المقاتلون السنة الأجانب يعودون إلى العراق

تاريخ الإضافة الأربعاء 18 حزيران 2014 - 7:35 ص    عدد الزيارات 639    التعليقات 0

        

 

المقاتلون السنة الأجانب يعودون إلى العراق
هارون ي. زيلين
هارون ي. زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن.
تم إيلاء الكثير من الاهتمام وبحقٍّ للموجة العاتية من المقاتلين السُنة الذين دخلوا سوريا من عدة بلدان لمحاربة نظام الأسد في العامين والنصف الماضيين، ولكن تم التغاضي عن تداعيات هذه الحرب على دولة العراق المجاورة وامتدادها إلى أراضيها. وعلى وجه الخصوص، عاد المقاتلون الأجانب بأعداد متزايدة إلى العراق تحت راية «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، مصممين على محاربة حكومة نوري المالكي وحركة "الصحوة" السنية التي آزرت الولايات المتحدة خلال العقد المنصرم في التصدي لـ «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» (المعروف شعبياً باسم «تنظيم القاعدة في العراق»، أحد الأسماء السابقة لـ «داعش»). وكان من شأن هذا المنحى - بموازاة محاربة عراقيين إلى جانب تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في سوريا واستحواذ التنظيم بشكل متواصل على مناطق غرب العراق وشرق سوريا - أن بدّد الحدود بشكل فعال بين الدولتين. وتعمل اليوم عناصر «داعش» في كلا البلدين ولا تعتبر عبور الحدود مختلفاً عن الذهاب من إحدى ولايات "دولتهم الإسلامية" إلى أخرى.
ويمكن اعتبار استحواذ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على الموصل في الأسبوع الثاني من حزيران/يونيو بمثابة قمة الموجة الثانية من المقاتلين الأجانب القادمين إلى العراق. أما الموجة الأولى المماثلة من الجهاديين فشهدتها البلاد في ذروة الحرب العراقية التي اندلعت في العقد المنصرم حين تدفق ما يقدر بنحو 5,000 - 4,000 مقاتل أجنبي (معظمهم سعوديون وليبيون وسوريون) على مدى خمسة أعوام إلى البلاد وتم قمعهم من قبل حركة "الصحوة" المحلية و"الطفرة" الأمريكية في عدد القوات.
وبعد رد الفعل العنيف ضد «تنظيم القاعدة في العراق» قبل عدة سنوات، قرر التنظيم "عرقنة" نفسه لاعتقاده أن المواطنين يعتبرونه كياناً أجنبياً لأن العديد من قادته وأعضائه انحدروا من بلدان أخرى. وفي إطار هذا القرار، غيّر التنظيم اسمه ليصبح «مجلس شورى المجاهدين» ولاحقاً «الدولة الإسلامية في العراق»، وهذه التسمية تغيرت بدورها في نيسان/أبريل 2013 لتصبح «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من أجل شمل المناطق الجديدة التي تطالها عمليات التنظيم (حيث أن بلاد الشام تشمل سوريا).
وقد كان لتأسيس «داعش» وانخراطها الرسمي في الساحة السورية أصداءٌ مدوية في العراق، ومن ضمنها ارتفاع عدد القتلى بسبب العنف المتواصل. ووفقاً لما ورد على موقع "ضحايا حرب العراق" الذي يحصد عدد الضحايا المدنيين منذ بداية حرب 2003، سقط نحو 389 قتيل شهرياً خلال فترة ما بعد الصحوة/الطفرة (تشرين الأول/أكتوبر 2008 - نيسان/أبريل 2013). لكن في الفترة بين أيار/مايو 2013 و أيار/مايو 2014، شهد معدل الوفيات ارتفاعاً ساحقاً وصل إلى 1029 ضحية شهرياً، ويتوقع أن العدد المرتقب لشهر حزيران/يونيو سيتخطى هذا المعدل. كذلك يتطابق هذا المنحى التصاعدي مع البيانات التي أصدرتها الأمم المتحدة ووكالة "فرانس برس"، مع تفاوت الأرقام في ما بينهما بسبب اختلاف الدولتان في منهجيتهما المتبعة.
