الحرب في بشتونستان...تمتد المنطقة على مسافة 1000 ميل ويختبئ فيها زعماء «القاعدة» و«طالبان»

تاريخ الإضافة الخميس 10 كانون الأول 2009 - 11:38 ص    عدد الزيارات 760    التعليقات 0

        

واشنطن: سكوت شين *
أثارت الخطة التي كشف عنها الرئيس أوباما الأسبوع الماضي بخصوص العامين التاسع والعاشر من الحرب في أفغانستان تساؤلا جوهريا لا يزال يبحث عن إجابة: لو كان الخطر صادرا عن تنظيم «القاعدة»، ويوجد هذا التنظيم في باكستان، فلماذا نرسل 30.000 جندي إضافي إلى أفغانستان؟ في ثنايا الخطاب الذي ألقاه مساء الثلاثاء، ذكر الرئيس باكستان والباكستانيين قرابة 25 مرة، ووصف باكستان وأفغانستان معا بأنهما «مركز التطرف العنيف الذي تمارسه (القاعدة)». ربما كان من الأفضل أن يشرح للأميركيين أن القوات الإضافية التي سيجري إرسالها ستتجه إلى منطقة مغايرة تماما: بشتونستان. الملاحظ أن هذه الأراضي لا تظهر على أي خريطة، لكنها المنطقة التي يختبئ بها زعماء «القاعدة» وجماعة «طالبان». تمتد المنطقة على مسافة 1.000 ميل من إجمالي الـ1.600 ميل التي تتألف منها الحدود الأفغانية ـ الباكستانية. وينتمي سكانها إلى البشتون، وهم مجموعة تتميز باستقلالية شديدة يبلغ عدد أفرادها 12 مليون نسمة على الجانب الأفغاني من الحدود، و27 مليون نسمة على الجانب الباكستاني. ويحظى البشتون بلغة خاصة بهم (البشتونية) ونظام من التقاليد القانونية والأخلاقية، علاوة على اعتيادهم عبور الحدود التي تفتقر إلى علامات مميزة حينما وكيفما شاءوا، وتاريخ طويل تعرضوا خلاله لموجات تدخل أجنبية حملت دوما نهاية سيئة للطرف الأجنبي. ولم يتضح بعد ما إذا كان أوباما سيتمتع بحظ أفضل عن سلفه جورج دبليو. بوش، وحكام الاتحاد السوفياتي والإمبراطورية البريطانية. لكن الحقيقة المؤكدة أن هناك حربا يتحتم عليه خوضها لأن هذه المنطقة تحديدا هي التي شهدت تنامي وانتشار «طالبان» وهي التي تشهد حاليا إعادة تجميع أفراد هذه الجماعة صفوفهم وتدبيرهم للهجمات، وتوفر ملاذا لهم ولضيوفهم من «القاعدة». اليوم، يتركز جميع أعداء الولايات المتحدة تقريبا في بشتونستان، وهو اسم نسجه منذ أمد بعيد خيال أنصار إقامة وطن بشتوني مستقل. وقد تمكن زعماء «طالبان» الأفغانية، وهم أيضا من البشتون، من شن هجمات داخل أفغانستان انطلاقا من قواعد لهم على الجانب الباكستاني من بشتونستان، وهي المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية وإقليم بالوشستان في الجنوب. أيضا، من الجانب الباكستاني من بشتونستان، خطط مسلحو «القاعدة» أعمالا إرهابية ضد الغرب. تتمثل إحدى المشكلات الاستراتيجية الرئيسية أمام واشنطن في أن عدوهم، القاصي، تمكن من استغلال الحدود بين دولتين قوميتين عبر تجاهل سيادة الدولتين، بينما تعاني واشنطن حتى الآن من قيود بسبب احترامها هذه السيادة. ويرجع ذلك إلى أن باكستان وأفغانستان تعنيان بشدة لأمر حقوقهما السيادية المتعلقة بالحدود، بينما لم يأبه البشتون بها منذ ترسيمها على يد دبلوماسي بريطاني يدعى مورتيمر دوراند عام 1893. في هذا الصدد، أوضح شجوا نواز، مدير «مركز جنوب آسيا» داخل «المجلس الأطلسي»، وهي منظمة تعنى بالسياسات داخل واشنطن، أنهم «لا يعترفون بالحدود. ولم يعترفوا ولن يعترفوا بها قط». كان من شأن ذلك تعقيد الحرب ضد «طالبان» و«القاعدة» على نحو بالغ. تتمتع «طالبان» بالقدرة على تخطيط وشن هجمات من داخل باكستان وتنفيذها في أفغانستان. وبمقدور مقاتليها ـ وكذلك قادة «القاعدة» ـ التسلل عبر الحدود سعيا للهرب، أو معاودة الانضمام إلى المعركة. في الوقت ذاته، بإمكان الأميركيين شن الحرب علانية فقط في أفغانستان، وليس باكستان، الأمر الذي تعيه «طالبان» جيدا. من جهته، تحدث أحد الضباط العسكريين الأميركيين سبقت له الخدمة على الحدود الأفغانية ـ الباكستانية عامي 2003 و2004 عن ذكرياته وكيف أن مقاتلي «طالبان» كانوا يعمدون إلى التلويح بأسلحتهم من على الجانب الباكستاني لاستفزاز الأميركيين. وأضاف الضابط أن «القواعد التي اتبعناها كانت تقضي بأنه ليس بإمكاننا ملاحقتهم ولا إطلاق النار عليهم إلا إذا أطلقوا النار علينا أولا. لكن عندما كنا نراهم على الجانب الآخر من الحدود، كنا ندرك أن علينا توقع حدوث هجوم في تلك الليلة. لقد كنا الوحيدين المدركين لوجود هذه الحدود، اعتمادا على أجهزة تحديد المواقع الإلكترونية في حوزتنا». إلا أن الوضع في المنطقة ظل يتبدل على مر السنوات، وعلى وشك التبدل مجددا، مع استعداد الأميركيين لخوض حرب حامية الوطيس على جانبي الخط في الوقت ذاته. ومن المقرر أن يأتي نشر 30.000 جندي أميركي إضافي على الجانب الأفغاني من الحدود متزامنا مع تكثيف الهجمات الصاروخية من طائرات من دون طيار وهجمات الجيش الباكستاني على الجانب الآخر. منذ فرار أسامة بن لادن من القوات الأميركية في ديسمبر (كانون الأول) 2001، وعبوره جبال تورا بورا من أفغانستان إلى باكستان، تحدث المخططون الاستراتيجيون الأميركيون عن استراتيجية «المطرقة والسندان» بهدف سحق المسلحين. حتى الآن، بدا واضحا أن الحدود تفتقر إلى السيطرة المُحكمة، وأبدت الحكومات الباكستانية ترددا بالغا إزاء خوض القتال، وأصبح الوضع برمته أشبه بالطرق بمطرقة أميركية في أفغانستان على مقاتلي «طالبان» في مواجهة وسادة، وليس «سندان» باكستاني.

