ليبيا: البناء السليم على مفاوضات جنيف

تاريخ الإضافة الخميس 5 آذار 2015 - 5:58 ص    عدد الزيارات 598    التعليقات 0

        

 

ليبيا: البناء السليم على مفاوضات جنيف
Middle East and North Africa Report N°157 26 فبراير 2015
الملخص التنفيذي
قد يكون الصراع الداخلي المتفاقم في ليبيا قد أوشك على الوصول إلى نقطة تحوّل جذرية. لقد دفعت أكثر من ستة أشهر من القتال بين برلمانين، وحكومتين منبثقتين عنهما وبين الميليشيات المتحالفة معهما إلى حافة حرب شاملة. إن النظر إلى المسار الراهن للأحداث يدفع إلى الاستنتاج بأن الحصيلة متوسطة المدى لن تكون انتصار أحد الأطراف، بل تكاثُر أمراء الحرب المحليين المتنافسين والمجموعات المتطرفة، وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة، ونضوب الاحتياطيات المالية (المتأتية من إيرادات النفط والغاز والتي يتم إنفاقها على الأغذية والمشتقات النفطية المكررة المستوردة)، وتفاقم الصعوبات التي يواجهها الليبيون العاديون بدرجة كبيرة. المجموعات المتطرفة، التي تتنامى أصلاً كما يتضح من عملية قتل 21 مصرياً والتفجيرات القاتلة التي يقوم بها الفرع الليبي من تنظيم الدولة، ستجد تربة خصبة، بينما سترتفع وتيرة التدخل الإقليمي ـ كما اتضح من خلال الضربات الجوية الانتقامية المصرية. ينبغي على الجهات الفاعلة المهتمّة بمستقبل ليبيا أن تغتنم فرصة الاختراق الدبلوماسي الذي حققته الأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير في جنيف والذي يشير إلى احتمال وجود مخرج سلمي من هذا الوضع. لكن ولكي يكون من الممكن التوصل إلى اتفاق بين الفصائل الليبية ـ والذي يشكل أفضل أساس لمواجهة الجهاديين ـ ينبغي أن تتخذ هذه الأطراف إجراءات أكثر حسماً وتركيزاً مما فعلت حتى الآن.
منذ أواسط عام 2014، توسّعت رقعة القتال وازدادت حدّته. لقد ارتفعت وتيرة عمليات القصف الجوي على البنية التحتية المدنية؛ وقُتِل أكثر من ألف ليبي (2500 طبقاً لبعض التقديرات)، والعديد منهم من غير المقاتلين؛ وارتفع عدد المهجّرين داخلياً واللاجئين من 100,000 إلى 400,000. لقد بدأت الدولة الناشئة في حقبة ما بعد القذافي بالتداعي؛ حيث يزداد النقص في السلع الأساسية والوقود؛ ولم يعد بوسع الناس في بعض المناطق الحضرية الوصول إلى وسائل الاتصال أو الكهرباء بشكل يمكن الركون إليه، وباتوا يستعملون الحطب من أجل الطبخ. إن احتمال قيام الميليشيات الكبرى بشن هجمات في مدن مثل بنغازي يهدّد بظهور شبح كارثة إنسانية. أضف إلى ذلك أن ليبيا تواجه احتمال الإفلاس خلال السنوات القليلة القادمة نتيجة انخفاض إيرادات النفط وتداعي الحوكمة الاقتصادية مع تصارع الميليشيات على الجائزة الكبرى المتمثلة في البنية التحتية النفطية والمؤسسات المالية.
مع تعمّق الأزمة، فإن مواقف الأطراف المتخاصمة أصبحت أكثر تشدّداً، وأصبح خطابها تحريضياً بشكل متزايد. الليبيون، الذين توحّدوا للإطاحة بالقذافي عام 2011 باتوا اليوم يتنافسون على الحصول على دعم الرعاة الإقليميين من خلال طرح صراعاتهم على أساس النزعة الإسلامية في مواجهة النزعة المناهضة للأسلمة أو الثورة في مواجهة الثورة المضادة. إلاّ أن واقع الصراع أكثر تعقيداً من ذلك، حيث إنه صراع متعدد الجوانب والمستويات على البنية السياسية والاقتصادية للدولة، وهو صراع لا يمكن أن يكون له حلّ عسكري. إن التسوية التفاوضية هي الطريق الوحيد إلى الأمام، إلاّ أن فرصة التوصّل إلى مثل تلك التسوية تتضاءل بسرعة كبيرة.
تشكّل جولتا المحادثات اللتان استضافتهما الأمم المتحدة في جنيف في 14-15 و26-27 كانون الثاني/يناير 2015 اختراقاً محدوداً؛ حيث كانت تلك المرة الأولى منذ أيلول/سبتمبر 2014 التي يلتقي فيها ممثلون عن بعض الفصائل التي تشكّل الكتلتان المتخاصمتان الرئيسيتان ويتّفقون على إطار جديد من شأنه على الأقل أن يمدّد المفاوضات. وقد شكّل ذلك تتويجاً للدبلوماسية المكوكية المثابرة والعنيدة التي قام بها برناردينو ليون، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. لا تزال الطريق طويلة وحافلة بالعقبات، على سبيل المثال إذا رفضت الأطراف أن تشارك أو إذا انسحبت؛ حيث إن المجلس الوطني العام في طرابلس وافق متأخّراً على المشاركة في المفاوضات، في حين أن مجلس النواب الذي يتخذ من طبرق مقراً له أعلن تعليق مشاركته فيها في 23 شباط/فبراير. إلاّ أن هذه المفاوضات تبقى المنصّة السياسية الوحيدة المتاحة والأمل الوحيد في تحاشي الانزلاق إلى حرب مفتوحة. لذلك، ومن أجل البناء على مبادرة ليون وضمان أن تفضي النقاشات الجارية إلى اتفاق يحظى بدعم واسع النطاق في البلاد، ينبغي على أطراف المجتمع الدولي الداعمين للحل التفاوضي إعادة صياغة مقاربتهم وفعل المزيد لدعمه.
