معركة ليبيا الأخرى

تاريخ الإضافة الجمعة 1 آب 2014 - 7:30 ص    عدد الزيارات 586    التعليقات 0

        

 

معركة ليبيا الأخرى
 أندرو اينجل و أيمن قرادة
أندرو إينجل، هو مساعد باحث سابق في معهد واشنطن، ويعمل حالياً كمحلل لشؤون أفريقيا. وكان قد سافر في جميع أنحاء ليبيا بعد تحريرها الرسمي وحصل مؤخراً على درجة الماجستير في دراسات الأمن من جامعة جورج تاون. أيمن قرادة هو محلل سياسي مستقل وأحد مؤسسي "صوت شباب ليبيا"؛ ويمكن متابعته على تويتر في @agrada.
يهدّد العنف الذي يئزّ في ليبيا منذ وقتٍ طويل بالفوران بسبب كون البلاد دولةٌ منقسمة. فالقتال الضروس الذي كان في الماضي محصوراً في بنغازي - حيث أطلق اللواء خليفة حفتر "عملية الكرامة" ضدّ خلية "أنصار الشريعة" الإرهابية المدرجة على لائحة الولايات المتحدة للإرهاب وضدّ حركات إسلامية مسلّحة أخرى - قد وصل الآن إلى طرابلس. وبالتالي تم إخلاء السفارة الأمريكية بسرعة في 26 تموز/يوليو، كما أن دولاً أخرى قد حثت مواطنيها على مغادرة البلاد.
وقد احتدم القتال في طرابلس في 12 تموز/يوليو بين ميليشيات إسلامية متشدّدة قدمت من معقل «الإخوان المسلمين» في مصراتة وحلفائها من شمال غربي البلاد وبين ألوية قوميّة مجهّزة ومدرّبة من الزنتان. وهذه الأخيرة، أي "لواء القعقاع - الصواعق - المدني"، هي قبائل تدعم "تحالف القوى الوطنية" الذي هو تحالف سياسي يميل بصورة أكثر إلى العلمانية، إلّا أنّها تابعة ظاهرياً إلى الجيش الليبي. ومنذ ذلك الحين قصفت الميليشيات المصراتية والإسلامية مطار طرابلس الدولي، الذي كان تحت سيطرة القوات الزنتانية منذ انتهاء الثورة. وهذه المعركة - التي دمرت 90 بالمئة من الطائرات على الأرض بتكلفة تزيد عن 1,5 مليار دولار أمريكي - تشكل منعطفاً مظلماً بالنسبة لليبيا، الأمر الذي يزيد من احتمال خوض البلاد حرباً أهليّة قبليّة شبيهة بتلك التي وقعت عام 1936.
تاريخ مقلق يعيد نفسه
إن القتال في بنغازي واضحاً نوعاً ما، فالخلايا المتطرفة تتّبع اسلوب حرب العصابات محاولةً استبدال نظام الدولة بنظامها غير الليبرالي. غير أنّ الوضع في شمال غربي ليبيا هو أكثر تعقيداً بكثير، بل يشبه التصارع على النفوذ السياسي الذي تصوّره دراما تلفزيونية - إذا أضيفت إليها الأسلحة الثقيلة.
وتاريخيّاً، أدت الانقسامات القبلية في هذه المنطقة إلى اندلاع الحرب الأهلية الحديثة الأولى في ليبيا بين قبائل كبرى كقبيلة ورفلة (التي حاربت مصراتة) وقبيلة المشاشية (التي حاربت الزنتان). واليوم يعيد التاريخ نفسه. وعلى عكس ذلك، مالت القبائل في شرق ليبيا إلى التجانس العرقي والتوحّد السياسي كما ظهر في مواجهتها القوات الإيطالية الإستعمارية كجبهةٍ واحدة في الماضي، ومؤخراً في تحالفها الائتلافي مع قوات حفتر ضدّ الإسلاميين والمتطرفين.
ويشكّل المشهد الدولي عاملاً حديثاً مهمّاً آخر: فيفترض أن الإمارات العربية المتحدة ومصر تدعمان القوميّين بينما تدعم تركيا وقطر والسودان الإسلاميين الذين يعتمدون على مصراتة، أي أنّ المعركة للسيطرة على طرابلس تمثّل أيضاً حرباً بالوكالة لتيّاراتٍ إقليمية على نطاق أوسع.
المشاكل السياسية التي تدفع للقتال
ساهم العديد من الاتجاهات السياسية في تأجيج الاشتباكات الأخيرة. أولاً، شلت حالة الجمود السياسي "المؤتمر الوطني العام" الذي كان على وشك أن يُحل والذي اعتمدت عليه عملية انتقال البلاد إلى الديمقراطية. ثم تمّ انتخاب 120 مرشّح مستقل و80 مرشح آخر من اللوائح الحزبية خلال انتخابات حرة وعادلة أجريت في 7 تموز/يوليو 2012. ولاقت النتائج ترحيباً بارزاً مع فوز "تحالف القوى الوطنية" بتسعة وثلاثين مقعداً ليصبح الأكثر تمثيلاً في "المؤتمر الوطني العام"، يليه "حزب العدالة والبناء" التابع لـ جماعة «الإخوان المسلمين» الذي حصل على سبعة عشر