هل يتوسل أهل الضعف المهانون ... الدين للانتقام من الحداثة؟

تاريخ الإضافة الأحد 13 كانون الأول 2009 - 6:43 ص    عدد الزيارات 782    التعليقات 0

        

وقائع المبادرة والجدالات التي أدت الى منع المآذن في سويسرا

هل يتوسل أهل الضعف المهانون ... الدين للانتقام من الحداثة؟

\"\"

\"\"

مجسمات لمآذن في حملة استنكار لتعديل الدستور السويسري. ... ومقابر. (الأرشيف)

يذكر حسام تمام (صحافي وباحث مصري في الاسلام السياسي، ويدير موقع  "اسلام أون لاين" الالكتروني على شبكة الانترنت)، أن النظام السياسي في سويسرا، أرسى تقليداً دستورياً يتضمن أسلوباً قريباً من فكرة الديموقراطية المباشرة، كما جاءت في التراث الفكري الديموقراطي في الغرب. ففئات الشعب يمكنها أن تلتئم في لجان تتقدم بطلب تعديل الدستور الفيديرالي، بما يتوافق مع مطالب محددة يتم تضمينها في ما يسمى "مبادرة شعبية". وهذا ما حصل تمهيداً لإقرار منع تشييد المآذن، في البرلمان السويسري الاحد الماضي في 29 تشرين الثاني. والمبادرة الشعبية ضد بناء المآذن في سويسرا، ليست مسألة تتعلق بفن العمارة وشؤون إدارة البناء المدني، بل هي أبعد من ذلك وأعمق بكثير: إنها تطال الهجرة الاسلامية والاسلام السياسي في أوروبا، وصولاً الى الاسلام نفسه.

يشرح جوناثان بلوم (Jonathan Bloom) استاذ التاريخ في معهد بوسطن (Boston) والمختص في تاريخ المآذن؛ كيف أن مستقبل المئذنة، كمكان لإلقاء نداء الصلاة (الأذان) في مدن حديثة حيث يعم الضجيج، لم يعد أكيداً. ويضيف قائلاً: "ورغم ذلك سوف يستمر بناء المآذن لتقوم بدور الرموز الصامتة، لكن البارزة بوضوح، للإسلام في العالم بأسره".
 

مئذنتا سويسرا

إن طابع الرمزية هذا هو ما سيجعل المئذنة في قلب الجدل الدائر اليوم في سويسرا. فخلف المئذنة تختبئ قضايا مقلقة أكثر اتساعاً. ولفهم ذلك لا بد من التذكير بطريقة ولادة المبادرة الشعبية ضد بناء المآذن هناك والتي صوت عليها البرلمان السويسري في 29 تشرين الثاني 2009.
ما يثير الدهشة هو أن عدد المآذن في الفضاء السويسري قليل. فعندما بدأ الجدل في 2005، اثنتان فقط كانتا موجودتان. الاولى في ميوريخ. وقد تم إنشاؤها عام 1963 بارتفاع ثمانية عشر متراً فوق مسجد صغير تابع للطائفة الاحمدية. وكان أوائل هذه الطائفة قد جاؤوا الى سويسرا في العام 1946. وتثير الطائفة الاحمدية معارضات كبيرة لدى باقي التيارات الاسلامية، ففي باكستان وغيرها من الدول يعتبرون غير مسلمين، وتمنعهم المملكة العربية السعودية عن دخول مكة المكرمة.
المئذنة الثانية موجودة في جنيف في Le petit-Saconnex. وعلى ارتفاع اثنين وعشرين متراً تعلو منذ 1978، مئذنة مسجد المؤسسة الثقافية الاسلامية ومركزها. وقد دشن المبنى رئيس الكونفيديرالية السويسرية وملك السعودية.
ومنذ 30 سنة لم تبن في سويسرا أي مئذنة أخرى. خلال هذه المدة، وعلى الرغم من ذلك، تطور الاسلام سريعاً في البلاد، خصوصاً بعد موجة من الهجرة الوافدة من تركيا ودول البلقان. ثم هناك تحولات كبيرة اجتاحت العالم الاسلامي خلال الثلاثين السنة الاخيرة. الآراء المتناقضة حول التيار الاسلامي والجهادي شكلت ايضاً العناوين الرئيسية في وسائل الاعلام السويسرية.
في هذا السياق طُرحت قضية المئذنة في حقل المناقشة السياسي السويسري. ففي 10 كانون الثاني 2005 في مدينة فانجن، أطلقت جمعية تركية مشروع "مئذنة رمزية" بارتفاع خمسة الى ستة أمتار. واجه المشروع عدداً من الاعتراضات ومنها عريضة تحمل 400 توقيع.  اللجنة البلدية المختصة في إدارة أعمال البناء رفضت المشروع. لكن الرفض ألغي في تموز 2006. قامت بإلغائه سلطات الكانتون (أو المحافظة وهي كيان سياسي شبه مستقل في إطار الكونفيديرالية السويسرية) والتي وضعت شرطاً وحيداً للسماح ببناء المئذنة، وهو عدم استخدامها لغرض الآذان. من جهة ثانية يشير قرار محكمة إدارية صادر في تشرين الثاني 2006 الى أن إضافة مئذنة الى البناء الموجود لا يغير من طبيعة استخدامه كمكان للصلاة. مجموعة من الطعون جعلت المسألة تتطور حتى صدور قرار فيديرالي برفضها في 4 تموز 2007. وفي النهاية تم تدشين المئذنة في نهاية شهر حزيران 2009.
 