اليوم، من المحتمل أن تتركز القوات الإضافية التي أمر أوباما بتوجيهها إلى هناك في معقل «طالبان» في هيلمند وقندهار بجنوب أفغانستان، وبالقرب من خوست في الشرق. في الوقت ذاته، وافق الرئيس على تكثيف شديد للهجمات التي تشنها طائرات من دون طيار في باكستان، في الوقت الذي يمضي الجيش الباكستاني في حملته ضد المسلحين التي بدأها هذا الخريف في جنوب وزيرستان، في أعقاب هجوم مضاد نجح من خلاله في طرد المسلحين من وادي سوات الربيع الماضي. من جهته، أعرب مايكل أوهانلون، زميل «معهد بروكنغز» والمعني بالحرب الأفغانية، عن اعتقاده بأن: «أخيرا سنحت لنا فرصة تنفيذ استراتيجية مطرقة وسندان حقيقية على الحدود. لم نحقق ذلك من قبل قط لافتقارنا إلى القوة الكافية على جانبي الحدود أو الإرادة السياسية الكافية على الجانب الباكستاني». في الواقع، على امتداد سنوات، اضطلعت الاستخبارات الباكستانية بلعبة مزدوجة مع المتطرفين الإسلاميين، حيث عملت على تعزيزهم كقوة يمكن استخدامها ضد العدو اللدود لباكستان، الهند، داخل إقليم كشمير المتنازع عليه، وساعدت في خلق «طالبان» كقوة صد ضد النفوذ الهندي في أفغانستان. إلا أنه مع تحول المجاهدين الذين سبق أن قاتلوا السوفيات في أفغانستان في الثمانينات انقلبوا لاحقا ضد مسانديهم الأميركيين، شرع بعض المسلحين في باكستان في مهاجمة الدولة التي سبق أن شجعتهم. وانتاب الكثير من أعضاء النخبة الباكستانية الصدمة إزاء ظهور «طالبان» الباكستانية عام 2007 وما أعقب ذلك من هجمات إرهابية ضد هيكل السلطة في باكستان، بما في ذلك بي نظير بوتو، والتفجيرات الانتحارية التي شهدتها المدن وهجوم ضد مقر رئاسة الجيش في روالبندي في أكتوبر (تشرين الأول). الجمعة، شن المسلحون هجوما جديدا، حيث اقتحموا المسجد القريب من مقر رئاسة الجيش، وأطلقوا النيران عشوائيا على حشد من الناس أثناء صلاة الجمعة، وألقوا بقنابل يدوية ونسفوا أنفسهم. أسفر ذلك عن مقتل 36 من المصلين، بينهم الكثيرون من كبار المسؤولين العسكريين. وكان من شأن هذه المذبحة إحداث تغيير في توجهات الكثير من الباكستانيين، بينهم مسؤولون حكوميون، حول حكمة التساهل إزاء الجماعات الراديكالية. منذ العام الماضي، عرضت باكستان دعما هادئا، وإن كان جوهريا، لاستخدام «وكالة الاستخبارات المركزية» طائرات من دون طيار، بما في ذلك توفيرها معلومات استخباراتية حول أماكن المسلحين.