وفي الواقع أن الانتقال إلى سوريا لم يمنح «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ملاذاً آمناً فحسب بل أتاح لها كذلك سهولةً أكبر في تجنيد المقاتلين لقضيتها وفتح خطوط جديدة للاتصال لنقل الأموال والأسلحة بين ساحات القتال السورية والعراقية. وعلى الرغم من الجهود السابقة التي بذلها التنظيم لتغيير اسمه و"عرقنة" نفسه، تبقى الحقيقة أن المقاتلين الأجانب يتمتعون بمهارات قتالية أعلى وبالتالي يعتبرون مصدراً بارزاً لتعزيز القوة والفعالية في ساحة المعركة وكذلك في تدريب المجندين الجدد. وقد ساهم اللجوء إلى هذه المصادر الخارجية للمقدرات والتمويل والأسلحة في إعادة إطلاق شرارة «داعش» في العراق على مستوىً أعلى بكثير. وعلاوة على ذلك، عندما انفصلت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» عن «جبهة النصرة» - الفرع السوري الرسمي لـ تنظيم «القاعدة» - في نيسان/أبريل 2013، انضم العديد من المقاتلين الأجانب في «جبهة النصرة» إلى تنظيم «داعش»؛ كما أن الشبكات التي زودت «جبهة النصرة» بالجهاديين بدأت بإرسالهم إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وبالإضافة إلى كسب مجندين جدد وموارد جديدة في سوريا، نفّذت «داعش» أيضاً عمليات اقتحام جريئة في سجن أبو غريب وغيرها من المنشآت العقابية حيث تم تحرير العديد من المقاتلين الذين ألقي القبض عليهم خلال الصحوة/الطفرة مع العلم بأن معظمهم من الأجانب. ومع أن التنظيم يبالغ في عدد السجناء المفرج عنهم، تشير التقديرات المعقولة إلى أن ما يزيد عن 500 مقاتل تمكّن من العودة إلى ساحة القتال وتقديم خبرته إلى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». بيد أن معاودة ظهور المقاتلين المتمرسين الذي شاركوا مع التنظيم في ذروة الجهاد العراقي خلال العقد الماضي، ساعدت «داعش» على الارتقاء إلى مستوى عسكري جديد. وبالنظر إلى مختلف المناحي التي عززت قوة التنظيم على مدى العام المنصرم، يوضح ذلك أيضاً عودة ظهور المقاتلين الأجانب في العراق.
الوحدة الجديدة
على غرار البلاغات الرسمية عن الشهداء التي اعتاد «تنظيم القاعدة في العراق» نشرها في السابق، شرعت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» باتباع مثل هذا النهج في وقت مبكر من هذا العام، معربةً بذلك عن ارتياحها لنشر مثل هذه المعلومات. ومنذ أوائل آذار/مارس، نشر التنظيم 201 بلاغاً عن شهدائه من المقاتلين الأجانب في العراق على حساباته الرسمية الخاصة - على مستوى المحافظة - على موقع "تويتر" (وقد نُشرت معظم البلاغات أيضاً على المنتديات الجهادية على الانترنت). وعلى الرغم من أن بعض هذه البلاغات كانت للأفراد الذين لقوا حتفهم منذ فترة تعود إلى أيلول/سبتمبر 2012، إلا أن الغالبية العظمى كانت للوفيات التي حدثت بعد نيسان/أبريل 2013.
