نهج إقليمي للتعامل مع إيران

تاريخ الإضافة الإثنين 10 آذار 2014 - 6:54 ص    عدد الزيارات 726    التعليقات 0

        

 

نهج إقليمي للتعامل مع إيران
مايكل سينغ
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.
فورين بوليسي
هناك وجهة نظر واضحة للعيان في الشرق الأوسط وما وراءه تقوم على أن الولايات المتحدة قد أصابها الإجهاد والتعب من الحروب وأصبحت مستغرقة في مشاكلها السياسية والاقتصادية الداخلية وأنها آخذة في الانسحاب من المنطقة لا محالة. إن الشلل الأمريكي في سوريا والارتباك في مصر والعقبات التي تواجهها واشنطن في أماكن أخرى جميعها عوامل عززت من شكوك الحلفاء في أنه لم يعد بالإمكان مواصلة الاعتماد على الولايات المتحدة.
وقد فاقمت المفاوضات النووية مع إيران من هذا الارتباك، حيث وفّرت مشهداً يظهر بأن الولايات المتحدة لا تجلس فقط على الجهة المقابلة من طاولة المفاوضات بل تقدم تنازلات. ومع ذلك، فمن المفارقة أن واشنطن قد اختارت الدبلوماسية تحديداً لأن البدائل - الصراع العسكري أو الإذعان وقبول إيران كدولة مسلحة نووياً - سوف تزعزع استقرار الدول الحليفة المجاورة لها.
لكن المفاوضات قد تثبت هي الأخرى أنها مزعزعة للاستقرار بسبب سوء الإدارة. ففي النهاية، لا يكمن الهدف من المحادثات إلى التوصل إلى اتفاق فحسب، بل أيضاً إلى تعزيز مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وخصوصاً في الاستقرار الإقليمي ومنع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة. بيد أنه لو تصور حلفاء واشنطن (أو إيران في هذا الصدد) أن الاتفاق هو مقدمة لانسحاب أمريكي، أو إذا تُركت إيران وهي تمتلك قدرات نووية كبيرة جداً، فإن النتيجة قد تكون نشوب صراع أكبر، لا سيما لأسباب طائفية، فضلاً عن ظهور سباق إقليمي لمضاهاة قدرات إيران.
والطريق الأوضح لتجنب حدوث ذلك هو الإصرار على اتفاق صارم مع إيران والاستعداد لترك طاولة المفاوضات إذا لزم الأمر. بيد أن أي مفاوضات تتطلب الإعطاء مثلما تتطلب الأخذ، بل إن الاتفاق الصارم قد يربك حلفاء أمريكا. وللتخفيف من ذلك، ينبغي على إدارة أوباما أن تكمل مسارَيْ سياستها المتبعة تجاه إيران - الدبلوماسية والضغط - بمسار ثالث: مسار "إقليمي" يهدف إلى طمأنة الحلفاء وتحذير إيران بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالشرق الأوسط وعازمة على المواجهة الشاملة لأي أنشطة إيرانية مزعزعة للاستقرار في المنطقة وغيرها من التهديدات للمصالح الأمريكية بشكل شامل.
وكجزء من هذه الركيزة في السياسة الإقليمية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكثف من مشاوراتها مع حلفائها في المنطقة، بما في ذلك دول "مجلس التعاون الخليجي" والأردن وإسرائيل وغيرها، بشأن إيران والقضايا الإقليمية. ولا ينبغي أن يقتصر الأمر على مجرد إطلاع الشركاء على المستجدات لاحقاً بعد كل جولة من المحادثات، وإنما يتعيّن الاجتماع معهم مسبقاً للتأكد من التعامل مع مخاوفهم وتمثيل مصالحهم.
وقد أثبتت جهود إدارة أوباما حتى الآن أنها كانت معقدة الإجراءات وضعيفة النتائج خارج المجال العسكري. وفي الواقع كثيراً ما عملت الولايات المتحدة وحلفائها على تحقيق أهداف متناقضة فيما يتعلق بمسائل إقليمية جوهرية. وتتطلب معالجة هذه المسألة بذل جهود ثابتة لإعادة بناء الثقة وخطوط الاتصالات وإيجاد أرضية سياسية مشتركة يمكن للولايات المتحدة وحلفائها التعاون على أساسها.
