عملية برية: إسرائيل تدخل غزة

تاريخ الإضافة الأربعاء 23 تموز 2014 - 8:17 ص    عدد الزيارات 825    التعليقات 0

        

 

عملية برية: إسرائيل تدخل غزة
جيفري وايت و نيري زيلبر
جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية. نيري زيلبر، هو باحث زائر في معهد واشنطن، وصحفي وباحث في مجالي السياسة والثقافة في الشرق الأوسط.
بعد مرور عشرة أيام من القصف الجوي والبحري والصاروخي، بدأت إسرائيل في السابع عشر من تموز/يوليو عملية برية ضد حركة «حماس» وغيرها من الجماعات المتشددة في غزة، لتستهل بذلك المرحلة الثانية من "عملية الجرف الصامد". ولهذه المناورة البرية المحدودة أهدافٌ عسكرية واضحة، ألا وهي القضاء على شبكة الأنفاق الواسعة التي أنشأتها «حماس» وصولاً إلى داخل إسرائيل، وإضعاف قدرة هذه الحركة على إطلاق الصواريخ البعيدة المدى من شمال غزة. بيد أن الهدف الأكبر من هذه المرحلة الثانية يبقى سياسياً - وهو الإثبات لـ «حماس» أنّ إسرائيل لا تخشى الحرب البرية داخل غزة وأنّ معاناة الحركة ستتعاظم سريعاً طالما أنها ترفض التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
حماس ترفض "الهدوء مقابل الهدوء"
بدءاً من أواخر حزيران/يونيو انضمت «حماس» إلى الجماعات المسلحة الأخرى في تصعيد القصف الصاروخي من غزة باتجاه المراكز السكانية في جنوب إسرائيل. وردت الحكومة الإسرائيلية بضبط النفس، كي تشير إلى استعدادها للعودة إلى تفاهم "الهدوء مقابل الهدوء" الذي كان قد هيمن بشكل كبير منذ التصعيد البارز الأخير في تشرين الثاني/نوفمبر 2012.
وحتى 11 تموز/يوليو، بعد ثلاثة أيام من بدء "عملية الجرف الصامد" كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصف هدف العملية العسكرية هو "إعادة الهدوء إلى المواطنين الإسرائيليين." ولم يتعهد بشنّ أي حملة أوسع لتدمير إمكانيات «حماس» العسكرية في غزة كما طالب بعض وزراء اليمين. ومع ذلك استجابت «حماس» بتصعيد قصفها الصاروخي على الرغم من مناشدات التحفظ وضبط النفس التي دعا إليها جناحها السياسي.
حماس ترفض الخطة المصرية خطة لوقف إطلاق النار
في 14 تموز/يوليو، قدّم وزير الخارجية المصرية طرحاً بوقف الأعمال العدوانية على الفور والالتزام المبهم بإعادة فتح المعابر الحدودية إلى غزة. وكان من المفترض أن ترسل كلٌّ من «حماس» وإسرائيل وفدها إلى القاهرة لمتابعة المحادثات "حول المسائل الأخرى، ومنها الشؤون الأمنية". وقد قبلت إسرائيل بهذا الاقتراح وعمدت في اليوم التالي على إيقاف إطلاق النار لعدة ساعات.
بيد، إن الانقسام حول الاقتراح في صفوف «حماس» تجلّى منذ البداية. فمن ملجئه في غزة ألقى المسؤول البارز اسماعيل هنية خطاباً مضطرباً أعرب فيه عن اهتمامه بقبول الشروط وعدم معارضته "لتهدئة الأوضاع أو العودة إلى الاتفاقيات [السابقة] لوقف إطلاق النار". ولكن لم  تمر سوى ساعات قليلة حتى أعلن الجناح العسكري للحركة رفضه الرسمي للخطة واعتبر الشروط بمثابة "استسلام".
الوساطة الجارية
استمرت مساعي الوساطة في الأسبوع الأول من القتال بما تضمنته من "هدنة إنسانية" لخمس ساعات في 17 تموز/يوليو توسطت فيها الأمم المتحدة ووافقت عليها كل من إسرائيل و «حماس»، ولكن تم انتهاكها عدة مرات مع إطلاق الصواريخ من غزة. وبقيت مصر مضطلعة بدور الوسيط الأساسي مع أن صبرها مع «حماس» بات ينفذ، إلى درجة أن وزير الخارجية سامح شكري اتخذ خطوة غير مسبوقة حيث ألقى اللوم على الفلسطينيين لاستمرار القتال قائلاً: "لو وافقت «حماس» على الاقتراح المصري لأنقذت حياة أربعين فلسطينياً على الأقل."