قضية فانجن

اذا كان بناء مئذنة فوق مركز ألباني في فينترتور في أيار 2005، قد مر من دون أن يثير جدلاً واسعاً، فإن ذلك كان في مثابة النار تحت الرماد. فـ"قضية فانجن" كانت الباعث على انطلاق حركة اعتبرت المئذنة مؤشراً الى أسلمة زاحفة الى سويسرا في عيون الدوائر السويسرية كما لدى مواطنين قلقين. وبقدر ما كانت هناك مشاريع أخرى قدمت خلال الشهور التالية، ازدادت اشارات الشعور بالتهديد. ففي لانجنتال في مقاطعة بيرن، وفي فيل في مقاطعة سانت غال وضعت مجموعات اسلامية مشاريع لمآذن. وفي كل حالة من هذه جرى التأكيد انه لن تكون لهذه المآذن سوى وظيفة رمزية، وأنها لن تستخدم لإلقاء الأذان. لكن موضوع الرمز هو السبب في الانزعاج أكثر من ضجيج المؤذن المفترض.
في لانجنتال نظمت عريضة حوت ما لا يقل عن 3500 توقيع، بينما جرى تقديم طعن الى مصلحة إدارة البناء في المدينة التي تمثل حالة لافتة لأنها تحتضن معبداً للسيخ (gurdwara) تم تدشينه في 2006. لم يكن هذا البناء في الاصل ذا طابع تجاري جرى تحويله، بل بني أساساً ليكون معبداً للسيخ ببياض ساطع ومرئي جداً، يعلوه برج بأسهم مذهبة. وإذا كانت مشاريع بناء دور للعبادة (بما فيها المسيحية) تواجه معارضات من الجيران لأسباب مختلفة، فإن ذلك لا يحصل أبداً عندما يتعلق الامر ببناء معبد للسيخ أو معبد هندوسي أو بوذي، كما يحدث عادة في حالة مركز إسلامي. تفسير ردود الفعل تجاه المآذن لا يمكن اذاً أن يقتصر على اعتبارها مظاهر لكراهية الاجانب فحسب. فإذا كانت دوافع المعارضين تتنوع، فلأن الاسلام يثير مخاوف ذات طبيعة خاصة.
تزايد العداء للمآذن، على ما يبدو، كان نتيجة ترابط ما بين مواقف متفرقة وبين قوى سياسية بدت على استعداد لمتابعة هذه الانشغالات. فعلى يمين الطيف السياسي السويسري، انفرد الاتحاد الديموقراطي للوسط النشيط جداً، بالاهتمام بموضوع الاسلام وتهديداته، حتى في المناطق التي لا تتوافر فيها خطط لبناء المآذن. في ايلول 2005، اقترح الاتحاد الديموقراطي للوسط في برلمان كانتون فالي، أن يخضع بناء المساجد لإذن خاص. هذا الاقتراح رفض بأغلبية 96 صوتاً ضد 5 في 15 ايلول 2005. ومنذ تشرين الاول 2005، وفي أعقاب حالة فانجن، تدخل الاتحاد الديموقراطي للوسط في سولوتورن، عبر برلمان الكانتون، "لوقف تشييد المباني الدينية التي تثير إزعاجاً". ويساند الحزب مبدأ أن اي بناء جديد ذي طبيعة دينية يجب أن يخضع لإذن خاص من حكومة الكانتون. الحكومة أجابت أن سن تشريعات