مقعداً. إلا أنّ الدراسات أظهرت أنّ المرشحين الإسلاميين والسلفيين المستقلين تمتعوا بهامش وإن كان بسيطاً يفوق الأصوات الممنوحة للمرشحين المستقلين التابعين لـ "تحالف القوى الوطنية"، حتى أن بعض التقديرات أشارت إلى أن 80 بالمئة من المرشحين المنفردين كانوا من الإسلاميين أو المحافظين دينيّاً. وقد استطاع الإسلاميون استمالة الفاعلين من غير الإسلاميين عادةً (على سبيل المثال، المجتمع الأمازيغي) من خلال الوعد بمنحهم حقوق ثقافيّة أوسع. كما استغلّ الإسلاميون النزاعات القبلية والإقليمية والعرقية لتهميش المعارضة. وفي نهاية الأمر، لم يجد "تحالف القوى الوطنية" عدداً كافياً من المرشحين المستقلين للتحالف معهم.
ومن ثم أسس المرشحون المستقلون الإسلاميون والسلفيون كتلة "الوفاء"، التي هي ثالث أكبر تكتل سياسي. وقد تزعّم هذه الكتلة المتشددة العضو السابق في "الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة" عبد الوهاب قايد. أما أخوه أبو يحيى الليبي فكان مسؤولاً ثانياً في تنظيم «القاعدة» ولاقى حتفه في هجوم شنته طائرة بدون طيار في باكستان عام 2012. وقد أدت هذه العوامل وغيرها إلى دفع حفتر إلى اتهام قايد وزميله عضو "المؤتمر الوطني العام" محمد بوسدرة بدعم الإرهاب.
بالإضافة إلى ذلك، ولّدت الأزمة السياسية آثار كارثية في ليبيا حيث تنعدم المؤسسات والقواعد والإجراءات الديمقراطية. من هنا، وبعد تعثّر الكتلة الإسلامية-الثورية في تسجيلها النجاحات في البرلمان بالطرق العادية، استخدمت أساليب خارجة عن القانون لكي تفرض سنّ تشريعاتٍ تساعد على تطبيق برنامجها الخاص، وأشهرها "قانون العزل السياسي" عام 2013. وهناك حكاية تتردد مفادها أنّ أحد الثوار قام بسحب صاعق قنبلة يدوية في مكتب رئيس الوزراء علي زيدان أثناء إجراء المفاوضاتٍ حول القانون الركيك الصياغة الذي يمنع الأفراد من المشاركة في الحكومة حتى إذا كانت تربطهم أبسط صلة بالنظام السابق. وقد أضرّ القانون المذكور الطيف السياسي في البلاد إلى حدٍّ دفع منظمة "هيومن رايتس ووتش" (Human Rights Watch) إلى حثّ الليبيين على رفضه. وفي الواقع، أدى سنّ القانون إلى استقالة العديد من الفاعلين في الحكومة كما أضعف "تحالف القوى الوطنية" إلى حدٍّ كبير.
وحيث لا توجد قوة موازنة فعالة من قبل "تحالف القوى الوطنية"، فإن برنامج الإسلاميين في "المؤتمر الوطني العام" قد أعاق إعادة بناء جهاز الأمن القومي الناشئ في ليبيا. على سبيل المثال، في كانون الأول/ديسمبر 2013 منح الإسلاميون رئيس "المؤتمر الوطني العام" نوري أبو سهمين صلاحيات قائدٍ أعلى، لكنها غير محدّدة بوضوح بعد أن كان قد طالب بها في شهر آب/أغسطس. وقد سمحت له هذه الصلاحيات بمخالفة رئيس الوزراء زيدان وتطبيق البرنامج الإسلامي مباشرةً. وكان من المفترض أن تنتهي هذه القوى بعد شهر واحد من تطبيقها، ولكن سرعان ما تم تجاهل بند الزوال. وقد روّج الإسلاميون أيضاً لصالح الميليشيات الإسلامية في "المؤتمر الوطني العام" وأضفوا عليها الشرعية وقاموا بتمويلها، بإسقاطهم القوانين السابقة التي تحمّل القوات الحكومية الرسمية مهمة ضمان أمن البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك، سعت الكتلة الاسلامية إلى تعيين القادة الخاصين بها داخل الأجهزة الأمنية. فقد أصبح عضو "الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة" السابق خالد الشريف مسؤول جهاز "الحرس الوطني الليبي" ووكيل وزارة الدفاع، وذلك بعد اندلاع الثورة بفترة وجيزة. كما تم لاحقاً ترشيح عضو كتلة "الوفاء" صلاح بادي رئيساً للإستخبارات العسكرية. ويُعرف بادي بسوء سلوكه في "المؤتمر الوطني العام" فقد ضرب ذات مرة وبشكلٍ فاضح ممثلة في المؤتمر، كما شارك أتباعه في مجزرة غرغور في طرابلس في تشرين الثاني/نوفمبر 2013. ومؤخراً، قاد الهجوم على مطار طرابلس.