وتعد زيارة أوباما إلى الرياض هذا الشهر خطوة محل ترحيب في هذا الصدد لكن ينبغي ألا تكون جهداً فردياً غير متكرر، كما ينبغي ألا تكون المحطة الوحيدة للرئيس في الخليج العربي. ويلزم أن يسبق الزيارات ويعقبها قيام حوار مستمر يهدف إلى ضمان تكامل نهج الولايات المتحدة وحلفائها في التعامل مع المشاكل الإقليمية الرئيسية. إن الاجتماع الأخير الذي تحدثت عنه التقارير لرؤساء الاستخبارات الإقليميين من أجل مناقشة مسألة سوريا هو بالضبط نوع التنسيق المطلوب.
قد يكون من المغري رفض مخاوف الحلفاء بشأن أنشطة إيران الإقليمية وغيرها من القضايا باعتبارها مجرد قلق مبالغ فيه أو حتى أن يرجو المرء أنه مع اقتراب الولايات المتحدة تدريجياً وبشكل بطيء من الاستقلال في مجال الطاقة فإنه لم تعد هناك حاجة إلى الاكتراث لها. سيكون هذا توجهاً خاطئاً - إذ يمكن للحلفاء في المنطقة إضافة قدرات وعرض رؤى جديدة وتوفير التمويل وجلب هذه الاقتراحات إلى الطاولة بطرق يمكنها أن تعزز من المساعي الأمريكية. إن السماح باندثار تلك التحالفات قد يعني جهوداً أقل على المدى القصير، لكن سيثبت أنه أمر مكلف على المدى الطويل.
ومع ذلك، لن تكون المشاورات كافية لإظهار أن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة ومعالجة التهديدات التي تعترض المصالح المشتركة لن ينتهي بتوقيع اتفاق نووي. كما أن ذلك سيتطلب إجراءات أكثر صرامة لتعزيز المصالح التي تتشارك فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها هناك. ينبغي ألا يقتصر ذلك على التواجد العسكري الدائم - وهو أمر سوف توفر "مراجعة الدفاع الرباعية" القادمة فرصة لتعزيزه - وإنما ينبغي أن يشمل خطوات أكثر حسماً لمعالجة الصراعات والمشاكل التي تعصف بالمنطقة.
إن المكان الذي تحتاج فيه واشنطن إلى سياسة أكثر فاعلية واستباقاً بشكل عاجل - والذي سوف يحقق أقصى درجات الطمأنة للحلفاء ويردع إيران - هو سوريا. وعند تقييم الخيارات الجديدة الذي طلب أوباما رسمها لسياسات الولايات المتحدة الخارجية هناك، يتعين على أوباما أن ينظر في أثر قراره على المصالح الأمريكية الأوسع نطاقاً في المنطقة.
وغالباً ما يلجأ صناع السياسات إلى حجج واهية لتبرير حالة اللا فعل، حيث يقدمون "الحروب" بشكل شائن باعتبارها البديل للسياسة الأمريكية الحالية غير الفعالة تجاه سوريا. ولا تحتاج الولايات المتحدة إلى التصرف بمفردها وينبغي قطعاً ألا تلجأ بشكل انعكاسي إلى الإجراء العسكري. لكن التجارب القاسية طوال حروب دامت عقد من الزمن وثلاث سنوات من الاضطرابات في العالم العربي ينبغي أن ترشد واشنطن إلى إجراءات متعددة الأطراف تتسم بالذكاء والاقتصاد والفعالية، ولا ينبغي أن تمثل أعذاراً لحالة اللا فعل.
سوف يصعب إنجاز أي اتفاق نووي مع إيران وسوف ينطوي ذلك على خيارات صعبة. لكن اتخاذ خطوات لتعزيز التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط ومعالجة أنشطة إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار سوف يسهل الوصول إلى اتفاق - من خلال إنذار إيران بأن الولايات المتحدة تتفاوض من موقف القوة والثقة ومستعدة لاتخاذ إجراءات للدفاع عن مصالحها -هذا إلى جانب تسهيل إقناع الحلفاء، من خلال طمأنتهم بأن الولايات المتحدة لا تنوي التوصل إلى اتفاق ثم الانسحاب من المنطقة. وعلى الجانب الآخر، إذا أهملت الولايات المتحدة الصورة الإقليمية الأكبر وركزت فقط على التوصل إلى اتفاق مع طهران، فقد تكون النتيجة نصر تكتيكي، ولكن هزيمة استراتيجية.
 
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,892,607

عدد الزوار: 6,970,755

المتواجدون الآن: 89