وبما أن مصدر هذه المعلومات هو تنظيم «داعش» نفسه، وحيث أن التنظيم يواصل نشر بلاغات قديمة، فمن المحتمل أن يكون العدد الفعلي للمقاتلين الذي لقوا حتفهم في العراق أعلى من العدد المعلن. وعلاوة على ذلك، أن بعض هذه البلاغات لا يذكر اسم بلد القتيل بل يستخدم عوضاً عنه عبارات مثل "الشامي" (التي قد يقصد بها أي شخص في بلاد الشام) و"المهاجر" (التي تدل على الهجرة فحسب). وعلى أي حال، يتوقع أن تتخطى حصيلة القتلى الجهاديين هذا العام معدلها المسجل في العام الماضي - وإذا استمر الوضع بهذه الوتيرة، سوف يبلغ عدد المقاتلين الأجانب الذين قد يلقون حتفهم في العراق نحو 233 قتيلاً بحلول نهاية عام 2014، أي أكثر بمرتين ونصف من عام 2013. ومن المرجح أن تتسارع الوتيرة مع تصاعد حدة القتال.
وعلى غرار [ما كانت عليه نسب عدد المقاتلين خلال] العقد الماضي، يحظى السعوديون بتمثيل جيد في بلاغات الاستشهاد التي ينشرها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (38 قتيلاً)، وكذلك الليبيون (عشرة قتلى). ومن المرجح أن تكون الكثير من الحالات الثماني عشر "غير المعروفة" هي لقتلى سوريين. إن التغيير الأكبر هو الازدياد الهائل في عدد القتلى من الوحدات التونسية (57) والمغربية (27). وعلى الرغم من أن غالبية المقاتلين يأتون من العالم العربي، تتضمن البلاغات أيضاً أفراد من البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والقرن الأفريقي وأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية. ومن بين الغربيين الثمانية المذكورين في البلاغات، هناك ثلاثة مقاتلين من الدنمارك، وثلاثة من فرنسا، وواحد من كل من كندا والنرويج.
وتصنف «الدولة الإسلامية في العراق والشام» "شهداءها" وفقاً لـ "الولايات" ، وتستخدم إلى حد كبير نفس أسماء "المحافظات" المستخدمة من قبل الحكومة العراقية، على الرغم من أنها تطلق على محافظة بابل "ولاية الجنوب". وبناءً على هذه البلاغات، فإن عدد الذين لقوا حتفهم - من بين غالبية المقاتلين الأجانب في العراق - في معقل تنظيم «داعش» في الأنبار قد تراجع إلى (56 قتيلاً)، وفي أجزاء من شمال محافظة بغداد (51)، وفي محافظة ديالى (41). إن الاستيلاء الأخير على الموصل يمكن أن يزيد من عدد القتلى في محافظة نينوى، حيث لقي 29 مقاتلاً حتفهم بالفعل في المدينة حتى كتابة هذه السطور.
التداعيات
إن عودة المقاتلين الأجانب إلى العراق وسيطرة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الحالية على مناطق متاخمة إلى حدٍّ ما، هما عاملان سمحا للتنظيم بنشر مقاتليه في مختلف مناطق "دولته الإسلامية" بغض النظر عن الحدود بين العراق وسوريا. فالعديد من المقاتلين حاربوا في سوريا ولقوا حتفهم في العراق، والعكس بالعكس. وفي حين يميل المراقبون إلى التركيز على "قضية المقاتلين الأجانب في سوريا"، تمتد المشكلة في الواقع على نطاق بلدين - فقد بات العراق الآن جزءاً أساسياً من نفس المأزق الذي يحاول زعماء الغرب معالجته في سوريا منذ فترة. إنّ الانتصارات المتواصلة التي يحرزها مقاتلو «داعش» في ساحة المعركة والاعتقاد بأن "إرادة الله" إلى جانبهم ضد الأعداء الذين يتفوقون عليهم عدداً، ما هي إلا حوافز تزيد من هيبة الانضمام إلى التنظيم ودعم أهدافه بنظر الجهاديين المنبثقين في جميع أنحاء العالم.
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,915,328

عدد الزوار: 6,971,726

المتواجدون الآن: 100