والآن تحاول «حماس» إدخال قطر وتركيا بدور الوساطة لاعتقادها أن هاتين الدولتين أقل عداءً لأجندتها. وفي الوقت نفسه، سافر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى القاهرة حيث التقى بمسؤول رفيع من «حماس»، وإلى اسطنبول حيث كان من المتوقع أن يجتمع برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. وتفيد التقارير الصحفية أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبعض المسؤولين الإسرائيليين الذين لم يُذكر اسمهم يدعمون اضطلاع السلطة الفلسطينية بدور معين في غزة كوسيلة لإنهاء القتال وضبط أمن المعابر الحدودية.
وليس واضحاً في هذه المرحلة ما هي مطالب «حماس» الفعلية لأن الحركة لم تصدر بعد أي بيان رسمي تذكر فيه شروطها لإنهاء القتال. فالمطالب المتفرقة المختلفة التي تناقلتها الصحف خلال الأسبوع الأول من العمليات القتالية كانت متأرجحة إلى حدٍّ كبير، ومعظمها لم يتم قبولها من قبل مصر أو إسرائيل. إنّ المطلب الوحيد الذي يبدو ثابتاً هو تخفيف الحصار عن غزة، ولكن يبقى السؤال مطروحاً عن مدى بُعد أثر التنازلات التي قد تقدمها مصر وإسرائيل، وعن التنازل الذي تقبل «حماس» بتقديمه في المقابل. وبما أن «حماس» كانت الجهة التي بدأت بهذه الجولة من القتال، فهي تستميت الآن لإظهار بعض المكاسب الملموسة، ولذا فإنها تواصل التفاوض بلغة الصواريخ.
الأبعاد العسكرية للعملية البرية
بدأت العملية مساء يوم السابع عشر من تموز/يوليو وهي أكبر عملية برية إسرائيلية منذ "عملية الرصاص المصبوب" عام 2009. ومع أنها لا تزال حتى كتابة هذه السطور توغلاً محدوداً بأهداف محدودة، من الواضح أن إسرائيل مستعدة من الناحية العسكرية لتوسيعها متى دعت الحاجة. وتتمثل أهدافها الحالية بتدمير بنية الأنفاق التحتية حول الحدود، وتدمير قوى إطلاق الصواريخ/البنى التحتية في منطقة العمليات، وإلحاق الخسائر بعناصر القتال البرية المعادية.
ويبدو أن القوات البرية الإسرائيلية تعمل على ثلاثة محاور هي الجنوب والوسط والشمال. وفيما يُستبعد أن تمتد التوغلات إلى المراكز السكانية الكبرى، فهي تركز في المقابل على المناطق الحدودية التي تمتد على مسافة كيلومتر أو اثنين داخل الأراضي الساحلية. ومن جهتها ستواصل القوات البحرية والجوية الإسرائيلية عملياتها ضد البنى التحتية العسكرية في جميع أنحاء غزة وستستمر بدعم التوغلات البرية. وباختصار، هي تُحاصر الأراضي الساحلية فعلياً من جميع الجهات.
وفي المرحلة الأولية، تبدو القوات العسكرية الإسرائيلية المشاركة بتنفيذ العملية بحجم فرقة عسكرية، مع نحو 15 ألف إلى 20 ألف جندي، تضم لواء منتظم مدرع واحد وثلاثة ألوية مشاة ووحدات من سلاح الهندسة القتالي (التي تشمل على الأرجح وحدات مختصة بتدمير الأنفاق) ووحدات من الاستخبارات القتالية، ووحدات مدفعية الميدان التي تقدم الدعم من داخل إسرائيل. ومن المرجح أن تكون وحدات المشاة والوحدات المدرعة الأخرى محتجزة كاحتياط للتعامل مع الحالات الطارئة أو توسيع نطاق العملية عند تلقي الأوامر بذلك.
في المقابل، توعدت «حماس» والحركات الفلسطينية الأخرى التي تملك قوات برية بالرد بمقاومة شرسة، غير أنها ستتوخى الحذر ويرجَّح أن تحاول تفادي الاشتباكات المباشرة والواسعة النطاق مع "جيش الدفاع الإسرائيلي" كما فعلت خلال عملية "الرصاص المصبوب"، علماً بأن التقارير المبكرة تفيد عن مقاومة محدودة فقط. وفي الوقت نفسه، ستحاول تلك الجماعات مواصلة القصف الصاروخي على إسرائيل لتبرهن على قدرتها على الاستدامة وعن "عدم جدوى" العملية الإسرائيلية. ومن المحتمل أيضاً أن تستهدف "جيش الدفاع الإسرائيلي" داخل غزة بنيران بعيدة المدى من القذائف والصواريخ المضادة للدبابات. ومن شبه المؤكد تقريباً أن تسعى إلى تحقيق نجاح عالي المستوى كاختطاف جندي إسرائيلي أو تنفيذ عملية تؤدي إلى وقوع خسائر ملحوظة في صفوف "جيش الدفاع الإسرائيلي". وبطبيعة الحال، سيكون كل ذلك مصحوباً بالمزاعم الدعائية المعهودة بتحقيق الانتصارات العسكرية وإلحاق الخسائر الكبيرة بالإسرائيليين.