لمنع انتشار بعض الاديان بحجة مخالفتها خطط التنمية هي تمييز تعسفي يتعارض مع الدستور. وفي ايلول 2006 شرع الاتحاد الديموقراطي للوسط في زيورخ في جمع ما يكفي من الاصوات لاجبار حكومة الكانتون على النظر في مبادرة برلمانية تتضمن إعادة النظر في قانون التنظيم المدني، لحظر بناء المآذن في المدينة. وذلك على الرغم من عدم وجود أي مشروع جديد من هذا النوع هناك. وبطبيعة الحال، وكما يعترف عضو في البرلمان، أن فرض حظر على بناء المآذن لن يحل المشاكل، لكن "السكان توقعوا من البرلمان ومن الحكومة اتخاذ تدابير ضد التهديد الاسلامي". وفي المقابل، حذرت أحزاب أخرى مما تسميه أدلجة قانون البناء".
تواجه هذه الانتقادات المتصاعدة للإسلام، بسبب موضوع المئذنة، غضب بعض المسلمين، في حين يلعب البعض ورقة التهدئة لتخفيف حدة الجدل الذي يثيره النقاش. فالسيدة نادية كرموص، رئيسة الرابطة الثقافية للنساء المسلمات في سويسرا، تسعى الى تأكيد  التفاهم مع الشعب السويسري. فمع توافر الموارد التكنولوجية (كبرامج الحاسوب الآلي، والاشارات التلقائية على الهواتف المحمولة والساعات...)، لا حاجة لمئذنة لمعرفة متى يحين وقت للصلاة (لوماتان، 8 ايلول 2006). من جانبه، يتوقف مطران الروم الكاثوليك في بازل، كورت كوخ، عند مبدأ الحقوق، ويؤيد حق المسلمين في "أن تكون لهم مئذنة تعبر عن رمز للهوية". فالأمر بالنسبة اليه لا يفوق المسألة التي تثيرها صومعة كنيسة، طالما ان قواعد البناء ستظل محترمة.
هذه المشابهة ما بين المئذنة وصومعة الكنيسة هي موضع رفض من المعارضين. فهم يعتقدون ان المئذنة علامة على القوة والتوسع، ورمز يحمل معنى "سياسياً دينياً" يهدد السلم الديني في البلاد، كما كشفت ردود الفعل التي سجلت على كل مشروع. في ايلول 2006 بدا ان الظروف كانت تصب في مصلحة المعارضين الذين ينتمون الى اتجاهات متعددة وناشطة جداً، كما في فيل ولانجنتال وفانجن وحتى في فينترتور، حيث كان الجدل فعالا، وقد اجتمعوا في ايقركنجن (في مقاطعة سولوترن) لينسقوا النظر في اطلاق "مبادرات شعبية". وهكذا ستكون "لجنة ايقركنجن" في قلب المبادرة ضد المآذن التي اقترحت امكان اضافة بعض المواضيع الاخرى اليها. لكن يبدو ان فكرة الرمز القوي والبارز للعيان الذي يقبع خلف موضوع المئذنة، هو ما يشكل الحافز الاساسي لكبح ما يراه رواد المبادرة باعتباره توسعا اسلاميا، اضافة الى ما يعتبرونه عدم تلاؤم ما بين الشريعة الاسلامية والقوانين السويسرية.
 

