأنشطة. فهي تخالف فتوى المرشد الأعلى. وقلنا مهما كانت العوائق التي ستزرعونها أمامنا، فأخبروا شعبكم أنكم بلغتم أهدافكم ومنعتم إيران من سلك درب العسكرة (النووية).
والمرشد يعرفني حق المعرفة. فأنا شغلت عدداً من المناصب في حكومات مختلفة منذ اندلاع الثورة. وكنت مدير جامعة، ووزير التعليم العالي مرتين. ويسرني أن المرشد وضع ثقته بي، وأنه يأخذ بكلمتي في المسائل التقنية النووية، ويعتبر أنها الفيصل في هذه المسائل.
وفي المفاوضات كل طرف يسعى إلى الفوز بالحصة الأكبر من الكعكة. وحين قال الأميركيون: «توقف الأبحاث حول أجهزة الطرد يسرنا». قلنا: «لكنه لا يسرنا. ونفهم قلقكم. ولنرَ ما السبيل إلى طمأنتكم». والتقينا في منتصف الطريق، أي توصلنا إلى حل وسط. ولم ينل أي منا النموذج المثالي الذي يطمح إليه. ويقضي الاتفاق بتباطؤ العمل في البرنامج النووي. ولو كنا أحراراً في معزل من أي اتفاق، لحازت طهران في الأعوام الثمانية المقبلة سلسلة منظمة من 164 (أجهزة طرد متطورة من طراز IR8). ولا شك في أن حيازتنا مثل هذه الأجهزة مفيد. فمثل هذه السلسلة تمكننا من تقويم عملية التخصيب نفسها وليس مواصفات الآلات الميكانيكية فحسب. ولكن طهران لا ترى أن قبول إرجاء الأبحاث حول أجهزة الطرد المتطورة هو قيد يعتد به. وهو ليس بقيد فعلي. فالعمل سيستمر على أجهزة متطورة متنوعة، منها IR8 وir6. وفي وسع هذه الأجهزة أن تزودنا ما يكفي من طاقة التخصيب لبلوغ حاجاتنا السنوية (في مفاعل بوشهر). وبعد عقد من اليوم، سيضاف مفاعلان نوويان إلى بوشهر. وأجرت إيران بعض عمليات تخصيب اللايزر في الماضي، وأبلغت وكالة الطاقة النووية الدولية وفككت الأجهزة. ودار نقاش مستفيض وموسع على معدن اليورانيوم المنضب الذي قد يستخدم في الدروع. وألححت على استثناء اليورانيوم المنضب من القيود. فقال الجانب الآخر «انظر، نحتاج إلى إبلاغ المسؤولين عنا أننا سددنا كل سبل إنتاج السلاح. وأحد هذه السبل هو إنتاج معدن (البلوتونيوم)». وقالوا أننا إذا لم نجر تجارب على أصول إنتاج هذا المعدن طوال عشر سنوات، فسيشعرون بالراحة. فوافقتُ في نهاية المطاف. ولم يكن في نيتنا تخصيب اليورانيوم إلى 90 في المئة. لذا، لن يكون في جعبتنا هذا النوع من اليورانيوم (المخصب إلى 90 في المئة) لتحويله إلى معدن. وقلنا إذا احتجنا في هذه السنوات العشر إلى يورانيوم منضب فسنتوجه إلى مجموعة 5 + 1، ونطلبه منها. وأبلغنا وكالة الطاقة النووية الدولية في 2003 بأننا أنتجنا كميات قليلة من البلوتونيوم. وتوقفنا عن إنتاجه، و (منشآت تصنيعه) خاضعة لإشراف الوكالة الدولية. وفي فردو جناحان، وجزء من الجناح الأول سيخصص للنظائر المشعة المستقرة أو الثابتة. وهذا ما اتفق عليه. وثمة أنواع مختلفة من النظائر المشعة، بعضها خفيف وبعضها الآخر ثقيل. ويقتضي الأمر (تحديد أي نوع من النظائر سينتج) إجراء دراسة جدوى. وإذا اخترنا إنتاج النظائر المشعة الخفيفة احتجنا إلى تعديلات كبيرة في منشأة فردو، في وقت لا حاجة لنا بتعديلات كبيرة إذا اخترنا إنتاج النظائر الثقيلة. والعمل في المشروع يبدأ قريباً. وقد ننتج الإريديوم أو أية نظائر مشعة من المصاف نفسه. ولا يمسك العسكر بمقاليد فردو. وقبل عقود كان موقع فردو مخزن ذخائر عسكرية.
وتملك إيران 3 مفاعلات توكاماك، ونحن من أبرز دول غرب آسيا في مجال الانصهار النووي. واليوم أنا للمرة الثانية على رأس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وفي ولايتي السابقة تصدرت أولوياتي الانصهار النووي. فهو مستقبل مصادر الطاقة. ونحن مسلمون، ونقبل أي مصير ينتظرنا، ولا نرى في الاغتيال أنه خسارة لحياة المرء. فنحن نؤمن بالشهادة والخلود. واغتيالات العلماء لم تعوق الأنشطة النووية، بل هي حفزت العمل في هذا المجال، وغيّر عدد كبير من الطلاب مجال دراستهم إلى العلوم النووية إثر الاغتيالات.
* رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، (من مقابلة أجراها ريتشارد ستون) عن «سيانس ماغ» الأميركي، 12/ 8/2015، إعداد م. ن.
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,187,466

عدد الزوار: 6,939,572

المتواجدون الآن: 138