ينبغي أولاً تعديل الطريقة التي نزعت الأطراف حتى الآن إلى وضع الصراع في إطارها. لقد تمثّلت المقاربة الطاغية حتى الآن في التعامل مع الأطراف على أساس تقييم شرعيتها. غير أنه ينبغي تجاوز السؤال الذي يطرح حول أي البرلمانين، مجلس النواب أو المؤتمر الوطني العام، هو الأكثر شرعية أو ماهي الحجة القانونية التي يمكن استعمالها لدعم تلك الشرعية، حيث إن الفوضى المنتشرة على الأرض والسلوك الإقصائي للمعسكرين جعل من هذه المسألة غير ذات أهمية. إن مقاربة دولية تستند إلى فكرة أن مجلس النواب أكثر شرعية لأنه منتخب لا تأخذ فيه الحسبان مدى أو نطاق تمثيله في الواقع، وبالتالي فإنها تشجّعه على السعي إلى حل عسكري. كما أن ذلك يغذي شكوك المؤتمر الوطني العام بأن المجتمع الدولي يسعى إلى تهميش أو حتى إلغاء القوى التي تعتبر نفسها "ثورية" (وخصوصاً الإسلاميين)، كما حدث في أنحاء أخرى من المنطقة.
ليبيا بحاجة إلى تسوية سياسية تفاوضية وإلى جهد دولي يؤطّر الجهود ويدفعها نحو ذلك الهدف. سيترتب على اللاعبين الخارجيين أن يقدّموا إلى كلا الطرفين حوافز تدفعهما إلى المشاركة وأن يوضحوا أن أولئك الذين يصعّدون الصراع سيواجهون تبعات أعمالهم. ينبغي اتخاذ خطوات فورية للحد من تدفق الأسلحة إلى البلاد ومنع سيطرة أي من المعسكرين على ثرواتها. أما البديل فسيفضي فقط إلى الكارثة ولا ينبغي أن يكون خياراً.
باختصار، ينبغي على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجهات الأخرى الداعمة للحل السياسي التفاوضي أن تقوم بما يلي:
  • عدم التركيز على "الشرعية" في التصريحات العلنية، والتركيز بدلاً من ذلك على المشاركة في المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة وعلى سلوك الأطراف على الأرض، خصوصاً الالتزام باتفاقيات وقف إطلاق النار والدعوات إلى وقف التصعيد. وبدلاً من تفسير التبعات القانونية والدستورية للقرار الغامض الذي اتخذته المحكمة العليا حول هذه القضية، ينبغي أن يشيروا إلى أن الطريقة المثلى تتمثّل في التفاوض على تلك التبعات كجزء من خارطة طريق أوسع نحو دستور جديد ومؤسسات تمثيلية دائمة؛
  • أن تكون أكثر وضوحاً في مواجهة اللاعبين الإقليميين الذين يسهمون في الصراع من خلال تقديم الأسلحة والدعم العسكري أو السياسي ـ خصوصاً تشاد، ومصر، وقطر، والسودان، وتركيا والإمارات العربية المتحدة ـ وتشجيعها على الضغط على حلفائها الليبيين للتفاوض بإرادة طيبة سعياً لتحقيق تسوية سياسية. إن التدخل العسكري على أساس مكافحة الإرهاب، كما طلبت مصر، من شأنه أن يدمّر العملية السياسية، وينبغي معارضته في الوقت الحالي. كما ينبغي تشجيع ومساعدة الأطراف الإقليمية التي تحاول دعم المفاوضات، خصوصاً الجزائر وتونس؛
  • تصميم استراتيجيات سياسية وعسكرية، دون الإخلال بجهود الأمم المتحدة لتحقيق المصالحة، لمكافحة الإرهاب بالتنسيق مع القوى السياسية الليبية من كلا المعسكرين، مع الإحجام عن دعم التدخل العسكري الخارجي لمواجهة تنظيم الدولة. كما ينبغي على المؤتمر الوطني العام وداعميه إدانة أفعال تنظيم الدولة دون غموض أو التباس، وأن يحجم مجلس النواب عن تسييس هذه الأفعال.
  • الإبقاء على حظر إدخال الأسلحة إلى البلاد الذي فرضته الأمم المتحدة، ورفض رفع هذا الحصار جزئياً أو كلياً وتعزيز آليات تنفيذه إلى أقصى حد ممكن؛
  • النظر بفرض عقوبات من الأمم المتحدة ضد الأفراد فقط إذا أشار الأمين العام وممثله بذلك. وإذا تم فرضها، ينبغي ربطها بالعملية السياسية وفرضها أو رفعها طبقاً لمعايير شفافة تُطبَّق على الأفراد من جميع الأطراف، والتركيز على التحريض على العنف أو المشاركة فيه؛
  • حماية حيادية واستقلال المؤسسات المالية والنفطية: المصرف المركزي الليبي، شركة النفط الوطنية وهيئة الاستثمار الليبية؛ وضمان أن تقوم هذه المؤسسات بإدارة الثروات الوطنية وتلبية الاحتياجات الأساسية للناس والمساهمة بالتوصل إلى حل سياسي تفاوضي.
طرابلس/بروكسل، 26 شباط/فبراير 2015
 
 
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,138,746

عدد الزوار: 6,756,363

المتواجدون الآن: 125