الخوف من الاسلام

دعونا نتذكر السياق: تفجيرات لندن في تموز 2005، وطوفان من الجدل حول الرسوم الدانمركية في اوائل العام 2006. هذه الاحداث التي تتم تغطيتها على نطاق واسع في وسائل الاعلام، تؤدي الى خلق مناخ ملائم لنمو خطاب نقدي تجاه الاسلام. بالاضافة الى ذلك، كان هناك على مدى السنوات القليلة الماضية صدى لعدد من القضايا "الصغيرة" على نحو ما في البلاد: قضية الحجاب وساحات المقابر الاسلامية، استثناء الفتيات المسلمات من دروس السباحة او الجمباز. هذا الى جانب الصورة التي لا تخلو من السلبية في النظرة الى السكان الاجانب، اضافة الى الشكوك حول رفضهم مسألة الاندماج. في العام 2007، في بلدة بوكس (في آرغاو) رفض طلب تجنيس قدمته سيدة تركية مقيمة في سويسرا منذ العام 1981، بحجة ان ارتداءها الحجاب الاسلامي يبرز عدم استيعاب القيم الاساسية للمجتمع السويسري ويشير الى نزعة اصولية، قبل ان يتم الغاء قرار البلدية في المحكمة القومية العليا في العام 2008. موضوع المئذنة يشكل بلورة لكل هذه التوترات.
انطلقت المبادرة الشعبية في ايار 2007 في برن بقاعة فندق (KRZUS) اي الصليب في اللغة الالمانية. وذلك في ما يشبه مفارقة مقصودة او هفوة غير مقصودة. وهذا يؤكد انه ليس من السهل تفادي مسألة الرموز. اللجنة التي اطلقت المبادرة تتكون من اعضاء في الاتحاد الديموقراطي للوسط UDC والاتحاد الديموقراطي الفيديرالي UDF وهو حزب مسيحي صغير ذو انتماء انجيلي. نص المبادرة بسيط. فهو يتضمن اضافة فقرة ثالثة الى المادة 72 من الدستور السويسري الفيديرالي، تصرّح بأن: "بناء المآذن ممنوع". يحتج المستشار الوطني في الاتحاد الديموقراطي للوسط، السيد Ulrich Shlüer – الذي يعلن احترامه للاسلام – على الطبيعة الدينية للمئذنة ويتعجب من كون المسلمين الذين يقيمون في سويسرا راحوا يشعرون فجأة بالحاجة الى ان تكون لهم مآذن في المباني التي يرتادونها للصلاة منذ سنوات. اما المستشار الوطني للاتحاد الديموقراطي الفيديرالي كريستيان فابر، فيذهب ابعد من ذلك حين شرح ان الاسلام لا يشكل ديناً بل هو "اعلان حرب على العالم المسيحي وباقي المعتقدات".
توجب على اللجنة ان تجمع مئة الف توقيع صالح لمدة 18 شهرا على الاقل. تتخوف السلطات السويسرية من تداعيات دولية ممكنة، خاصة بعدما اذاعت قناة "الجزيرة" تقريرا خاصا عن الموضوع. وعبّرت وزيرة الشؤون الخارجية السويسرية في مناسبة انعقاد اجتماع "تحالف الحضارات" في مدريد، للأمين العام لـ"منظمة المؤتمر الاسلامي"OCI، أنها "واثقة من قدرة السويسريين على تحري الحكم الصحيح". لكن ذلك لم يمنع "منظمة المؤتمر الاسلامي"، بعد شهرين، من اعلان قلقها من تنامي ظاهرة "الاسلاموفوبيا" (الخوف من الاسلام) في سويسرا.
في النهاية قدم في بيرن، حيث المستشارية الفيديرالية، 115000 توقيع في 8 تموز 2008. وخلال الندوة الصحافية وضع دومينيك باتيق، المستشار الوطني للاتحاد الديموقراطي للوسط، المبادرة في اطارها العام: "يظهر الاسلام اليوم بوصفه نموذجا للتحقق. وهو نموذج ذكوري ومقاتل، تحمله مجموعات سكانية فقيرة، وتتكاثر بسرعة وتتوخى الاستيلاء على ثروات ومنافع استهلاكية، وتحدوها ارادة الانتقام من حالات الاهانة التي تعاني منها(...). ان المرتكزات الايجابية لثقافتنا، كالتسامح والمساواة بين الجنسين والاحترام والحوار، سوف تتعرض للزعزعة بسبب الهجرة الكثيفة التي يدعمها مناضلو الحرب المعلنة ضد الحداثة، والذين يعتريهم الحقد عليها بسبب حالة الضعف التي يعانونها". اذاً فليس هناك مجال لترك "ممارسة غير متسامحة ومستوردة(...) تنصب راياتها الصراعية"، وباسم الخضوع لقيم المجتمع السويسري يطالب بـ"الاحتراس والحذر".