المشاكل الأمنية التي تدفع للقتال
بصرف النظر عن المشاكل في بنغازي التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة، تزامنت السيطرة الإسلامية المتزايدة على الحكومة الليبية الشكلية مع ازدياد الاضطرابات وانتشار عمليات الاختطاف في طرابلس. ولا تعتبر القوة القومية أن هذا التزامن هو من قبيل الصدفة. وبالإضافة إلى زيادة الهجمات على الوسائل الإعلامية التي تنتقد الإسلاميين ومخططات خطف المواطنين الليبيين العاديين المنتشرة بكثرةٍ، تمّ اختطاف عدة مسؤولين رسميين من بينهم:
  • رئيس الوزراء السابق زيدان الذي اختطف في تشرين الأول/أكتوبر 2013؛ وبعد أن أطلق سراحه إتهَم عضويْ "المؤتمر الوطني العام" محمد الكيلاني ومصطفى التريكي بالتواطؤ في العملية
  • خمسة دبلوماسيين مصريين وموظف في السفارة في كانون الثاني/يناير2014؛ وفي المقابل اضطرت القاهرة إلى إطلاق سراح قائد "غرفة عمليات ثوار ليبيا" الإسلامية، الذي تبنّى المسؤولية عن اختطاف زيدان
  • دبلوماسيَّيْن تونسيَّيْن في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل 2014، تم اختطافهما من قبل مجموعة إسلامية
  • سفير الأردن في نيسان/أبريل 2014؛ وفي المقابل اضطرت عمان إلى إطلاق سراح عميل في تنظيم «القاعدة».
الفوضى الخطرة
يرى القوميون الليبيون أنّ جميع الإسلاميين يتشاركون في نفس الهدف النهائي ألا وهو إقامة خلافة إسلامية. وتقول عبارة شائعة قومية إن الإسلاميين "لبسوا ثوب الديمقراطية" مؤقتاً وخلعوه مؤخراً تبعاً لأدائهم الضعيف في الانتخابات الأخيرة للجنة صياغة الدستور و"مجلس النواب" الجديد الذي من المفترض أن يحلّ محل "المؤتمر الوطني العام". أمّا بعد أن أيّد الزنتانيون وعدة قبائل رئيسية أخرى "عملية الكرامة" وتدابير دفاعية مختلفة، أصبح من الممكن نشوب معارك في شوارع العاصمة شبيهة بتلك التي وقعت في بنغازي.
إن هذا التصعيد يُدخل ليبيا في حلقة مفرغة خطيرة. ويدّعي كل طرفٍ التكلم باسم الأمة بينما يعاني من تناقضاتٍ داخلية. فالحصرية القبلية الظاهرة تعيق القوميين ومنهم الزنتان، بينما بدأ العنف المستمر يصعّب التفرقة بين الإسلاميين دعاة الديمقراطية وبين أولئك الذين يدْعون إلى العنف. وعلى سبيل المثال، أيّد أعضاء بارزون في جماعة «الإخوان المسلمين» الهجوم على مطار طرابلس واعترفوا مؤخراً بأنّهم لن يساهموا في نزع فتيل التوترات إلا إذا تم "القضاء" على حفتر.
الخاتمة
يكمن أمل ليبيا الوحيد على الصعيد الداخلي في إحداث تقدّم عن طريق إقامة حوارٍ وطني فعلي ومن خلال دور اللجنة لصياغة الدستور و "مجلس النواب" المنتخب الجديد - على افتراض قبولهما من قبل الإسلاميين والثوار الآخرين. وعلى الصعيد الخارجي، ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة أصدقاء ليبيا وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الإصرار على فرض وقف فوري لإطلاق نار وانسحاب الميليشيات من العاصمة، بشكلٍ مشابه للتقدّم المحدود الذي تمّ تحقيقه ضدّ الميليشيات بعد مجزرة غرغور. ومثل هذه المبادرة تسمح للموظفين الأمريكيين بالعودة إلى العاصمة لكي يتاح لواشنطن التعاون بشكلٍ أفضل مع حلفائها لمراقبة وقف إطلاق النار وإقامة صلة مع لواءي الزنتان ومصراتة. كما ويجب الضغط على الدول الأخرى التي تزود الوكلاء الليبيين بالدعم المادي دون اتّباع المسار الرسمي الليبي الصحيح. وأخيراً، على الولايات المتحدة العمل مع أعضاء "مجلس النواب" المنتخب الجديد في طرابلس لإنشاء آلية للإشراف على وقف إطلاق النار على المدى الطويل، ونقل السيطرة على بعض المؤسسات من الميليشيات والألوية العسكرية المتمحورة حول القبائل إلى الدولة.
 
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,198,845

عدد الزوار: 6,940,116

المتواجدون الآن: 111