وأشار أحد الضباط السابقين لدى «وكالة الاستخبارات المركزية» يتمتع بخبرة طويلة في المنطقة، إلى أن «الآن، بات الباكستانيون مقتنعون بأنهم تجاوزوا نقطة اللاعودة، ويعلمون أنهم لم يعد بإمكانهم اللجوء إلى أنصاف الحلول». ومع ذلك، تعاني باكستان من انقسامات حادة، خاصة أنها اعتادت لعقود تركيز مخاوفها الأمنية على الهند. كما أن الرأي العام يناهض الولايات المتحدة بشدة. واعترف مسؤولون بالإدارة الأميركية أنهم لم يفوزوا بعد بتأييد إسلام آباد لعناصر كبرى في استراتيجية الحرب الجديدة. اللافت للانتباه أن باكستان لم توافق بعد على ملاحقة زعماء «طالبان» الأفغانية، أو السماح للطائرات الأميركية من دون طيار باقتناصهم داخل بالوشستان. جدير بالذكر أن الملا محمد عمر، رجل الدين الذي أقسم له حتى بن لادن بالولاء، يعمل حاليا من داخل مدينة كويتا الباكستانية، حيث يساعد في الإشراف على عودة نفوذ «طالبان» في أفغانستان.

ويطرح التاريخ سابقة مثيرة للقلق على هذا الصعيد. في وزيرستان، وهي الإقليم الباكستاني حيث تعكف «وكالة الاستخبارات المركزية» حاليا على قتل مسلحين باستخدام صواريخ، شن البريطانيون ما يمكن وصفه بأول حملة جوية لمكافحة التمرد، حيث عمدوا إلى قصف المنطقة بين عامي 1919 و1925. من جهته، قال نواز، الذي حارب جده في صفوف البريطانيين في وزيرستان عام 1901، إنه رأى في تحول السياسات الأميركية صدى للتجربة البريطانية، حيث وجد البريطانيون أنفسهم محصورين لعقود في دائرة من التمرد والقمع الوحشي وتقديم أموال لزعماء القبائل، ثم فترة من السلام أعقبها تمرد جديد. وأضاف أنه بالنظر إلى القيود الزمنية الواقعية المفروضة على المشاركة الأميركية، فإن أفضل نتيجة ممكنة ربما تكون متواضعة: «إجبار طالبان على التوصل إلى اتفاق والسماح لأميركا بالخروج». بيد أنه حتى إمكانية الخروج تحمل أخطارا بالنسبة للولايات المتحدة. الملاحظ أن تجارب البشتون طويلة الأمد مع الحرب علمتهم تفضيل من يبدون كمنتصرين، وذلك هو السبب وراء إغراء الانتصارات التي أحرزتها «طالبان» في السنوات القليلة الماضية مقاتلين بالانضمام إلى صفها. في هذا السياق، قال أندرو إم. إكسيم، الذي قاتل في أفغانستان ككابتن في الجيش الأميركي عامي 2002 و2004 وعاد للعمل مستشارا مدنيا هذا العام «أملنا الأكبر في النجاح يكمن في إحداث تغيير جوهري في توازن القوى على نحو يعطي الأفضلية لقوات الأمن الأفغانية على طالبان الأفغانية». ويعني ذلك أن مصير قرار تعزيز القوات الذي اتخذه أوباما يعتمد كثيرا على قلوب وعقول البشتون ـ ومن يبدو في موقف المنتصر. في شهادة أدلى بها أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، قال روبرت إم. غيتس، وزير الدفاع، إن هذه النقطة هي التي تظهر بها المصالح الأميركية، موضحا أنه حال إحراز «طالبان» نصرا، فإن ذلك سيوفر لـ«القاعدة» ليس ملاذا فعليا فحسب، وإنما أيضا نصرا فلسفيا سيخلف عواقب كبرى. وقال «الدرس من صعود «طالبان» مجددا بالنسبة لـ«القاعدة» أن الوقت والإرادة يقفان بجانبهما، وعبر إلحاق هزيمة بالغرب، يمكنهما استعادة قوتهما وإحراز نصر استراتيجي كبير. بات الآن من الضروري معاودة تحجيم «طالبان»، حتى وإن كان ذلك غير كاف لهزيمة «القاعدة» تماما.

* خدمة «نيويورك تايمز»
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,091,690

عدد الزوار: 6,752,282

المتواجدون الآن: 106