وفي 27 آب، وبسرعة غير عادية، اتخذت الحكومة الفيديرالية موقفا واضحا ضد المبادرة من خلال رسالة طويلة، لكن من دون ان تفرغها تماما من حجمها. فالمبادرة، وان كانت تنتهك الحقوق الاساسية، فهي لا تمثل خرقا لقواعد القانون الدولي، طالما انها لا تمنع المسلمين من "ان تكون لديهم عقيدة دينية يعيشون وفقها بحرية". ومع ذلك أوردت الحكومة تحليلا صارماً حين اعلنت ان المبادرة تريد فرض "حظر لا طائل منه ولا يخضع لمبدأ التناسب"، الامر الذي سينجم عنه تقييد للحرية الدينية. وهي تخطىء هدفها بوضوح في "تعطيل نمو الاسلام في سويسرا والحيلولة دون استيعاب القانون السويسري للشريعة". ذلك لأن ارتياد المساجد سيستمر في شكل او آخر، مع وجود المآذن او في غيابها. تتضمن المبادرة ايضا حالة من عدم المساواة في المعاملة طالما انها لا تستهدف الا المجموعة المسلمة. وترى الحكومة ايضا ان ذلك سيضر بمصالح البلاد وانه لن يؤدي الى تقليص حالات التمييز التي يتعرض لها المسيحيون في البلدان الاسلامية، "بل على العكس" من ذلك.
تذكر الحكومة الفدرالية من جهة ثانية حدثا تاريخيا: فدساتير 1848 و1847 تضمنت اجراءات تمييزية ضد الكنيسة الكاثوليكية الرومانية (مثل طرد المسيحيين اليسوعيين من الاراضي السويسرية، ومنع بناء أديرة جديدة، وحظر بناء اسقفيات من دون موافقة الحكومة). وقد الغيت المواقف المتخذة ضد اليسوعيين وبناء الاديرة في العام 1973. لكن وجب الانتظار حتى السنة 2001 لالغاء المادة التي تضع شروطا على انشاء الاسقفيات، والتي تقع ضمن الفقرة الثالثة من المادة 72 من الدستور الفيديرالي. بمعنى انها كانت تقع في الاطار نفسه الذي يريد اصحاب المبادرة الحالية اضافة الفقرة المعنية حول حظر بناء المآذن.
وقد رأت أغلبية غرفتي البرلمان الوطني ان المبادرة تعتبر مقبولة من الناحية القانونية، لأنها حصلت على 36 صوتا في مجلس الولايات (وهو مجلس تشكل عضويته من ممثلين اثنين عن كل مقاطعة) في مقابل ثلاثة اصوات، ومائة وتسعة وعشرين صوتا في مقابل خمسين صوتا في المجلس الوطني (او مجلس الشعب). لكن رغم القبول بقانونية المبادرة أوصت الغالبية البرلمانية الشعب برفضها. ثم تم اطلاق النقاش حول المبادرة في مقالات الصحافة، وندوات ومواقع الكترونية وبرامج اذاعية وتلفزيونية. ولم يسجل اي جديد يذكر، اذ لا تزال الحجج المقدمة من الطرفين تدور حول الطروح نفسها. فالمعارضون يعتبرون المبادرة تمييزية وتمس الحرية الدينية ويعلنون انها تحول دون اندماج المسلمين بدل تسهيل ذلك. وفي المقابل ان مؤيدي المبادرة يرون انها تتضمن رفضا عارما "للتوسع الاسلامي" وتساهم في تخفيف التوتر الذي يحدث كلما ظهر مشروع لبناء مئذنة، كما تشجع الاقلية المسلمة على التكيف مع القواعد والاجراءات السارية في سويسرا.
 