وفي ضوء هذه العوامل، من المحتمل أن يكون الجزء الأكبر من القتال المباشر عبارة عن أعمال ضيقة النطاق تنخرط فيها أعداد قليلة من القوات من كلا الجانبين ويتم فيها تبادل النيران البعيدة المدى. ومن ناحيته، سيستخدم "جيش الدفاع الإسرائيلي" الأسلحة الثقيلة ضد الأهداف المؤكدة، مع التنبه إلى مخاطر الأضرار الجانبية. ومن المحتمل أيضاً أن تصعّد إسرائيل إطلاق النار والصواريخ الموجهة - من الدبابات والمدافع والطائرات - بهدف ردع وتدمير الصواريخ البعيدة المدى في شمال غزة وفي بيت لاهيا ومحيطها.
التداعيات
تشكل العملية الحالية المرحلة الأولى - وليس بالضرورة الأخيرة - من العمليات البرية الإسرائيلية. فرئيس الوزراء ووزير الدفاع أمرا "جيش الدفاع الإسرائيلي" بالاستعداد "لتوسّع كبير في العملية البرية" وتم رفع جاهزية القوات المناسبة للقيام بعملية أكبر من الحملة الراهنة.
كذلك سوف تطور إسرائيل المزيد من الاستخبارات والأهداف فيما تتقدم بعمليتها، وقد يؤدي ذلك إلى بعض التوسع الناتج عن مقدراتها الخاصة. وستزداد أيضاً الأهداف العرضية التي تظهر عندما تكشف الجماعات المعادية عن قواتها وهيكلياتها القيادية خلال التصدي للقوات الإسرائيلية. وسترتفع الخسائر لدى الجانبين، مع أنها قد تكون غير متناسبة لدى الجانب الفلسطيني بسبب الأفضلية العملياتية والتكتيكية لـ "جيش الدفاع الإسرائيلي". وبالفعل خلال المرحلة البرية من عملية "الرصاص المصبوب"، لم يتكبد "جيش الدفاع الإسرائيلي" في المعارك سوى عشرة خسائر في الأرواح، كانت أربعة منها بالنيران الصديقة. ولكن تفيد المصادر عن مقتل 19 مقاتل فلسطيني وجندي إسرائيلي واحد حتى الثامن عشر من تموز/يوليو ، بينما تم التبليغ عن عدد ضئيل من الضحايا المدنيين للعملية. [عند ترجمة هذه المقالة أعلن مسؤولو وزارة الصحة في غزة عن مقتل 403 فلسطينيياً على الأقل بينما أعلنت إسرائيل عن مقتل 17 جندياً ومدنياً على الأقل].
من المحتمل أن يستمر المتشددون الفلسطينيون بالقتال خلال الهجوم الأولي ليحاولوا تحقيق فوز بارز إنما دون تعريض قواتهم لدمارٍ واسع النطاق. فخلال عملية "الرصاص المصبوب"، انسحب مقاتلو «حماس» من الحدود جراء الضغط الإسرائيلي الشديد ودخلوا المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية واشتبكوا مع القوات البرية لـ "جيش الدفاع الإسرائيلي" من باب الدفاع الظاهري.
ومن الناحية العسكرية التقنية، من المرجح أن تنجح إسرائيل إلى حدٍّ ما في تحقيق أهدافها، فسوف تُلحق الضرر بالبنى التحتية للأنفاق والصواريخ، وسوف توقع خسائر بقوات المتشددين المسلحين. ولكن كما ذُكر سابقاً، فإنّ الهدف الرئيسي من العملية هو سياسي. ومن الناحية النفسية، ترمي العملية إلى أن تبرهن لـ «حماس» أنّ إسرائيل لا ترتدع عن تنفيذ عملية برية لربما تكون فوضوية داخل غزة بالرغم من خطر تكبد الخسائر في صفوف قواتها. كما تدل أيضاً على أن الألم الذي تعانيه «حماس» سيتفاقم طالما يستمر القتال وتمتنع الحركة من التوصل إلى اتفاق.
وعلى الرغم من أن هذه العملية قد ترغم «حماس» فعلياً على المشاركة في مفاوضات أكثر جدية، إلا أن الحركة قد تجد في التوغلات البرية فرصة لجرّ "جيش الدفاع الإسرائيلي" إلى قتالٍ مطول وغير حاسم - أي نزاع تتزايد فيه الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي والمدنيين الفلسطينيين في الوقت الذي يستمر فيه القصف الصاروخي باستهداف المراكز السكانية الإسرائيلية. ومن شأن قيام سيناريو كهذا أن يمهد الطريق أمام قرار إسرائيلي حاسم حول إمكانية توسيع نطاق العملية. لكن نهاية هذه الجولة الأخيرة من القتال - ورفاهية أهالي غزة - كانت منذ البداية ولا تزال رهناً بحركة «حماس».
 
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,231,047

عدد الزوار: 6,941,417

المتواجدون الآن: 109