استطلاعات الرأي

على الرغم مما سبق، تمكن ملاحظة أن النقاش ينسحب دائماً من مسألة المئذنة ليمتد الى الاسلام وتمظهراته المختلفة. فهناك طروح كثيرة تختبىء خلف موضوع المئذنة: فالاتحاد الديموقراطي الفيدرالي يعلن ان الأمر يلفت الانتباه الى مبدأ "المعاملة بالمثل (بالنسبة لدور العبادة المسيحية في الدول الاسلامية)، واحترام التاريخ والثقافة المسيحيتين السويسريتين، وفكرة عدم اهتمام المسلمين المعتدلين بالقضية، على خلاف الاسلاميين المتطرفين الذين يحاولون وضع الشريعة فوق دولة القانون.
في بداية ربيع 2009، أجرى معهد (Isopublic) استطلاعا على عينة من الف شخص، نصفهم تقريبا كانت لهم نية رفض المبادرة. 37 في المئة منهم أيدوها، أما الباقون فليسوا متأكدين. في المناطق الريفية كانت نسبة تأييد المبادرة تفوق نسبة الرافضين. ورغم ان هذه النسب قابلة للتغير، فإن ما يلفت الانتباه هو ان الأسباب التي تدفع الناس الى تأييد المبادرة تفوق نسبة الرافضين. فالمئذنة، بوصفها "رمزا للقوة" او مصدراً للضجيج الذي يمكن إن يحدثه صوت المؤذن، ليست مطروحة بقوة في الشارع السويسري. ويبدو أن الأسباب الأربعة للتصويت هي: المآذن لا تنتمي الى المحيط والثقافة السويسريين، الإسلام غير متسامح وهو يمنع بناء الكنائس،  التخوف من انتشار واسع للإسلام، ثم هناك فكرة ان على المسلمين ان يتكيفوا ويندمجوا.
هناك اليوم في سويسرا نقاشات اخرى حول مسألة المباني ذات الطبيعة الدينية. هناك جمعية نشطة في المنطقة الناطقة بالألمانية في سويسرا تجمع أشخاصا يزعجهم صوت اجراس الكنائس (وبالمناسبة اجراس الأبقار ايضا)، وقد أعلنت الجمعية انها ستتحرك ايضا للحد من الضوضاء التي ستنتج عن أصوات المآذن في حال استخدامها للآذان.
لكن النقاشات حول المآذن مختلفة عن الانشغالات المرتبطة بالضجيج وحركة السير، بالرغم من أنها يمكن إن تدرج في إطار دور العبادة التي يؤمها عدد كبير من الناس. فالقضية تعبّر عن مرحلة وفي سويسرا ربما تعبّر عن منعطف في الخطاب حول الاسلام ووضعه في الغرب. والقضية كانت قابلة للحدوث حتى في حال عدم ظهور هذه المبادرة غير المتوقعة او تجاوزها حدود التراب السويسري، لكنها ستجر الدوائر السياسية، كما المواطنين، الى الدخول بقوة في هذه الاشكالات. ومهما كانت نتائج التصويت سيستمر النقاش. ولهذا تشكل الحوارات حول المبادرة وكل ما يتعلق بها موضوعا لافتا وليس مجرد حدث عارض.

(*) جان فرنسوا مايير، مؤرخ سويسري، تتركز ابحاثه حول الحركات الدينية في العالم المعاصر، وهو ألّف أكثر من 10 كتب، وكتب مقالات كثيرة في لغات عدة. كتابه الأخير عنوانه "الانترنت والدين" (2008). ويرأس حالياً "مرصد الأديان". والتحقيق – الدراسة المنشور أعلاه، هو فصل من كتاب عنوانه "معارك حول الاسلام في الغرب: مبادرة منع المآذن في سويسرا"، أشرف على إعداده ستيفان لاتيون وباتريك هينه الذي خص "النهار" بهذا الفصل من الكتاب بعدما ترجمته الى العربية عامرية سلطاني، بدعم من "مؤسسة التعارف" و"مؤسسة مرصد الأديان".
 

جان فرنسوا مايير(*)    

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,212,042

عدد الزوار: 6,940,691

المتواجدون الآن: 125